الرأي

لجنة تفكيك التمكين .. عام على التكوين

لؤي قور
بحلول ديسمبر من هذا العام، يمر عام على تكوين “لجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو واسترداد الأموال العامة ومحاربة الفساد”، والتي وجد تكوينها بموجب الوثيقة الدستورية في ديسمبر من العام الماضي ترحيباً كبيراً من قوى الثورة، لأنه كان بمثابة الإيفاء بوعد الثورة في أحد مكونات أضلاعها الثلاث، هو الضلع الذي يتعلق بالعدالة. لكن اللجنة تعرضت في الوقت نفسه لحرب ضروس من قبل فلول الإخوان. الذين شق عليهم فقد ما اعتبروا أنه غنيمتهم في أرض السودان، والتي اقتطعها تنظيمهم العالمي في نسخته السودانية البائدة. واستخدم الفلول في حربهم تلك شتى الطرق والأساليب، من الإشاعة، إلى إشانة السمعة، والتهديدات الشخصية لعضوية اللجنة، ولم يوفروا في ذلك جهدا ولا مالا. وهو ما ظلوا يفعلونه على امتداد عام كامل من عمر اللجنة.
كانت إزالة آثار تمكين “الإخوان” لثلاثة عقود خلت من ضروريات الثورة، ومن واجبات المرحلة الانتقالية. باعتبار التجريف الكبير الذي تعرضت له مؤسسات الخدمة المدنية. ابتداءاً من الفصل التعسفي على أساس الولاء. فأُعمل سيف الإحالة للصالح العام فيها، وأُفرغت من كوادرها الخبيرة، وأنشئت مؤسسات خاصة موازية تعمل عمل مؤسسات الدولة، وتقتات على ما فيها من موارد. حتى أصبح بعضها أثرا بعد عين، وظل بعضها الآخر يقف أطلالا شاهدة على فساد ” الإخوان “. والنتيجة هي سودان اليوم الذي يشكو من كل شيء، ومن كل جانب. حارب الفلول اللجنة بعد تكوينها مباشرة بمحاولة إفراغ العقارات المستردة من محتوياتها. ولكن فشلت محاولاتهم بعد أن تصدت لها القوات الأمنية في عدد من المرات، فعمدوا للتشكيك في الذمة المالية لأعضاء اللجنة، عن طريق إطلاق أسئلة – غير بريئة – على منصات التواصل من على شاكلة “أين ذهبت هذه الأموال التي استردتها اللجنة؟” و”لماذا لا تنعكس على واقعنا الاقتصادي؟”. ولما لم يجد ذلك فتيلاً، باعتبار ثقة الناس في الذمة المالية لعضوية اللجنة، عمدوا إلى القول بعدم تنفيذ القرارات التي تصدرها اللجنة، قائلين بأنها مجرد “حبر على ورق”، لتخدير الثوار. ولما رأى الناس الأصول المستردة من هيئات وعقارات يتغير مدراؤها والقائمين على أمرها رأي العين، ذهب الفلول إلى التهديد. فتلقى أكثر من عضو في اللجنة رسائل تهديد بالاستهداف الشخصي. فضلاً عن محاولات لسرقة متعلقات بعض عضوية اللجنة، أملاً في إتلاف مستندات تتعلق بتفكيك التمكين. وكلها محاولات يائسة لم توقف عمل اللجنة، التي ظلت إشاعات تسري من حين لآخر حول حلها، أو تعرض أحد عضويتها للملاحقة القانونية. وهي إشاعات يطلقها الفلول بالطبع. وذهب بعض فقهاء قانونـ”هم” إلى الطعن في قانونية قرارات اللجنة. لكن اللجنة استفادت من كل هذا الهجوم بتحسين أدائها القانوني، لتعمل جنباً إلى جنب مع “النيابة العامة”، في كل القضايا التي تتعلق باسترداد الأموال. اعترفت اللجنة بقصور شاب عملها في وقت ما وعملت على سد الذرائع، ومراجعة الأداء كل حين. وقدم الرئيس المناوب للجنة إقراراً بالذمة المالية على الهواء، وحث غيره على حذو حذوه. أما التهديد بالاستهداف الشخصي فقد قال عنه عضو اللجنة الأستاذ وجدي صالح المحامي:”دمنا ليس أغلى من دم شهداء الثورة، وأرواحنا ليست غالية على الوطن”. وفي أواخر هذا العام تكونت لجان التفكيك في بعض الولايات، ورفعت توصيات تم بموجبها استرداد عدد من المنشآت والمؤسسات، لتعود لمكانها الطبيعي باسم حكومة السودان، ووزارة ماليتها.
وظلت اللجنة على الرغم من كل هذا الهجوم تعمل في صبر وصمت، وتؤكد في كل مرة أنها لن تنجر للترهات التي يريد “الفلول” جرها إليها. وأكدوا غير مرة أنهم لا يعنيهم سوى استعادة أموال الشعب المنهوبة بأمر فساد الإخوان. وظلت متماسكة وعصية على كل من يحاول النيل منها، سواءاً من خارج التشكيلة الانتقالية، أو من داخلها في بعض الحالات. ففي الأسبوع الماضي أصدرت اللجنة قرارات قضت بإنهاء خدمة (214) مستشاراً قانونياً بوزارة العدل، وإنهاء خدمة “اثنان وثلاثون” سفيراً بوزارة الخارجية. كما أصدرت عدداً من القرارات بناء على تقرير لجنة التحقيق التي شكلتها النيابة العامة، حول تخصيص الأراضي الزاراعية بغرب أمدرمان. وتضمن التقرير توصيات حول (63) ملفاً لأراضٍ زراعية بأمدرمان، خُصصت بشكل مخالف للقانون، لقيادات من النظام البائد، وأقارب لهم خارج النطاق الزراعي، حسب المخطط الهيكلي لولاية الخرطوم. وبلغت المساحة الإجمالية لهذه الأراضي المخصصة أكثر من 12 ألف فدان. فيما أوصى التقرير باسترداد جميع تلك الأراضي لصالح حكومة السودان. وشملت القرارات استرداد عقارات من شخصيات بارزة في النظام البائد منهم مدير جهاز الأمن السابق “محمد عطا”، الذي استردت منه (4) قطع أراضي بلغت مساحتها ثمانين فداناً، حازها بوضع اليد، ودون أي إجراءات. وهناك القيادي الإخواني “ربيع عبدالعاطي”، الذي صدر قرار باسترداد قطعة مساحتها 100 فدان منه. وقال تقرير النيابة العامة بأنه حصل عليها باستغلال النفوذ. بالإضافة لاسترداد قطعة أرض بمساحة 80 فداناً من المدير العام السابق للشرطة “محمد نجيب”، نالها بالمخالفة لأسس وضوابط المنح بوزارة الزراعة، وأصدر توصياته باسترداد هذه الأرض لمصلحة حكومة السودان.
وبمؤتمرها الصحفي الذي أجري الخميس الماضي، تختتم لجنة تفكيك التمكين أعمالها في عامها الأول بجملة قرارات، وبأثر واضح وملموس في تفكيك التمكين. فقد استردت اللجنة “هيئة النقل النهري” العريقة، والتي تم بيعها في سوق نخاسة الإخوان في وقت انعدم فيه الرقيب. والأسبوع الماضي فقط استردت اللجنة أراضي “مصلحة النقل الميكانيكي”، الذي تعرض للتصفية. وتم بيع الأرض التي كان قائماً عليها. كما تم استرداد “مدبغة الجزيرة”، فيما يشبه “استعادة تاريخ” ضائع، سطا عليه “الإخوان” حينا من الدهر. وعلى الرغم من أن عمل اللجنة في عامها الأول لم يكن بحجم التطلعات نتيجة عوامل شتى، منها الضبابية والسرية في التعاملات المالية، وصعوبة تتبع الأموال في ذلك التنظيم الإجرامي البائد. لكن يظل استمرار عمل اللجنة وصمودها في وجه التحديات وعلى الرغم من كل الظروف، هو أيقونة فخر على صدر العام الأول للثورة، ما بعد تشكيل الحكومة الانتقالية. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى