الرأي

لِلذِّكْرَى والتَّارِيخْ!

الإثنين
في يونيو 1989م وقع انقلابان. الأوَّل محاولة فاشلة أصدرت قيادة الجَّيش بياناً بشأنها. أمَّا الآخر فانقلاب الاسلامويِّين الذي أنشأ نظاماً دام ثلاثين عاماً. في عقابيل المحاولة الفاشلة بعث اللواء شرطة/ صلاح مطر، مدير الأمن الدَّاخلي، بخطاب إلى رئيس الوزراء، ووزيري الدِّفاع والماليَّة، كالآتي:

«الخطاب»:
[26  يونيو 1989م
سرِّي للغاية.
ردود فعل المحاولة الانقلابيَّة.
الموضوع/ تقرير خاص.
كتوجيه وزير الدَّاخليَّة ارفق لكم تقريراً حول ردود فعل المحاولة الانقلابيَّة، وشكراً].

«التَّقرير»:
[احدث بيان قيادة الجَّيش ردود فعل متباينة في اوساط الاحزاب، والنَّقابات، والعسكريِّين، والمواطنين. الرَّصد التَّالي يوضِّح ذلك:

«الأوساط العسكريَّة»:
يرى بعض العسكريِّين أن الجَّيش كان له رأي واضح في الوضع الرَّاهن عكسته مذكرة فبراير 1989م، وما أوردت من أسباب موضوعيَّة «على حد تعبيرهم»، ما يجعل التَّحرُّك العسكري لتغيير الحكم متوقَّعاً، وأنه سيلقي الدَّعم من معظم الوحدات – ويدللون على ذلك بأن معظم المخطِّطين للانقلاب من الرُّتب الكبيرة – عميد – ما يعني تأييد الرُّتب الأدنى.
آخرون يرون ان «هذا التأييد» وضح في التَّذمُّر الواضح والجَّريء الذي ابداه العسكريُّون اثناء عمليات التَّنوير التي قام بها القادة للوحدات العسكريَّة «البعض وصف هؤلاء القادة بالجُّبن والخذلان»؛ كما وصفهم آخرون بأنهم – أي القادة – قبلوا اهمال الحكومة للجَّيش، وتمكينها لجون قرنق من احتلال مناطق كثيرة بالجَّنوب، وانشغالها عن ذلك باللهث وراء المكاسب الحزبيَّة مِمَّا افرز تردِّيا امنيَّاً ومعيشيَّاً في اقاليم السُّودان قاطبة. ويتردَّد ان بعض قيادات الجَّيش صرَّحت بأنها «لن تتمكَّن من السَّيطرة والتَّحكُّم في من هم تحت امرتها، ومنعهم من المغامرة طالما ان اسباب الانقلابات قائمة».

«الاحزاب»:
احزاب اليسار اعلنت، عبر وسائل إعلامها، موقفها الرَّافض لأي انقلاب عسكري أو أيِّ دكتاتوريَّة جديدة، وفي ذات الوقت استنكرت اوساط هذه الاحزاب حملات الاعتقال التَّحفُّظي لبعض الصَّحفيِّين، ومحاولة السُّلطة لتوريط هؤلاء الصَّحفيِّين بالاشتراك في المحاولة الانقلابيَّة.

«الجَّبهة الاسلاميَّة القوميَّة»:
التزمت الجَّبهة الاسلاميَّة القوميَّة الصَّمت تجاه المحاولة الانقلابيَّة. في ذات الوقت تشكِّك اصداراتها «الرَّاية»، «الوان»، و«صوت الجَّماهير»، في حدوث المحاولة، كما جنحت هذه الصُّحف الى «تغليف» موقفها بإيراد ما اسمته «آراء الشَّارع في الانقلاب، وعدم تصديق حدوثه».

«الحزب الاتِّحادي الدِّيمقراطي»:
الشَّريك الأكبر في الحكم، من خلال تصريحات بعض اعضائه ونوَّابه «محمد توفيق»، يتَّضح ان الحزب «يشكُّ» في حدوث الانقلاب، خاصَّة وان التَّصريحات الرَّسميَّة تشير بالاتِّهام «لمصر».

«الأحزاب الجَّنوبيَّة»:
أبدت شجبها للانقلاب، بحسبان أنه يعرقل مسيرة السَّلام، ويعيد الأمور إلى «مربَّع واحد»، كما أنه يعطِّل الجُّهود المبذولة لمحاربة المجاعة.

«النقابات»:
المكتب التَّنفيذي للاتِّحاد العام للمهنيِّين والفنيِّين عقد اجتماعاً يوم 20 يونيو 1989م بدار نقابة الأطباء، وقرَّر اصدار بيان يشجب المحاولة الانقلابيَّة، ويؤكِّد موقف قوي الانتفاضة الرَّافض لأيِّ ديكتاتوريَّة جديدة، كما قرَّر تكليف النقابات المنضوية تحت لوائه بالتَّبليغ عن النَّشاط المايوي في اوساطها.

«آراء المواطنين»:
انقسمت آراء المواطنين حول الانقلاب:
1/ قطاع يري ان الامر «فبركة» حكوميَّة «لشغل» المواطنين عن معاناتهم اليوميَّة، وضائقتهم المعيشيَّة.
2/ وقطاع يرى انه «مسرحيَّة» قصد السَّيِّد الصَّادق بها تصفية «القيادات العسكريَّة» المشتبه في أنها أعدَّت مذكِّرة الجَّيش، وابدالهم بعناصر «موالية» لحزب الأمَّة.
وتستند هذه الاوساط في آرائها إلى الآتي:
أ/ ضعف بيان القيادة العامَّة، وعدم اتباعه بإجراءات مشدَّدة، كحالة الاستعداد القصوى، ونشر الجُّنود في الشَّوارع والمرافق الاستراتيجيَّة.
ب/ أن الكوادر المايويَّة داخل الجَّيش ليست في مستوي يؤهِّلها للقيام بانقلاب.
ج/ أن عودة «الرَّئيس المخلوع» غير واردة، خاصَّة وقد قال الشَّعب كلمته في نظامه، وانتفض ضدَّه، وأن معظم الذين يؤيِّدون مايو كانوا من المنتفعين وليسوا من المؤمنين بفكرها.
3/ قطاع ثالث «تمنَّى» نجاح الانقلاب لانه سئم الفساد المستشري في جميع الاوساط، وازكمت روائحه الانوف، واهتمام الاحزاب الحاكمه بتحقيق مكاسبها الذَّاتيَّة، وبالمكايدات السِّياسيَّة، وتبادل الوزراء للاتِّهامات، مِمَّا افقد السُّلطة هيبتها، وفشل الحكومة في تحقيق أي انجاز يخفِّف معاناة الشَّعب. وتشير اوساط هذا القطاع إلى أن المرحلة القادمة تحتاج لشخصيَّة قويَّة «تقطع دابر» الفساد، وانهم لن يبالوا إن كانت هذه الشَّخصيَّة نميري أو غيره.
4/ قطاع رابع يرى حتميَّة التَّغيير إلا أنه لا يؤمن بعودة «الرَّئيس المخلوع» لأن نظامه هو الذي أدى بالبلاد إلى الحالة التي هي عليها الآن، وإن جاء هذا التَّغيير فلا بد أن يكون على يد «المواطنين والجَّماهير» وليس على «ظهر دبَّابة»، حتى تتفادي البلاد الدِّيكتاتوريَّة العسكريَّة.

«تعليق»:
من استطلاع آراء المواطنين اتَّضح أن الكثيرين، وبسبب المعاناة في المعيشة والحياة، أبدوا تعاطفهم مع «التَّغيير»، وليس «الانقلاب»، والبعض يرى، ولتتفادى السُّلطة أيَّ مغامرة جديدة، أن: تعالج مشاكل البلاد الاقتصاديَّة والمعيشيَّة، وتحارب الفساد على أعلى المستويات، وتقدِّم كلَّ من يثبت فساده للمحاكمة، وأن تمضي قدماً في مساعي احلال السَّلام في الجَّنوب والغرب. إدارة الأمن الدَّاخلي ـ 24  يونيو 1989م].

الثُّلاثاء
تأمَّل الكاتب الخليجي محمَّد عبد الله البريكي في مسعى أبي الطَّيِّب المتنبي الدَّءوب للافلات من أسر فكرة «المجد الشِّعري» إلى رحاب فكرة «المجد الوجودي»، فوصفه بأنه لم ينشغل بالتَّخطيط لعبقريَّته الشِّعريَّة، بقدر ما انشغل بالحصول على مجدٍ أقلِّ منها، لولا أن الظروف أبت إلا أن تبوِّئه مكانته التَّاريخيَّة المرموقة، وتعيقَ مساره نحو أيِّ مجال آخر! وقال إن الشَّاعر، عموماً، «لا يبحث عن عالم بغير بشر ليحكمه، إنما يسعى إلى من يقدِّر عطاءه، ويرفع مكانته، ويمنحه من العُلُوِّ الوجودي ما يوازي عُلُوَّ نصه الشِّعري»! على أن هذا التطلُّع، حسب البريكي، هو الذي يضع الشَّاعر تحت الضوء، ويفتح الأعين على «صعوده» الذي كلما علا، كشف عن ذاته للآخرين، مِمَّا قد يجلب إليه الحسد! فكثيرون مِمَّن لا يملكون أجنحة كأجنحته، يرونه طائراً فريداً، فينبغي، من ثمَّ، رميه من شاهق! وليس أدلُّ من «معاناة» المتنبي مع سيف الدَّولة، ثمَّ مع كافور، على إصراره تسخير  طاقاته الشِّعريَّة لأجل تحقيق مجدٍ مادِّي ذاتي، رغم كيد خصومه له! وربَّما كان في ذلك داعم لمنطق من يرون صحَّة ما في القول بأن «الإبداع» يولد من رحم «المعاناة»! وهكذا يرى البريكي أن المبدع، أيُّ مبدع، يظلُّ يواصل محاولاته الدَّائمة لبلوغ السماء التي تعلو على الغيم، بقدر ما سيبقى حسَّاده يحاولون، بضراوة، وضع ما استطاعوا من الأثقال على كاهله، لأجل اسقاطه في سابع أرض، فيمضي يقاوم، ساعياً، بكلِّ ما أوتي من شراسة الابداع، «للهروب بحريته إلى سماء بعيدة»، يعتبرها ملكه، «فيطلُّ منها على الكون ببهاء»! ولعلَّ هذا يحملنا إلى عالم الشَّاعر السُّوداني الرَّاحل عبد الرَّحيم ابو ذكرى، وشدوه الآسر عن تطلعه الدائم لـ «سمائه» الخاصَّة صباح مساء: «لِي سَمَاءٌ غَرِيبَةْ/أَتأمَّلُهَا فِي الخَفَاءْ/ وأُحَدِّثُهَا سَاهِمَاً فِي المَسَاءْ»!
يخلص البريكي في مقالته إلى أنه كلَّما أوغل المبدع في مقاومة العراقيل التي تحول دون طموحاته المادِّيَّة، كلَّما نجح في تحقيق سموِّ مكانته الابداعيَّة، «فتكثر عداواته مثلما تكثر صداقاته، وتتسع مساحة صيته، مثلما تضيق عليه مساحة بيته»، ومن هذه الزَّاوية وحدها قد يصبح «الحرمان» بمثابة «الوقود الذي يجعل جذوة الإبداع متّقدة، وناره متوهّجة، وضوءه لا ينطفئ، ونجمه لا يأفل، وغيمته لا تشحُّ، وشمسه لا تغيب»!

الأربعاء
لسنوات طوال والمحبوب عبد السَّلام، أنبغ تلاميذ التُّرابي، يقاوم ميوله «العاطفيَّة» تجاه أطروحات أستاذه، ساعياً لأن يتَّخذ موقفاً «عقلانيَّاً نقديَّاً» منها! ورغم أنه لن يستطيع، وإن أراد، أن يعرض لها جميعاً، إلا أن عدم إيلاء أشهرها القدر اللازم من الاهتمام قد يعتبر منقصة تحسب عليه. فقد تحدَّث التُّرابي، مثلاً، عن دوره في ثورة اكتوبر 1964م، يقول: «كنت حديث عهد بالسُّودان، بعد سنوات البعثة الدِّراسيَّة في باريس، وكنت لا ازال منفعلاً بأجواء الدِّيموقراطيَّة الفرنسيَّة التي عايشتها تلك الفترة، وسنحت لي فرصة الحديث عن مشكلة الجَّنوب في ندوة عامَّة بجامعة الخرطوم، فدعوت إلى ضرورة التَّجاوز الحاسم لنمط الحكم العسكري القائم إلى وضع دستوري ديموقراطي، كمقدمة لازمة لحلِّ أزمة الجَّنوب، وكلِّ أزمات السُّودان».
كان ذلك توجُّهاً فكريَّاً حسناً دون شك. والندوة التي عناها التُّرابي هي التي انعقدت عشيَّة 21 أكتوبر 1964م، بعد عودته من البعثة، بعنوان «المعالجات الدُّستوريَّة  لمسألة الجنَّوب» من على منبر قاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم، حيث نفذ، في مداخلته تلك، إلى لبِّ المشكلة، مباشرة، وأطلق، في خواتيم حديثه، قوله الشَّهير الذي لو كان أتبعه بالعمل، لأصبح، منذ زمن بعيد، زعيماً شعبيَّاً تصعب منافسته؛ قال: «إن حلَّ مشكلة الجَّنوب يكمن في حلِّ مشكلة الشَّمال، ويكمن الاثنان معاً في زوال الحكم العسكري الحالي، وقيام حكم دستوري مؤسَّس على الخيار الدِّيموقراطي للشَّعب».
صديقي المحبوب عرض لذلك الطرح دون أن يتوقف عنده ليلحظ، وهو المفكِّر النَّاقد اللمَّاح، كيف تناقض التُّرابي نفسه، بعد حين، مع نفسه، إذ ما لبث أن قاد، بعد سنة واحدة من ذلك، الحملة «الدُّستوريَّة»، أو بالأحرى اللادستوريَّة، التي انتهت بحلِّ الحزب الشِّيوعي، وطرد نوَّابه من البرلمان، ثمَّ التَّجرُّؤ على «احتقار» حكم المحكمة بإلغاء تلك الاجراءات، مِمَّا دفع بابكر عوض الله لمغادرة كرسي رئيس القضاء، والقفز على ظهر إحدى الدَّبَّابات الأماميَّة لانقلاب 25 مايو 1969م!

الخميس
أتى على السَّاحة السِّياسيَّة العربيَّة حين من الدَّهر خبرت فيه ما ظلَّ يُعرف، لسنوات طوال، بمصطلح «الأنظمة التَّقدميَّة» في بعض بلدان المنطقة، وهي الأنظمة التي انبنت، أساساً، بآليَّات «الانقلابات العسكريَّة»، كنظام عبد النَّاصر في مصر، والأسد في سوريا، وصدَّام في العراق، والنِّميري في السُّودان، والقذَّافي في ليبيا، وذلك وفق مفاهيم «البرجوازيَّة الصَّغيرة» التي لا تبعد كثيراً عن مفهوم «المركزيَّة الدِّيموقراطيَّة»، المناقضة، على اختلاف فئات وشرائح هذه الطَّبقة، لمفهوم «الدِّيموقراطيَّة الليبراليَّة» السِّياسي، القائم على مبادئ التَّعدُّد، وقواعد التَّنوُّع، وأسس البدائل السِّلميَّة، وقيم الحريَّات العامَّة والحقوق الأساسيَّة للجّماهير.
قضيَّة هذه «الدِّيموقراطيَّة»، إذن، بدلالة الحريَّات والحقوق السِّياسيَّة، تناقض، بل تستوجب القطيعة التَّامَّة مع النَّزعة الفوقيَّة للبناء والتَّغيِّير، مثلما تقتضي الاستمساك الصَّارم بضرورة تأسيس هذين البناء والتَّغيِّير، في البلدان النَّامية، على قلب حركة جماهيريَّة متمتِّعة بحريَّاتها العامَّة، وحقوقها الأساسيَّة، حيث أكَّدت خبرة العديد من هذه البلدان على أنه، بدون «الدِّيموقراطيَّة» في مستوى «البناء الفوقي»، بدلالة المشاركة الجَّماهيريَّة الفاعلة باتِّجاه التَّقدُّم، فإن عمليَّات مرغوبة في مستوى «البناء التَّحتي»، كإنفاذ برامج موجَّهة لصالح الطبقات المسحوقة، وجماهيرها العريضة، على صعيد الصَّحَّة، والتَّعليم، والمشروعات الصِّناعيَّة، والإصلاح الزِّراعي، وتأميم المصارف والمؤسَّسات الأجنبيَّة، على سبيل المثال، لن تعدو كونها تدابير معزولة يسهل إلغاؤها، والنُّكوص عنها، لدى أوَّل تحرُّك طبقي مضادٍّ، دون أن يكون بين أيدي الجَّماهـير ما يمكِّنها من حمايتها!
«الدِّيموقراطيَّة الليبراليَّة»، إذن، في معنى الحريَّات العامَّة، والحقوق الأساسيَّة للجَّماهير، هي الضَّامن الحقيقي لاستقرار وثبات عمليَّات التَّغيير والتَّطوُّر، وبغيرهما لن يكتب لهذه العمليَّات أيُ نجاح في البلدان النَّامية، بالذَّات،  مهما نشط التَّبشـير الاعلامي «الهتافي» بأيٍّ من هذين «التَّغيير» و«التَّطوُّر»، سواءً تحت شـعار «الدُّستور الاسـلامي»، أو «الدُّستور الاشتراكي»!
هكذا ينبغي أن يرسخ في وعي القوى الوطنيَّة التَّقدُّميَّة، وفي خطها الدِّعائي، بالتَّبعيَّة، أن استهداف التَّطوُّر الحضاري لا يكون بغير العمل الجَّاد، ابتداءً، من أجل ترسيخ الحريَّات والحقوق «الدِّيموقراطيَّة الليبراليَّة»، مِمَّا يستتبع ضرورة بذل الجَّهد في دفع النَّشاط السِّياسي والاجتماعي الوطني قُدُماً، باتِّجاه بناء أوسع تحالف للاحزاب، والتَّيَّارات السِّياسيَّة، والمنظمات المدنيَّة، والاتِّجاهات الفكريَّة، والشَّخصيَّات الوطنيَّة، في مسيرة قاصدة لتحقيق هذه «الدِّيموقراطيَّة»، على طريق التَّقدُّم الاجتماعي، تحمُّلاً لمشاقه، وقبضاً على جمره، وحشداً للقوى الشَّعبيَّة كافَّة باتِّجاه انتفاضة جماهيريَّة تنازل الشُّموليَّة، وتَحول دون لجوء الأعداء الطَّبقيِّين، وحلفائهم من العسكريَّتاريا، إلى أيِّ اجراءات انقلابيَّة!

الجُّمعة
لؤي الشَّريف باحث خليجي شاب قدم طرحاً جريئاً لمعاني الحروف المقطعة في «القرآن الكريم»، على خلاف التفسيرات السَّابقة المغايرة. فالشَّريف يزعم أنه توصَّل، من دراسته لـ «اللغات السَّاميَّة»، إلى أن هذه الحروف ليست واردة لمجرَّد شدِّ الانتباه، كما في جُلِّ التَّفاسير؛ قائلاً إن «الأبجديَّة العربيَّة مأخوذة من الأبجديَّة السِّريانيَّة»، وإن الحروف التي ليس لها معنى في العربيَّة، مثل «ألم»، «ألر»، « طه»، «كهيعص»، لها معانٍ في السِّريانيَّة، وإنه استعان بقاموس انجليزي عبري ليكتشف أن لفظ «ألم»، كما في سورة «البقرة»، مثلاً، يعني، في السِّريانيَّة، فعل الأمر «إصمت». وهكذا بالنِّسبة للفظ «ألر» الذي يعني في السِّريانيَّة «تبصَّر» أو «تأمَّل بقوَّة»، فحيثما وردت «ألر»، في القرآن الكريم، نجد أن ما بعدها احتوى على شيء «يُتبصَّر أو «يُتأمَّل فيه»، كما في سورة «يونس» مثلاً؛ كذلك فإن «كهيعص» تعني في السِّريانيَّة «هكذا يعظ»؛ و«طه» تعني «يا رجل»، ففي السِّريانيَّة «الهاء» حرف نداء، و«الطاء» تعني «رجل». ويرى الباحث أن الاعتقاد بأن «طه» من أسماء النَّبي محمد ﷺ، اعتقاد خاطئ لم يقل به عالم أو صحابي. ويؤكِّد الشَّريف أنه، بتطبيق اكتشافاته اللغويَّة هذه على السِّياق القرأني، يستقيم المعنى.
لكن هذه التَّخريجات لم تمرَّ دون معارضة. فقد تصدَّى لها، مثلاً، مشعل الكندي، في بعض المواقع، تحت عنوان: «محرقات الصَّواعق في كشف تدليسات لؤي الشَّريف»، بحكم تخصُّصه، كما قال، في الدِّراسات اليهوديَّة، واللغة العبريَّة، مشيراً إلى مسائل قال إنها تكشف زيف أطروحة الشَّريف، ومنها، على حدِّ تعبيره، إنشائيَّته؛ واحتياجه للغات القديمة في تفسير القرآن؛ وتخليطه بين السِّريانيَّة، والأراميَّة، والعبريَّة؛ ومفارقته للعلم في تقسيم الحروف لتفسيرها؛ وزعمه أن «آمين» في القرآن لا معنى لها في العربيَّة، علماً بأن «آمين» ليست من الكلمات القرآنيَّة!

السَّبت
دائماً ما يحيِّرني لجوء القوى السِّياسيَّة، منذ انتصار ثورة ديسمبر، للاعلان، كما لو كانت تفعل لأوَّل مرَّة، عن سياسات، وخطط، وبرامج مفترضة للتَّغيير على مختلف الجَّبهات، في حين يفترض أنها راكمت ذلك كله، بما يكفي وأكثر، وراجعته، مراراً وتكراراً، على مدى سنوات النِّظام البائد. وكمثال، اضطررت، في نطاق خبرتي الشَّخصيَّة، لتذكير صديقي ياسر عرمان، قبل أيَّام، بالعصف الذِّهني الذي كانت قد نظَّمته لنا «الحركة الشَّعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال»، حول المستقبل السِّياسي الذي كنَّا نأمل، قبل الثَّورة، في تصميمه للسُّودان. ففي أغسطس 2018م، بادرت الحركة لدعوتنا إلى ورشة عمل بالعاصمة التَّنزانيَّة، كـ «لجنة استشاريَّة» ضمَّت أكاديميِّين، ومهنيين، ومثقَّفين سودانيين في مختلف تخصُّصات الحكم، والأمن، والقانون الدُّستوري، وحقوق الانسان، والحقوق المدنيَّة، والسِّياسة الخارجيَّة، والثَّقافة والهُويَّة، والتَّنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، فعكفنا على صياغة مشروع فكري ـ سياسي ـ اجتماعي ـ ثقافي، ثمَّ أصدرناه، في نهاية المطاف، في هيئة وثيقة مرجعيَّة، تحت عنوان «عناصر لخارطة طريق نحو تحوُّل سياسي مسـتدام في السُّـودان»، باعتباره جماع سياسات بديلة لمستقبل سوداني يستجيب للحاجة لنظام جديد يوقف انحدار البلاد في نفق الفوضى والتَّفكُّك، خاصة بعد انفصال الجنوب عام 2011م، واستمرار جرائم الحرب والإبادة في دارفور والمنطقتين.
تدعو الوثيقة/البرنامج لإدارة الظهر، تماماً، للسِّياسات القديمة، ولطرح مشروع جديد، على مسار مغاير، بما يوقف الانهيار الاقتصادي، ويحسِّن الأوضاع المعيشيَّة، ويضع حدَّاً لانتهاكات حقوق الانسان، ويفرض سيادة حكم القانون والعدالة، ويؤسِّس لنموذج جديد للتَّنمية والحكم، وينهي سياسات التَّمييز، والاقصاء، والفساد، ويعمل كعقد اجتماعي اقتصادي وثقافي جديد، وفق رؤية «السُّودان الجَّديد» التي يمكن أن يلتفَّ حولها كلُّ السُّودانيين، المهمَّشين والفقراء بالذَّات، بما يضع حدَّاً للفشل التَّاريخي في صياغة مشروع للبناء الوطني. وفي السِّياق شخَّصت الوثيقة/البرنامج الأوضاع الرَّاهنة للبلاد، بدقَّة، وحدَّدت المعالجات اللازمة لها، والفترات الزَّمنيَّة الضَّروريَّة لإنجازها، والموارد المطلوبة للبدء في تنفيذها منذ اليوم الأول لإحداث التَّغيير، في تزامن مع إقرار الدَّولة، دستوريَّاً، بالحقوق والواجبات، من خلال الحكم الرَّشيد، وإعادة هيكلة المؤسسات لخدمة مصالح الأغلبيَّة، وتقديم الخدمات الأساسيَّة، وفي مقدمتها الماء النَّظيف، والعلاج، والتَّعليم، وغيرها.
وتقرُّ الوثيقة/البرنامج بأن تأسيس نظام اقتصادي ـ اجتماعي ـ ثقافي جديد يغير شروط الحياة، ويكفل حقوق المواطنة، والتنمية المستدامة، والدِّيموقراطيَّة، بتركيز خاص على النِّساء، والشَّباب، والأطفال، هو ما سيشكِّل البداية الحقيقيَّة لإنهاء معاناة شعبنا. كما وتدعو إلى دعم التَّعاون والتَّكامل، اقليميَّاً، وتوطيد السَّلام والاستقرار دوليَّاً، وإعطاء الأولويَّة لعلاقات استراتيجيَّة بين دولتي السَّودان وجنوب السَّودان.
والسُّؤال: أيُّ كيان ثوري يمكن أن تتقاطع رؤيته مع هذه الوثيقة/البرنامج؟! بل أيُّها يجرؤ على أن يعلن أنه لا يرغب في تأسيس رؤيته على مثلها؟!

الأحد
العجيب أن كلمة «حلايب» أصبحت تثير، في ما يبدو، حساسيَّة خاصَّة لدى غالب الذِّهن المصري! فبحسب موقع «العين الإخباريَّة» تداول مستخدمو شبكات التَّواصل الاجتماعي التَّعليق على سؤال عن «جمع كلمة حليب» ضمن امتحان اللغة العربيَّة للمرحلة الثَّانويَّة المصريَّة لهذا العام! مثل هذا السُّؤال عادة ما يرد في امتحانات اللغة العربيَّة، ولا يثير اهتماماً خاصَّا، ناهيك عن أن يثير أيَّ حساسيَّة! غير أن إفادات منسوبة إلى بعض أساتذة اللغة العربيَّة، وفلسفتها، قطعت بعدة احتمالات لجمع الكلمة، مثل «أحلبة»، على وزن «أرغفة»، أو «حُلبان» على وزن «قضبان»، لكنها لم تشر، مطلقاً، إلى كلمة «حلايب» على وزن «بدائل» كجمع لكلمة «بديل»، أو على وزن «مصائر» كجمع لكلمة «مصير»، أو على وزن «جمايل» كجمع لكلمة «جميل»، مثل قولك «فلانٌ أسدى إليَّ جميلاً»!
***

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى