الرأي

قوى الحرية والتغيير.. هل نسيت إعلان تكوينها؟ 

جعفر خضر

إن عطاء لجان المقاومة في الثورة  أكبر من عطاء الكتل المشكلة لقوى إعلان الحرية والتغيير مجتمعة، وهل في ذلك شك؟

وكان ضمن أعضاء لجان المقاومة منسوبو أحزاب، لكن كانت نسبتهم ضئيلة لقلة عدد المنظمين سياسيا في كل أنحاء الوطن. وحتى هؤلاء المنظمين وجد أكثرهم براحات للعمل في اللجان أكثر مما وجدوه في أحزابهم.

إن العطاء غير المسبوق للجان المقاومة في الثورة يعطيها الحق في أن يكون لها النصيب الأكبر في المجلس التشريعي.

إن جل شهداء ثورة ديسمبر لا ينتمون للأحزاب وهذا يشير إلى الدور الأكبر الذي لعبته لجان المقاوَمة والثوار خارج الأطر التنظيمية الحزبية. هذه ليست محاولة للانتقاص من دور الثوار بالأحزاب، ولكن تذكير بحقيقة جلية، حتى تنتبه القوى المهيمنة حزبية كانت أو مدنية أو مهنية لهذا الأمر.

لذلك فإن لجان المقاومة أقرب إلى روح الشهداء وأكثر تمسكا بالقصاص لهم. حين تسمع كثير من قيادات الحرية والتغيير تحس أن كلمة “الشهداء” صارت تقال في بداية الخطب السياسية للزينة، دون إحساس أو حرص على القصاص.

في اجتماع لجان مقاومة الخرطوم مع لجنة المجلس التشريعي بقوى الحرية والتغيير الأربعاء الماضي، ذكر الأستاذ إبراهيم الشيخ أن تكوين المجلس التشريعي “منصص ومحدد ومشرعن بشكل واضح وقطعي في الوثيقة الدستورية” ، ولكنهم في الحرية والتغيير يرغبون في مزيد من التشاور.

وكنا نأمل أن نسمع لغة بهذا الوضوح القاطع في تعديات المكون العسكري على الوثيقة الدستورية وتمدد سيطرته على الاقتصاد وملف السلام وتعطيله للعدالة، ناهيك عن سيطرته الكاملة على وزارتي الدفاع والداخلية والتي عملت على تمزيق النسيج الاجتماعي للبلاد.

رغم أن قيادة الحرية والتغيير قالت إنها ترغب في المشاورة، إلا أنها أوحت أنها تتفضل على لجان المقاومة كرما منها لأن الوثيقة حددت صاحب الحق.

ولكن يتضح بجلاء أن قيادات الحرية والتغيير قد نسيت تماما وثيقة إعلان الحرية والتغيير التي كتبتها بيدها. فبدلا من إظهار التفضل على لجان المقاومة أصحاب الجلد والرأس، كان ينبغي لهم أن يلوموا أنفسهم أنهم لم يتمثلوا مضامين إعلان الحرية والتغيير.

فهل تتذكر قيادات قوى الحرية والتغيير أول فقرة في إعلان الحرية والتغيير؟

إنّ أول فقرة في الوثيقة التي التف حولها الشعب السوداني نصت على : (نحن شعب السودان في المدن والقرى، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ووسطاً، بكافة قوانا الشعبية والسياسية والاجتماعية والنقابية والمدنية وأصحاب المطالب، نؤكد عبر هذا الإعلان أننا لن نتوقف عن استخدام كافة أساليب النضال السلمي حتى يتم الخلاص من نظام الإنقاذ الشمولي وتحقيق الأهداف ….)، هل يتذكرون هذا؟

إن تحالف (قوى إعلان الحرية والتغيير) الذي تشكل في يناير ٢٠١٩ كان مقبولا وقتها، إذ أنه نشأ ليلحق بركب الشعب السوداني المتقدم؛ لكن مع مرور الزمن تناقص تمثيل هذا التحالف للثورة، لأنه لم يسع للتوسع لتستظل بمظلته القوى الثورية في قرى السودان ومدنه، كما أن أداء التحالف طوال الشهور الفائتة اتسم بالضعف المقيم، وانشغل بالمحاصصات وتقسيم الكيكة أكثر من أي شيء آخر، فهل يعقل اختصار هذه الثورة العظيمة في “كيكة”؟

بل لقد تقلصت قحت نفسها فقد خرج أو أُخرج عنها تجمع المهنيين بعد الخلافات التي نشبت بداخله.

كما أن الكتل التي تشكل قوى إعلان الحرية والتغيير هي كتل خرطومية بحتة، ويسهل ضرب المثل بتجمع القوى المدنية وتجمع المهنيين، وينطبق الأمر بدرجة كبيرة على الكتل السياسية رغم أنهم لا يرضون ذلك.

وظلت قوى إعلان الحرية والتغيير بالخرطوم تهمش نظيراتها في الولايات، كما ظلت قوى الحرية والتغيير بالولايات تهمش نظيراتها في المحليات، والقضارف خير نموذج للتهميشين، فلقد هُمشت وهَمشت.

فهل قوى إعلان الحرية بهذا الشكل مؤهلة لتشكيل المجلس التشريعي الذي شرعنته لهم الوثيقة الدستورية؟

خرج بيان باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم يستنكر موقف قوى الحرية والتغيير من مسألة المجلس التشريعي، ولم يدّعوا أنهم لجان مقاومة السودان ولا حتى لجان مقاومة ولاية الخرطوم، فلجان المقاومة أكثر صدقا في التمثيل فلم يضخموا أنفسهم، في حين أن قحت التي اجتمعوا معها تدعي أنها تمثل كل السودان كذبا وبهتانا.

ولقد كان موقف لجان المقاومة الذين قاطعوا الاجتماع تعبيرا عن غبن متراكم جراء التهميش المتطاول ابتداء من إقصاء اللجان من قوى الحرية والتغيير ثم من التفاوض ومن الحكومة، ومحاولتهم الآن لتمثيلهم بترميز تضليلي في المجلس التشريعي.

إن موقف اللجان موقف محترم فلقد ذكرتهم بقواعدها التي تلتزم بالرجوع إليها، في حين أن قوى الحرية والتغيير لا ترجع إلى أحد، فلم يسبق لهم الرجوع إلى قوى الحرية والتغيير في ولايات السودان المختلفة ناهيك عن محليات الوطن الكثيرة. آن قوى إعلان الحرية والتغيير الماثلة الآن جسم فوقي معزول.

لقد اقترحت قحت تقسيم مقاعد التشريعي بأن تنال الحرية والتغيير

165مقعدا تمثل 55%، والجبهة الثورية  75 مقعدا تمثل 25%

المكونات الأخرى  60 مقعدا تمثل 20%.

واعتبروا لجان المقاومة من المكونات الأخرى، فأعطوا لجان المقاومة بولاية الخرطوم ١٤ مقعد، ومقعدا واحدا فقط للجان المقاومة بكل ولاية.

ورغم أن قيادات قوى الحرية والتغيير ظلت تردد مراعاة الكثافة السكانية في توزيع المقاعد فلم تعمل ذلك في اقتراحها بخصوص لجان المقاومة، فكأنما أرادت أن تخلق فتنة بين لجان الخرطوم ولجان الولايات، ليتصارعوا حول ٣١ مقعدا (١٤ الخرطوم + ١٧ الولايات) وينسوا أن أحزاب قحت ستنال ١٦٥ مقعد، قابلة للزيادة بمنسوبيهم الصريحين أو المزروعين في لجان المقاومة!!  رغم أن نسبة المنظمين سياسيا في كل السودان لا أظن أنها تبلغ ٥٪.

مثلما أُقصيت لجان المقاومة من التمثيل من قبل ، ستبذل ذات قوى قحت قصارى جهدها لإقصائهم من التمثيل في المجلس التشريعي، أو على الأقل تقليص تمثيلهم فيه إلى أدنى درجة ممكنة، ومن ثم تشويه هذا التمثيل.

إن لجان المقاومة واعية بذلك، ولكن على منتسبي الأحزاب الثوار الأحرار العمل على إحداث الثورة داخل أحزابهم للتخلص من عقليات الهيمنة والإقصاء.. إن الثورة مستمرة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى