حوارات

مديرة الهيئة العامة للآثار والمتاحف “سابقاً” في حوار مع (الديمقراطي):

كشفت مديرة الهيئة العامة للآثار والمتاحف (سابقاً)، ومديرة المتاحف حالياً، غالية جار النبي عبدالرحمن، عن العديد من المهددات التي تواجه الهيئة، على رأسها الاستهداف الممنهج للعاملين ومطاردتهم بالبلاغات الكيدية الباطلة، مما أفقد الهيئة كفاءات من علماء الآثار. وكشفت أيضاً عن منعهم من المشاركات الخارجية، مثل مؤتمر الدراسات النوبية، وعن المهددات التي تواجه المواقع الآثارية، من النافذين من النظاميين والحركات المسلحة، مؤكدة أن الهيئة تعمل في ظروف بالغة التعقيد، وأنه في حال استمرت الأوضاع بهذه الوتيرة، ستفقد الهيئة خبرات وطنية..
(الديمقراطي) في المساحة التالية تسلط الضوء من خلال هذا الحوار، على التحديات التي تواجه تاريخ السودان وعلمائه من الآثاريين.

مديرة الهيئة: عقب سرقة شجرة الصندل ترك النظاميون العمل ولم يتم التحري معهم

حوار – لبنى عبدالله

*التحديات التي واجهت إدارتكم؟

تعد الآثار جزءاً من المقتنيات المهملة في الدولة بسبب ضعف الإمكانيات. الدولة لا تخصص ميزانيات للصرف على الآثار، والتي تحتاج لها بصورة ضرورية. مع العلم أنه في حال تم الصرف عليها، من المؤكد أنها ستجلب عائداً كبيراً للبلد، وستسهم في الاقتصاد القومي السوداني. هنالك تجارب لدول خارجية يعتمد اقتصادها على عائد السياحة في مجال الآثار واستثمارها وتسويقها. نحن على الصعيد المحلي لا نسوق لآثارنا.

*هل هنالك حماية كافية للمواقع الأثرية؟

للأسف لا، نحن في إدارة الهيئة نعاني في سبيل المحافظة على الآثار من جوانب عدة، لجهة أنها تتعرض لمخاطر طبيعية، وأخرى بفعل المسؤولين في الدولة.
العوامل الطبيعية لا يمكن التحكم فيها، لكن العناصر البشرية مثل المسؤولين على مستوى رأس الدولة، عند التخطيط للمشاريع الزراعية والسكنية والاستثمار في الأراضي، يجب أن ينسّقوا مع الهيئة. المشاريع تتم دون الرجوع لهيئة الآثار، مما يجعل إدارة الهيئة في مواجهة مع المواطن، ويتم اتهامنا بأننا نمنعهم من السكن. وفي حال كان هنالك تنسيق بيننا وبين من يخططون للمشاريع، يمكننا حماية الآثار.
السودان أرضه واسعة، يمكن أن تتم فيها المشاريع الزراعية والسكنية، لكن الآثار إذا دمرت لا يمكن تعويضها، هي تاريخ الأمة والوطن والهوية.

* التنقيب عن الذهب مهدد؟

التنقيب يمثل الخطر والمهدد الأكبر للآثار، وليست له حدود، خاصة التنقيب الأهلي. الشركات تأخذ مواقع معينة يمكن أن يكون قد تم مسحها، لكن التنقيب الأهلي مدمر، لجهة أننا لا نملك خارطة آثارية كاملة لكل المواقع، مما يجعل المنقبين يدمرون الآثار، خاصة أن لديهم أجهزة للبحث عنها، وعادة تصطدم بالمدافن الآثارية تحت الأرض.

*أهم المواقع الآثارية المهددة بالزوال؟

من أهم المواقع الآثارية التي فقدناها في العام (2021-2022) موقع سوبا شرق، والذي يعود للفترة المسيحية. سوبا عاصمة علوة، تم التعدي عليها من نافذين، على رأسهم الوالي في العهد البائد، عبدالرحمن الخضر، ونائب الرئيس المخلوع، علي عثمان محمد طه، والذين تورطوا في توزيع الموقع الأثري، وأثبتت المسوحات الآثارية التي تمت بالموقع، وجود قصور وكنائس وحدائق تحت الأرض بعد التنقيب، كان يمكن أن تشكل موقعاً عالمياً، ويستفاد منها في الدخل القومي. لكن للأسف، تم توزيعه كمزارع لـ(لكردي) و(العكدابي) وتغولوا عليه، وعندما يعترضهم خفير الموقع يهددونه، ويقومون بحراثة الأرض لزراعتها. وكثيراً ما توجد الأواني الفخارية التي تتكسر بسبب الحرث والزراعة.
تورط في تدمير الآثار مسؤولون كبار، ونفدوا من جرائمهم، وحتى تاريخه، التعدي مستمر، وكل أصحاب المزارع مازالوا يتمددون في الموقع، نفوذهم جعلهم يفتحون البلاغات في موظفي الهيئة. على سبيل المثال، عندما قامت الهيئة بتسوير الموقع، قام (الكردي) بنزع السور، اتهم موظفي الهيئة بالدخول في مزرعته، على الرغم من أن القانون حدد أنه موقع أثري بما فيه المزرعة. وحتى لو كان الموقع الأثري في منزله، من حق الهيئة نزعه وتعويضه.

رفضنا التصديق لحركة (تمازج) بالموقع الآثاري، فكان ردهم: “بنعرف نجيب التصديق كيف”

*آخر التعديات على موقع سوبا تمت من نظاميين للحركات المسلحة؟

آخر تعدٍ كان بواسطة نظاميين يتبعون لحركة (تمازج)، طالبوا بمنحهم تصديقاً بغرض السماح لهم بإنشاء مجمع سكني بموقع سوبا الأثري، رُفض الطلب من قبلنا، بحجة أننا لا يمكن أن نسمح بقيام مجمع سكني في موقع أثري، بأمر القانون.
كان ردُّهم على الرفض: “نحن بنعرف نجيب التصديق كيف”. ومنذ ذلك الوقت لم يحضروا، لكنني لا أضمن حماية الموقع، لجهة أن القانون لا يُنفذ ولا يُحترم، وبالنفوذ يمكن أن يضيع التاريخ كله، خاصة أن موقع سوبا تضرر كثيراً، وفقدنا منه أكثر من (60%).

*تجارة الآثار؟

لم تكن لدينا تجارة آثار بالمعنى الواضح، كانت محدودة بواسطة السياح الأجانب، وأصبحت تجارة رائدة. أي مُعدِّن في مناطق الذهب عندما لا يجد الذهب يُنقب عن الآثار بغرض بيعها، وهذا مهدد كبير.
وسائل الإعلام لها دور كبير في لفت نظر المواطن لتجارة الآثار، لأننا نقرأ في المانشيت العريض، على سبيل المثال: “بيع تمثال أثري بمبلغ (3) مليار دولار”.
مثل هذه الأخبار تلفت نظر المواطن، وأن الآثار مصدر لمبالغ كبيرة، وفي أحيان كثيرة تكون أخباراً كاذبة.
نحن كمسؤولين لا نكون على علم بها، وحتى إن كانت الأخبار صحيحة، المبالغ التي يتم وضعها كبيرة وغير حقيقية، هم يقيّمون وفق تقديراتهم الشخصية، إذ إن المواطن كان في السابق يظن أن الآثار حجارة لا قيمة لها.
مثل تلك الأخبار عملت على تدمير وضياع الآثار وتهديد وجودها، وكان لها أثر سلبي تضررت منه الهيئة العامة للآثار والمتاحف.

*قوانين الآثار، إلى أي مدى تحمي هذه القيمة الأثرية؟
القوانين أعطت أي إقليم وولاية الحق في الآثار الموجودة فيه، وبدلاً من أن يكون قانون الآثار القومي هو السائد، تتغير الصفة إلى “هيئة الآثار ولاية كذا”.
للأسف، الولايات ليس لديها الإمكانات المادية للمحافظة على الآثار، أصبحت الآثار بالنسبة لهم مصدر إيرادات وجباية، وفي حال وجود خلل في أي موقع ويحتاج للصيانة، تقوم الهيئة القومية للآثار والمتاحف بصيانته.
وزارة المالية لا تتجاوب، ترد علينا في حال احتجنا لصيانة موقع بقولها: “لا يمكن أن نعلف بقرة يستفيد من حليبها غيرنا”.
وهذه حقيقة، الولايات تأخذ إيرادات المواقع الآثارية ولا تصرف على صيانتها. وفي حال كانت هنالك حاجة للصيانة، يتم الاتصال بالهيئة العامة للآثار والمتاحف.
نتعرض لاتهامات كبيرة جداً بأننا نعمل على إهمال الآثار والمواقع، وآخر الاتهامات التي تم توجيهها إلينا أننا نُهرّب الآثار.
الآثار بالنسبة للعاملين فيها، “عِلْم”، وبالرغم من ضعف المرتبات والإمكانيات وتقييم المجتمع والمسؤولين، لكنهم يعملون من أجل حمايتها، لأنهم يَعون قيمتها.

*هنالك شكاوى من قبل العاملين بالاستهداف؟

تعرضنا لحملة ممنهجة وموجهة أطاحت بالمدير السابق، دكتور عبدالرحمن علي، وهو من أميز مديري الآثار، أطاحت به التُهم الباطلة والإشاعات. وفي عهده لا يمرُ أسبوع دون فتح بلاغ في إدارته، وتتم (جرجرته) في المحاكم، الآن مضى في سبيله، وربنا ينصره.

*هل واجهتي ذات الحملات عندما تقلدتي إدارة الهيئة؟

اتهموني ببيع الآثار والمتاجرة بها. إذا كنا فعلاً نعمل على بيعها، لا يمكن لأحد أن يعلم أننا نفعل ذلك. مخزن الهيئة به أكثر من (100) ألف قطعه آثارية، لا أحد يعلم بها غيرنا.
إن أردنا البيع أو التجارة بالآثار، كان يمكننا أخذها من المخزن، ولن يعلم أحد بذلك.
لا يمكن أن نسرق قطعة من موقع أثري أو نخرجها إلا بصورة رسمية، وعبر خطاب من الهيئة لمطار الخرطوم. كل القطع التي يتم تصديرها للمشاركة في الخارج تخرج بهدف العرض بالمعارض المؤقتة، هذا الأمر مسموح به في قانون الآثار، عبر مكاتبة واتفاقية مع الهيئة، وتتم الموافقة عبر الوزير المعني بالآثار، وتذهب موثقة بالقانون، ويتم ترحيلها بواسطة شركات عالمية متخصصة، ولا يمكن لأي شركة أن تفعل ذلك خوفاً عليها.
يتم دفع تأمين للقطع المرشحة للمشاركة في المعارض، وتشارك باتفاقية لفترة معينة فيها تمديد في حال نجح المعرض، يكون التمديد لمدة عامين وفقاً للقانون، ويمكن أن تتمدد لخمسة أعوام.
وبذات الطريقة تتم الموافقة بمؤسسية، وبعدها يتم إرجاع القطع المعروضة، ويتم تخزينها في مواقعها.

*هنالك اتهامات تقول إنكم لا تعيدون الآثار الأصلية، وما يتم إرجاعها عبارة عن نسخ؟

اتهمونا بذلك فعلاً. السؤال الذي يطرح نفسه: هل في إنسان ببيع تاريخه، ليأتي بنسخ؟ ما الهدف من ذلك؟
حتى الآن لا أعلم من المستفيد من اتهام إدارة الهيئة، وهل هو استهداف مقصود أم مجرد لغط؟ إذا كان مجرد لغط، فهذا مقدور عليه، وإذا كان استهدافاً مقصوداً من جهات معينة، فهو ما يجعلنا كموظفين نترك العمل في مجال الآثار.
وبسبب تلك الحملات، فقدنا أعداداً كبيرة من الكفاءات العاملة بالهيئة، فمن غير المحتمل أن تتم (جرجرتنا) بصورة راتبة إلى محاكم الفساد وأقسام البوليس. هذا الأمر مرهق بالنسبة للموظفين، ولا يجعلنا نؤدي عملنا بالكفاءة المطلوبة. لم تتوقف الاتهامات عند هذا الحد، فقد تم اتهامنا بأننا نأخذ قطعاً بحجة الدراسة ولا نعيدها.

موقع سوبا الأثري يسيطر عليه نافذون

*ردكم على الاتهامات؟

أوضحنا، أن مكاتباتنا في الهيئة تتم عبر مدير شرطة السياحة ومدير شرطة مطار الخرطوم، القطع الآثارية التي يتم إرسالها إلى الخارج تتم بإجراءات رسمية، وتعود بذات الخطابات. حتى وإن قصرنا في الهيئة ولم نَعدْها، فالاتهام يطال المسؤولين بالجمارك مثلنا، بأنهم لا يعيدونها، ويشاركوننا في تهريبها.
وعبر مكاتباتنا المذكورة، نوضح أن القطع ستتم إعادتها بتاريخ محدد، ولو لم نعدها، من حق المسؤولين في جمارك مطار الخرطوم مساءلتنا في الهيئة، وعند الإعادة يقومون بفحصها قطعه قطعة، لأنهم اطلعوا عليها قبل خروجها.

*تتهمون بعض الوسائط الإعلامية بعدم المهنية؟

ما يتم تداوله إعلامياً غير مهني، ومن يتداولون أخبار الهيئة لا يستمعون إلينا كمسؤولين، ولا يتم إعطاؤنا الفرصة للرد على الاتهامات، أو توضيح المعلومات غير الدقيقة.
هنالك قطع تذهب للدراسة المعملية، قطع من الفخار (كُسّار). يتم توضيح ذلك في المخاطبات الرسمية، ولا يتم إرجاعها، لأنها تنتهي في الدراسة.
إذا كان العمل الصحفي غير مؤسس على معلومات من مصادرها، وتُوجه الاتهامات لموظفي الآثار، ويتم الخوض في تشويه سمعتهم، حتماً هو عمل موجه ومقصود.

*تغير الإدارة بصورة راتبة هل يؤثر سلباً على أداء الهيئة؟

نعاني من تغيير مدراء إدارة الآثار، هذا أمر سلبي وغير جيد. نحن نتعامل مع بعثات أجنبية سنوياً، هذه البعثات تعاني أيضاً بسبب تغير الإدارة، ففي كل عام تخاطب مديراً جديداً بخلاف السابق.
والمدير الجديد لابد أن يفهم إدارة الآثار، وطريقة التعامل مع البعثات الأجنبية. سنويا تحضر إلى السودان (42) بعثة للعمل في المواقع الآثارية، علاقتها مع الإدارة مباشرة، وتغير الإدارة مع كل حكومة يؤدي إلى انهيار الهيئة.
ونطالب بالاستقرار في الإدارة، ونطالب أجهزة الإعلام بالعمل بمهنية، ذلك سيساعد الموظفين على أداء مهامهم بإيجابية.
كل موظفي الآثار يعملون على حمايتها، هم مؤتمنون عليها، وأصحاب كفاءات علمية وأخلاقية. لا يوجد موظف في موضع شك، لكن الجهات المسؤولة في الدولة صمتت عن ما نعانيه من حملات موجهة، وهذا لا معنى له بخلاف أنهم موافقون على ما نتعرض له من اتهامات، أو لا يبالون بأهمية الآثار، لم يأت أي مسؤول للجلوس معنا أو مناصرتنا، أو حتى محاسبتنا.

*هل تتم مساءلتكم من قبل الوزير؟

رسالتي لوزير الثقافة: نحن نتبع لك، وتتم جرجرتنا في المحاكم ونيابات الفساد والمال العام. على أقل تقدير، كان عليك أن تحاسبنا وتطلع على الحقائق، إذا ثبتت علينا التهم تجب إقالتنا من مناصبنا، وإذا لم تثبت رد إلينا كرامتنا واعتبارنا.
لا يوجد وزير في حكومة الثورة، ولا في أي حكومة، لمسنا منه تضامناً مع قضيتنا. ولا يوجد وزيرٌ عمَلَ على رد اعتبارنا، ولا حتى بكلمة.

*البعثات الخاصة بالتنقيب تواجه عراقيل؟

هذا أمر آخر، في كل عام نتفاجأ بقرار جديد لوجود بعثات أجنبية. للعلم، هذه البعثات تحضر من جامعات معترف بها دولياً، جامعات معروفة من متاحف معروفة، مثل متحف اللوفر، والمتحف البريطاني، تتعامل معهم السلطات بعنف وقيود مشددة.
ففي العام السابق، عندما كنت أشغل منصب مدير الهيئة، بدأ موسم البعثات، وعادة يبدأ من شهر نوفمبر وحتى مارس. البعثات التي حضرت للتنقيب في ولاية نهر النيل في مواقع معينة تم إيقافها، تعاملت معهم السلطات بالولاية معاملة سيئة.
إحدى السيدات كانت تتبع للمتحف الألماني، تعمل في السودان منذ أكثر من (30) عاماً في موقع النقعة. تقول إنها سألت النظامي الذي قام بإيقافها: “أريد معرفة سبب إيقافي”، وأوضحت أنه تم إيقافها من الساعة التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء، تحت أشعة الشمس، ومنعت من الدخول ومن العودة إلى الخرطوم.
ذكرت أنهم لم يبرروا لها سبب الإيقاف، ونحن كهيئة لا علم لنا بوجود نقاط شرطية. فقط نعطي البعثات خطاباً لمن يهمه الأمر، نوضح فيه أغراض البعثة، ويرافقها مفتش تابع للهيئة.
النظاميون ضربوا بالخطاب عرض الحائط، وعانت البعثة معاناة شديدة، حدث هذا في نهر النيل.
مع احترامي للقوات الأمنية، لكن النظاميين يتخذون قرارات فردية، وهنالك بعثات قالت إنها لن تحضر للعمل في السودان.
لدينا مشاكل في الفيزا الخاصة بدخول الأجانب إلى الدولة، ليس لديها بعثات وطنية، وحتى الوطنية تعمل بالدعم الخارجي. إذا توقفت البعثات، هذا يعني أنه لا يوجد عمل في الآثار، ونحن أيضاً سنترك العمل.
العاملون بالبعثات يقدمون للسودان خدمات من المفترض أن يعلمها المسؤولون، مثل عائد الأموال من العملة الصعبة التي تساهم في تشغيل الشباب بالمواقع في الولاية، هذه فائدة للبلاد. البعثات تعمل على إنعاش المناطق التي تعمل فيها اقتصادياً، وهنالك عمل مجتمعي مثل المراكز الثقافية والمناشط الرياضية، هذا بخلاف الصرف على التنقيب في الآثار، والذي يقدر بمبالغ مهولة.
الفيزا تتم عقب مخاطبة البعثة للهيئة، والتي توضح فيها تاريخ فترة عملها بالسودان. نقوم بمخاطبة وزارة الخارجية لتخاطب السفارة في البلد المعني، وتقوم بتمليكها أسماء أعضاء البعثة وصوراً من جوازاتهم. هذا الإجراء يتم بكل سهولة وفي ظرف (24) ساعة عبر الخارجية، ويتم دفع رسوم الفيزا في سفارة السودان بالبلد المعني.
هذا العام تفاجأنا بطلب أن تقدم البعثات عبر وزارة الداخلية في المواقع الخاصة بها، وتسدد الرسوم الخاصة بالفيزا بوزارة الداخلية، بمبلغ (30) ألف جنيه، وفي ظرف شهرين زادت من (30) إلى (50) ألفاً، وهو ما أدخلنا في حرج مع البعثات الأجنبية.
وكنا نتساءل: كيف نقنع البعثات بأن الرسوم زادت في ظرف شهر، ومطلوب منا في الهيئة كموظفين أن نقوم بعمل الإجراءات أونلاين بموقع وزارة الداخلية لموظفي البعثات، ونسدد الرسوم للأجانب، مع العلم أنه ممنوع بالقانون.
كموظفين نستلم الرسوم من الأجانب لوزارة الداخلية، وعلى الأجانب إرسال رسوم الفيزا، وهو أمر غير منطقي. بسبب هذا القرار، خسرت البعثة البولندية (13) ألف دولار لتغيير التذاكر بسبب تأخير الفيزا في وزارة الداخلية، إلى حين إرسال الرسوم للهيئة.
خاطبنا الداخلية، وسمحوا للبعثة بالدخول عبر الفيزا، وقبل الحضور قاموا بتغيير التذاكر مرتين، وهذا القرار الخاص بفيزا الدخول لم نُبَلغ به.
موقفنا أمام البعثات كان محرجاً، بسبب أننا لم نبلغهم بالقرار، وأن ثمة تعقيدات جديدة حدثت. أبلغنا بعدها بقية البعثات بأنهم سيدفعون (50) ألفاً للفيزا و(100) دولار بمطار الخرطوم.
لكن البعثات يجب ألا يتم التعامل معها مثل معاملة السياح، البعثات تحضر لفائدة البلد، يجب أن يتم التعامل معها بصورة أفضل في إجراءات الدخول.
نعمل في ظروف طارئة وبالغة التعقيد، وتحملنا كل تلك التعقيدات. الجيل الجديد لن يتحمل هذه الأوضاع التي عملت على تشريد العديد من الكفاءات.

*تم منعكم من المشاركة في مؤتمر الدراسات النوبية، ما هي أسباب هذا المنع؟

بحكم ما نتعرض له من استهداف ومضايقات وتدوين بلاغات؛ تم منعنا من المشاركات الخارجية جميعها، من ورش ودورات تدريبية، آخرها كان مؤتمر الدراسات النوبية، وهو مؤتمر عالمي سوداني، من المفترض أن يحضره السودانيون مع الأجانب.
ونحن في الهيئة كنا خمسة موظفين، تم منعنا من السفر لافتتاح المؤتمر في وارسو- بولندا، عبر توجيه اتهام بتهريب الآثار. وهي تهمة لم يتم إثباتها أو تبرئتنا، ولا حتى تم تقديمنا لمحاكمة.
تم التحقيق معنا في نيابة المال العام، مضى على الاتهام قرابة العام، ومازلنا ممنوعين من السفر، ومن حضور المؤتمرات والورش، وأي مشاركات خارجية.

*هل اعتذر موظفو الهيئة للجهات صاحبة الدعوة بأن هنالك تهم في مواجهتهم؟

لا يمكننا أن نذكر للجهات التي دعتنا أننا متهمون، المدير السابق اعتذر بأن جوازه منتهي، مع العلم أن جوازه كان سارياً. هل إذا ذكر للجهات الخارجية أنه متهم وممنوع من السفر، سيتم التعامل معه مستقبلاً!!؟

*لماذا لم تستعينوا بهيئة قانونية للدفاع عنكم؟

نأتي بالمحامين على النفقة الخاصة، الدولة لا تدفع لنا. أدفع للمحامي لتبرئتي من تهمة باطلة، هذه ليست المرة الأولى التي نتعرض فيها للاتهام، بل الثالثة. المدير السابق تم اتهامه لأكثر من (6) مرات، ظلوا يستهدفونه حتى تمكنوا من إقالته.

*من سرق شجرة الصندل من المتحف؟

تم اتهام الخفير وثلاثة موظفين معه بالهيئة، اعتقلوا لمدة (3) أشهر. وتم اتهام الكهربائي والمساعد بالمتحف ورئيس العمال، مع العلم أن الشجرة تمت سرقتها في أيام العطلة (الجمعة والسبت)، الموظفون لم يكونوا موجودين. تم اتهام المدير وقتها، وخضع لمحاكمة. السؤال: هل مدير الآثار يحضر في يوم العطلة، وإذا حضر هل من مسؤوليته الحراسة؟ كانت هنالك قوات نظامية موجودة بالمتحف، شرطة السياحة، ولديهم (3) مكاتب، وقوة كاملة برئاسة ضابط، وبها صول وعدد من النظاميين، هم المُوْكلة اليهم حراسة المتحف. وحتى في حال حضر المدير يوم العطلة، يمكنهم عدم السماح له بالدخول.
خبير الغابات عندما حضر، ذكر في إفادته أن الشجرة تم قطعها بمنشار كهربائي، والمقرن كله يمكن أن يسمع صوته. الأدهى أن الشجرة تم تقطيعها لقطع صغيرة، وتمت تعبئتها في جولات. كان السارق (مرتاح جداً) قام بتنظيف المكان، أول مرة أسمع بحرامي ينظف موقع جريمته.

*من فتح البلاغ؟

القوات النظامية لم تقم بفتح البلاغ، تم إبلاغنا عبر الجنايني، وقبل سرقة شجرة الصندل طلبت منا القوة الموجودة بالمتحف أن نعطيها تفويضاً بفتح البلاغ في حال حدوث سرقة، كتبت لهم تفويضاً، مع العلم أن حراسة الموقع مسؤوليتهم، ومن المفترض أن يقوموا بفتح البلاغ دون تفويض. بعد (3) أيام من جريمة قطع وسرقة الشجرة، أخطرني مسؤول شرطة السياحة بأنه لن يفتح البلاغ. وطالب إدارة الهيئة بفتح البلاغ، وذكرت ذلك في محضر التحري.

*هل هنالك محاولات تمت لمسح آثار الجريمة؟

حسب معلوماتي المتواضعة، فإن أي موقع جريمة يتم إبعاد الناس منه حتى لا تمسح البصمات وآثار الجريمة. الشجرة عندما تمت سرقتها سمحت الشرطة المسؤولة عن حراسة المتحف للناس بالتواجد في الموقع، ولم يتم إبعاد أي شخص، ولم يتم الاكتراث لأخذ الآثار الدالة على السارق، على الأقل أثر حذاء السارق يمكن أن يكون موجوداً.
النقطة الثانية، الحرامي قام بتنظيف موقع الجريمة باطمئنان، وعادة السارق يكون مستعجلاً وقلقاً، وهذا يمكن تفسيره بأن السارق كان محمياً.
القاضي سأل: هل تم التحقيق مع النظاميين بشرطة السياحة؟ فكانت الإجابة أنه لم يتم التحقيق. فطالب بالتحقيق معهم، وعند حضور المتحري إلى الموقع وجد أنهم غادروا، بعضهم ترك العمل، وآخر سافر. والنتيجة كانت التنكيل بموظفي الهيئة وتشويه سمعتهم وتفتيش منازلهم، مما يعد ظلماً كبيراً، ولم نستطع أن نرد لهم اعتبارهم.

*مستقبل الآثار في ظل الأوضاع الطاردة؟

لن يكون هنالك مستقبل مُبشر في ظل استهداف العاملين بالهيئة، ولن نجد موظفاً راغباً في العمل في مجال الآثار.

*كيف يمكن أن نعيد لهيئة الآثار هيبتها؟

بالاعتذار للعاملين بالهيئة، والعمل على رد اعتبارهم، لأنهم يعملون في ظروف بالغة التعقيد، ويقومون بالعمل في أهم وأخطر المواقع الآثارية، وأن يحس المسؤولون بأهمية دعم الهيئة وحماية العمل الآثاري بإرادة وجدية.

*الإعلام غير المهني ساهم في تشويه سمعة العاملين؟

هنالك استهداف إعلامي مُمنهج لبعض الكتّاب والصحفيين، ضد العاملين بالهيئة، بسبب عدم الرجوع لإدارة الهيئة، وأخذ المعلومات الصحيحة من مصادرها. الرسالة الإعلامية مسؤولية أخلاقية في المقام الأول.

*العاملون مطاردون ببلاغات كيدية؟

البلاغات كثيرة، وحتى أوامر القبض الصادرة في مواجهة العاملين لا تأخذ الصبغة القانونية، وآخر بلاغ كان في مواجهتنا كان حول معرض للهيئة ببرلين ومتحف ببولندا، مع العلم أن هذه المعارض عندما ذهبت القطع الآثارية للمشاركة في المعارض، لم أكن في موقع القرار، كنت وقتها موظفة صغيرة، وتوقيعي لا يوجد في الخطابات والمستندات الخاصة التي بموجبها تم السماح بالمشاركة في تلك المعارض.
تم توجيه تهمة لي وثلاثة موظفين، لم نكن وقتها في موقع اتخاذ القرار، ولكن تم استدعائي لجهة أنني أشغل منصب مدير الهيئة. وما آثار دهشتي إصدار أمر القبض قبل إعلاننا المعروف أنه يتم الإعلان بالحضور في حال عدم الاستجابة، يصدر أمر القبض.

*هل تم توجيه تهمة في مواجهتكم؟

حضر إلينا نظامي أثناء الدوام، وذكر أنه من نيابة الفساد، لديه أمر قبض في مواجهة (4) موظفين. تم إدخال الموظفين الحراسة، وذكر لنا الضابط أن الأوامر الصادرة في مواجهتنا الحبس بالحراسة، ولكن لأننا نساء سيتركنا في المكتب. وقتها لم يكن موظفو الهيئة على علم بما يحدث، تفاجأنا بالخبر في الوسائط الإعلامية، مما يعني أنها حملة ممنهجة. الخبر عمل على تشويه سمعتنا، وكان بعنوان “القبض على مديرة الهيئة بتهمة الفساد وتهريب الآثار وعدد (3) موظفين”. كيف للمعلومة أن تخرج ونحن لم نخضع حتى للتحقيق، والقضية لم ينظر فيها، ولم نخرج بعد من النيابة؟ من يقف وراء ذلك لا نعلم؟

*رسالة أخيرة؟

نطالب المسؤولين أن يعلموا أننا نعمل في ظروف بالغة التعقيد، ولا نتاجر في الآثار. ولو كنا نفعل ذلك لما كانت أوضاعنا متردية، تجارة الآثار تدر المال أكثر من الذهب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى