الرأي

مبادرة رئيس الوزراء .. الطريق إلى الأمام!!

لؤي قور
والطريق إلى الأمام هو عنوان المبادرة التي تقدم بها رئيس الوزراء، وهو حجر ألقى به في بركة (استنهاض) همم الثوار، في سعيهم لإكمال مسيرة التغيير، والتي كان قد أصابها شيء من وهن. وفي وقت تزايدت فيه مظاهر الانقسام بين مكونات الانتقال المدنية والعسكرية، وتزايد مظاهر الانقسام بين المدنيين والمدنيين، والعسكريين والعسكريين، وشهد تضارباً في سياسات البلاد الخارجية، مما ينذر بالتشظي، على حد تعبير د. (عبدالله حمدوك).
وضعت المبادرة الأصبع على الجراح، وأشارت لمواطن الخلل والقصور في عدة مواضع، مما منحها قبولاً كبيراً على عدة أصعدة. فقوبلت المبادرة بارتياح في الشارع العام، ومن قبل قوى الحرية والتغيير، وشركاء السلام وبعض رموز الطرق الصوفية منهم على سبيل المثال سماحة (الشيخ الياقوت). وأصدر (تجمع أسر شهداء ديسمبر) بياناً يرحب فيه بالمبادرة، في وقت مضت فيه عدد من تنسيقيات لجان المقاومة وأعداد كبيرة من المواطنين على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي في ذات الاتجاه.
أفرزت المبادرة حواراتٍ عدة بين مكونات الانتقال السياسية، فشهدت الساحة تقارباً في مواقف كانت قد تباعدت في الفترة الماضية لحد كبير، منها تجميد حزب الأمة لعضويته داخل الحرية والتغيير، والتصريحات الإعلامية غير المناسبة من بعض المكونات تجاه بعضها الآخر. واكتسبت المبادرة زخماً كبيراً بفعل ما وجدت من قبول. حوار بين (الجبهة الثورية)، و(المجلس المركزي للحرية والتغيير)، وحزب الأمة. الآلاف يخرجون في مواكب تدعم التعايش السلمي في (نيالا)، و(بورتسودان)، و(كسلا). وينظمون حملات تهدف لتنبيه المجتمع لأهمية التعايش السلمي بعد أن صارت النزاعات القبلية تتكرر في عدد من المناطق، ويغذيها الفلول بالطبع.
دعت المبادرة لتوحيد الكتلة الانتقالية، وتحقيق أكبر إجماع ممكن داخلها حول مهام الانتقال، والشروع مباشرة وعبر جدول زمني متفق عليه في عملية الوصول لجيش واحد مهني وقومي، بعقيدة عسكرية جديدة عبر عملية جديدة للإصلاح الشامل، وبما يعبر عن تنوع السودان. وتوحيد مراكز القرار داخل الدولة وعملها وفق رؤية مشتركة، والاتفاق على آلية محددة للسياسة الخارجية وإنهاء التضارب الذي شهدته الفترة الماضية.
وشددت المبادرة على ضرورة الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام، واستكماله كقضية رئيسية من قضايا الانتقال. وتقوية توجه الحكومة والدولة الذي يقوم على الإنتاج المحلي، وحماية الفقراء والمستضعفين، والتعاون مع المؤسسات الدولية، فضلاً عن الالتزام بتفكيك التمكين لصالح دولة الوطن، وبناء مؤسسات وطنية مستقلة. والالتزام التام من جميع الأطراف بالعمل على الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي مدني، يقوم على أساس المواطنة المتساوية، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة.
وتقدمت المبادرة بمقترحات كأساس لتسوية سياسية تفتح الطريق للتحول الديمقراطي فصلت في بعضها، وتركت بعضها لمزيد من النقاش والتشاور، كان أولها إصلاح القطاع الأمني والعسكري. تليها قضايا العدالة، وقضايا الاقتصاد، والسلام. وكذلك تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، ومحاربة الفساد، وملف السياسة الخارجية، بالإضافة لتكوين المجلس التشريعي. على أن تكون آلية مشتركة لمتابعة تنفيذ وتطوير الاتفاق بين مكونات الفترة الانتقالية حال توقيعه.
فتحت مبادرة رئيس الوزراء الباب أمام مسيرة الانتقال لتجاوز عقبات كبيرة اعترضت مسيرته، وتمثلت في هذا التشظي الذي أشارت إليه المبادرة، وحفزت كثيرين على الإدلاء بمقترحاتهم وإسهاماتهم في هذا الصدد، بعد أن بدأ رئيس الوزراء مشاورات كثيرة حولها، مع مختلف قطاعات المجتمع. من سياسيين، وصحفيين، وقوى اجتماعية، ومنظمات مجتمع مدني، ومجموعات نسوية. وأعلت من الروح الوطنية، خاصة بعد القرارات التي أعقبت المبادرة، والتي أصدرها مجلس الوزراء، لوضع الأمور في نصابها. والكرة الآن في ملعب جماهير الشعب السوداني وشركاء الانتقال، للمضي خطوة إلى الأمام. فالقوى الحزبية يجب أن تتواضع، وتستمع لبعضها البعض. وكذلك الكتل المكونة لتحالف قوى الحرية والتغيير، وشركاء السلام، الذين أبدوا استعداداً كبيراً للانخراط في عملية توحيد قوى الثورة التي طرحتها المبادرة. فيجب أن تتطور الجهود في هذا الصدد من أجل صناعة وحدة قادرة على تجاوز تحديات الانتقال، والصمود أمام الثورة المضادة، في مساعيها الحثيثة لإفشال الفترة الانتقالية، فضلاً عن تقوية الإعلام الحكومي، الذي شابته شائبة ضعف منذ تشكيل الحكومة الانتقالية الأولى، وحتى كتابة هذا المقال. على الرغم من تحسن طفيف طرأ عليه في الفترة الأخيرة، فيما يتعلق باستخدام الوسائط المختلفة، وسرعة التعاطي مع الخبر. لكن لا يزال ينقصه صعوبة الحصول على المعلومة، وتوفيرها للإعلاميين. مما يساعد في إبطال حملات الفلول، التي تسعى لبث الإشاعات والأكاذيب والإحباط، عبر غرف مخصصة للحرب الإعلامية، في وقت يستشرف فيه السودانيون أملاً بالعبور إلى رحاب الدولة المدنية الديمقراطية. وهناك توسعة قاعدة الانتقال، والتي أشارت إليها المبادرة، وأعقبها قرار من مجلس الوزراء، يقضي بضرورة تكوين المجلس التشريعي في فترة أقصاها شهر. وكانت الحرية والتغيير قد قطعت شوطاً كبيراً في تكوينه، لكن تأجل بحثاً عن مزيد من التوافق، والإيفاء باشتراطات أوسع تمثيل. ولعل المدة الزمنية المحددة بشهر هي أكثر من كافية لاكتمال المشاورات، وإعلان المجلس، مما يعد خطوة فاعلة وسريعة في البدء في توسيع قاعدة الانتقال، بالإضافة لاستكمال عملية السلام، وإكمال هياكل الحكم، من هياكل المؤسسات العدلية، وتكوين المفوضيات، وهياكل الحكم المحلي، التي سيكون لها أثر بالغ في توسعة قاعدة الانتقال، ودخول الثوار في معركة البناء، التي لا غنى فيها عن جهد أحد. فبمثلما تحتاج التشكيلة الانتقالية للوحدة من أجل إنجاح الفترة الانتقالية، يحتاج السودانيون من أصحاب المصلحة في التغيير للتوحد، من أجل عبور طريق الانتقال الوعر. وعلى شركاء الانتقالية من العسكريين والمدنيين تعزيز الشراكة فيما بينهم وبناء الثقة عبر الحوار الجاد والمنتج والمسؤول، حفظ الله السودان وشعب السودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى