الرأي

مرة عاشرة: أين محاكمات الفساد..؟!

في زمن الإنقاذ احتل السودان (بشرف) ذيل قائمة الفساد الصادرة من منظمة الشفافية الدولية وجاء في التقارير المتعاقبة في المرتبة 173 من مجموع 180 دولة.. والحقيقة كان سودان الإنقاذ في آخر القائمة حيث لا دولة بعده.. إنما غابت تقارير بعض دول الذيلية.. فمن أين لأي دولة منافسة ومجاراة فساد الإنقاذ… كل هذا معلوم للجميع ولكنك تنتظر الآن شهوراً عديدة فلا تجد ديوان النائب العام يقدم للقضاء قضية واحدة (ذات اعتبار) بحجم وحقيقة فساد الإنقاذ.. وذلك مما يثير العديد من علامات الاستفهام بالنظر إلى فساد الإنقاذ القياسي ومقارنته بالفشل في عقد محكمة واحدة علنية من عينات فساد الإنقاذ الذي يصيب بالقشعريرة والذي تخطى كل حدود ما عرفه البشر..ولعل العالم أيضاً يشارك السودانيين الدهشة.. كيف يكون نظام بهذا القدر من الفساد ثم يسقط بثورة شعبية شاملة ولا يتم إقامة المحاكم في جميع أنحاء البلاد..! بل إن هذا التراخي عن المحاكمات هو الذي جعل الإنقاذيين يمدون ألسنتهم (الحرشاء) ويقولون تبجحاً: أين الفساد الذي تتحدثون عنه؟ ونحن لا نقول إن لهم الحق في هذه البجاحة.. فلن يكون الحق يوماً واحداً في جانب الإنقاذيين أو يكون الإنقاذيون في جانب الحق.. إنما هي قوة العين المألوفة لدى الحرامية و(عديمي الحياء) الذين لا يخشون العيب.. طبعاً كالعادة سيقول لك ديوان النائب العام إننا نجمع البيانات ويشير إليك ببعض المجهودات الباهتة.. والغريب أننا هنا نتحدث فقط عن جرائم الفساد ولا نتحدث عن جرائم القتل والتخريب.. فهل هذا الإيقاع مقبولاً للنائب العام؟! ثم ما رأي مؤسسة القضاء في هذه الوتيرة السلحفائية العجيبة التي تسير بها محاكمة الانقلابيين التي استقال رئيس محكمتها لأنه شعر بأعراض ضغط الدم..؟!
لا بد أن هناك (شيئاً ما) لا نعلمه في ديوان النائب العام ورئاسة القضاء (وعمر أبيك إنه لشيء غريب) يضاهي الشيء الذي يكتنف مملكة الدنمارك كما تقول المسرحيات القديمة.. فمن المعلوم أن تأخر العدالة يمثل (هدية للمجرمين) وضربة للعدالة..! بل إن غياب العدالة هو الدافع الأكبر في الاستقواء على المجتمع وزيادة ضراوة المجرمين واشتداد دورة الجرائم وازدياد شراسة اللصوص والقتلة.. وهذا التلكؤ الواضح في المحاكمات هو العامل المباشر في استيقاظ خلايا الفلول ولصوص الإنقاذ الذين هربوا في بداية الثورة إلى المخابئ لأنهم يعلمون (قبل غيرهم) فداحة ما نهبوا.. فسارعوا إلى إخفاء سرقاتهم ومحو آثار جرائمهم والتخلص من العقارات المنهوبة ببيعها وإعادة تسجيلها بأسماء الأقارب والعقارب والأطفال والزوجات والشخوص الوهمية.. وبعد أن (تيقنوا) وشاهدوا كيف تتعامل الأجهزة العدلية بعد الثورة مع الفساد والجرائم المهولة عادوا إلى الشارع يقولون: لسنا حرامية والدليل فشل الحكومة في إقامة قضية واحدة علينا.. وهذا ما سمعناه كثيراً من صحفيي الفلول وإعلامييها من (شكارات ودلاكات الإنقاذ) ..!!
لماذا لا يتحرّك النائب العام في بلاغات الاتهام والسرقات والمخالفات التي أعلنتها لجنة إزالة التمكين التي اجتهدت رغم قصور إمكاناتها ورغم الحرب عليها حتى من مسؤولين في مواقع السلطة الانتقالية.. في حين أن ديوان النائب العام يحظى بالمكاتب والإمكانيات والسيارات والمرتبات والحماية الوظيفية ولا نسمع عنه (ما كان منتظراً منه)..! هل هذا عمل نيابة عامة لسلطة جاءت بها ثورة بحجم ثورة ديسمبر؟! وهل يستمر هذا الإيقاع في محاكمة فساد الإنقاذ بينما كان الناس يتوقعون انعقاد (خمسين محكمة في وقت واحد) لملاحقة جرائم الإنقاذ التي تربو عن العد والحصر.. فلماذا لا نرى الآن غير هذا العجز العجيب الذي يجعلك تطرد (شياطين الوساوس) عما يدور في الأجهزة العدلية وكواليس المرحلة الانتقالية… (اللهم أجعله خيراً)..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى