الرأي

لجان المقاومة (دمسة) الواقع.. ومقاومة المقاومة!

تحولات

محمد أحمد الفيلابي

 

كيف تسنى لهذا الجيل أن يفعل ما فشلنا فيه؟

لعلهم قد ولدوا فوق الحافة.. أو كما يقول حميد (والبلد فوق اللميلس. إنطرح في خاطري باكر).. و(اللميلس) في دارجيتنا هو حافة العنقريب المنسوج بحبل السعف.. تصبح من كثرة الاحتكاك بها ملساء.. وفي الجلوس على الطرف هكذا إعلان عن عدم البقاء طويلاً. أما الوجود على حافة الانهيار الكامل فمن شأنه أن يولّد حماس التغيير دونما خشية من الموت.. وهذا ما فعله الشباب حين فجر تلك الثورة العظيمة.. فهل جزيناهم الجزاء المستحق؟.

هذا الجيل لا يسكن ذات الزمن الذي سكنا.. ولا شأن له بانتماءاتنا كلها، إلا الانتماء لهذا التراب.أهملناهم… انشغلنا عنهم.. فبنوا عالمهم بأنفسهم.. بواسطة الهواتف الذكية، وشاشات الكومبيوتر.. وأصبحت لديهم إمكانية الوصول إلى ما كنا نحلم، وأن يؤسسوا لعالم مغاير مبني على رسالة صغيرة، أو مشهد فيديو قصير، أو  أي عنصر من مكونات حياتهم الجديدة، والغريبة علينا.  حياة تتوفر فيها المعلومة بلمسة إصبع خفيفة.. والتحليق في فضاءات طوبغرافية لا نهائية الحدود.

كنا نظنها عوالم افتراضية.. لا علاقة لها بعالمنا من قريب أو بعيد… لكنهم أعادونا إلى الواقع من خلال فعلهم الثوري المتصل وثيقاً بكل ما هو نبيل في حياتنا.. بل استطاعوا جذبنا إلى مفرداتهم اليومية، وأدخلونا في قناعاتهم.. وشاركونا قدرة الشوف لديهم.. شكراً لهم.. ولثورتهم المجيدة التي أعادت ضخ الدم في عروقنا المتيبسة.

إنهم الآن في مواجهة تحديات الحفاظ على الثورة، يدركون أن مطلوبات العبور بالبلاد إلى بر الحرية والسلام والعدالة تفوق ما قد بذلوا من جهد، ينظرون واقعهم الآن بعد أن قدموا التضحيات والدماء والأرواح. ووقفوا، شفّاتة وكنداكات على خط التماس، في مواجهة الرصاص، وزبانية طغمة الفساد في بسالة نادرة. ذلك مثلما وقفوا ووقفن في وجه اتهامات اللامبالاة واللا مسؤولية حتى أُنجزت ثورة هي بمقاييس العالم كله متفردة ومدهشة. إذ أن هناك من أنجزوا الجانب الآخر للثورة.. فكراً وأدباً وفنوناً وجمالاً، وتجسيداً لقيم الإنسان السوداني النبيل، ومن حرسوها التزاماً وسلوكاً وتطلعات.. وما زالوايلمسون الصدق في من يمدون الأيادي للمساندة في إحساسٍ عالٍ بالمسؤولية، أولئك الذين يعملون بكل قوة وتجرد ونكران للذات في سبيل أن تبقى جذوة الثورة متقدة أمام محاولات طمرها وإجهاضها. ويرقبون في توجس من وجدوا الفرصة للحديث باسمهم واسم الثورة. من لا يرتضون أداءهم، ومنهم من يحاولون جهدهم إقصاء هذا المكون الأساس للثورة.

يتلفت شباب لجان المقاومة حولهم فيقرأ الواحد منهم الثقة و(العشم) في عيون الجماهير، حتى وهم يبحثون  في (دمسة) الواقع عن موقع، عن منبرهم الخاص، فلا يجدوا إلا ضرورات الحرص على مواصلة رحلة التغيير الطويلة. تنفتح أمامهم أبواب، وتوصد أخرى.. فذاك يدعوهم (فرادى) ليتقوّى بهم، وذاك ينصب لهمالفخاخ، يتحفز كل الوقت للحديث عن سقوط فكرة لجان المقاومة والتغيير من بوابة الفشل في التعاطي الجمعي، والمقدرة على بناء الهيكل الأنسب لهم، وآخر يدعوهم للعمل فيما يقوم بإخفاء المعاول، أو أنه يمد إليهم بمعول يُبقي طرفه في يديه ينزعه متى شاء، ويرفعه عند النجاح لكأنه الفاعل الأوحد، فيما يجدوا من ينصب لهم منصات للتحاور والتشاور والتطوير الذاتي، دون مقابل لفعله هذا سوى راحة أداء الدور.

هناك في ساحة الاعتصام أعملتم الفرشاة واللون، وصدحتم بالأشعار والأغنيات والأهازيج والهتافات.. ووصلت رسالتكم إلى الطاغي الذي أيقن أن لا عودة له بعد اليوم، وللمواطن الذي أيقن أنه حقاً وصدقاً (حيَّ على التغيير).. وبقى من المحتم عليكم توظيف كل ما خَبِرتْم ودَرِبتْم.. وأن تزيدوا على الأمر إبداعاً أنتم أهلٌ له، وأنتم تقولون للعالم (بالفعل لا بالقول) إنكم على قدر كافٍ من الصبر والوعي، وأنكم تدركون (حقاً) أن التغيير إنما هو عملية قد تطول، وقد تكون مربكة خاصة في ظل قوى مناوئة تملك من الإمكانيات ما يفوق إمكانيات الدولة نفسها، هي من حصاد سرقاتهم عبر الثلاثين عاماً؟.. وتدركون،ويشارككم الوعي قطاع واسع من هذا الشعب أن التغيير عملية مؤلمة، لكنها مهمة مثلما هو حصاد العملية نفسها. وأن التغيير يتطلب دائماً المزيد من العمل، والمزيد من القدرة على وضع استراتيجيات لمقاومة المقاومة. وكل ما علينا الآن أن نصل معكم إلى (ميس) مطلوبات المرحلة، وأهمها تهيئة المناخ المؤدي إلى نجاح التغيير، والذي يتصف من الضرورة بوضوح الغرض من التغيير.. الأمر الذي يتفق عليه الجميع منذ (تسقط بس) مروراً بـ(الحل في البل) وصولاً إلى تحقيق شعار (حرية .. سلام.. وعدالة). أي أنه عليكم كـ(كيان موحّد) تحديد أهداف واقعية.. وهذه قد تختلف من فرد إلى آخر، ومن مجموعة إلى أخرى.. لكنها بشكل عام هي ما يمكن أن يُستقى من تطلعات الشعب، وأحلامه في الوصول بالسودان إلى بر الأمان والنهوض والتنمية.

إثارة الدافعية من أهم عناصر النجاح.. ولكن.. هل من دافعية أكبر من التخلص من النظام البائد ورموزه؟ أما المساندة فتعني هنا إطلاق النداء بضرورة هيكلة اللجان، ووضعها في موضع الفعل السياسي اليومي مشاركة حقيقة. مع توفير المتطلبات والموارد اللازمة من قبل أهل الاختصاص في القطاعين العام والخاص… فهذه اللجان تفتقر إلى الحد الأدنى من متطلبات الاستمرارية في العطاء.. وعلى من يملكون القرار الجلوس إليهم لتحديد أولويات احتياجاتهم، لا التقرير إنابة عنهم. ثم يجيئ التقويم المستمر.. الأمر الذي لن يتأتى إلا بعد وضع القانون واللوائح الخاصة بعمل هذه اللجان… فهلا أعناهم على ذلك بدلاً من نعتهم بالتشتت؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى