تقارير

قوات (درع السودان) .. مزايدة ولَيُّ ذراع

تقرير – أم زين آدم
عند الإصغاء لتصريحات رأس سلطة الأمر الواقع، وقائد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر قبل الماضي، عبدالفتاح البرهان، يقول دوماً إنه مع الحكومة المدنية وخروج الجيش من العملية السياسية. وعلى أرض الواقع، منذ الانقلاب، تعمل الكيانات القبلية على تشكيل قوات مسلحة في المناطق التي لم تشهد أي نزاع مسلح من قبل في الشمالية ووسط البلاد، آخرها قوات (درع السودان) التي أعلنت عن نفسها منتصف ديسمبر الماضي، دون أن تتخذ السلطة القائمة أي إجراء ضدها.
درع السودان
منذ العام 2020، طفا اسم الناشط في قضايا منطقة البطانة شرق البلاد، أبوعاقلة كيكل، وتقول سيرته المهنية إنه ضابط بالمعاش. وعلى خلفية ما تم تداوله وقتها بأن الحركات المسلحة نشطت في عمليات تجنيد أبناء منطقة البطانة في صفوفها، ورفضاً لذلك ولاتفاقية سلام جوبا بين المكون العسكري الانقلابي ومسلحي الجبهة الثورية، كون أبوعاقلة قوات (درع السودان)، أعلن عن ذلك في منطقة جبال الغر بالبطانة.
وفي مدينة رفاعة شرق ولاية الجزيرة، سمى (درع السودان) ضمن فعالية أقامها في المدينة، وسمى كرار التهامي، القيادي بالنظام البائد، وأشهر من شغل منصب الأمين العام لجهاز السودانيين العاملين بالخارج، سماه حاكماً لمدينة رفاعة. وتقدم خطوة أكثر جرأة بإعلان فعالية بمنطقة حطّاب، معقل قبيلة البطاحين بمحلية شرق النيل في العاصمة الخرطوم، نهار يوم أمس السبت. بيد أن اللجنة الأمنية بولاية الخرطوم، أصدرت قراراً بمنع الفعالية، وذكر شهود عيان بالمنطقة أن القوات الأمنية حاصرت مكان الفعالية، وبدأت في مطاردة أبوعاقلة للقبض عليه.
قبيلة البطاحين، صاحبة الأرض بمنطقة حطّاب، أصدرت بياناً رفضت فيه قيام الفعالية. وقال ناظر عموم البطاحين، محمد المنتصر خالد، إن دعوة ما يسمى بـ (درع السودان) في منطقة حطاب مرفوض من حيث المبدأ، وإن واجبه الوطني يحتم عليه أن ينأى بالقبيلة ومجتمع شرق النيل كافة عن هذا العمل غير المسؤول، وإن الدعوة جاءت مخالفة لكل أعراف وأخلاقيات وتراث القبائل.
وكشف تجمع المهنيين، في بيان، عن ترتيبات يجريها منسوبو النظام البائد لإحداث فوضى في مناطق في البلاد، من بينها العاصمة الخرطوم. وقال إن منسوبي النظام السابق وتشكيلاتهم شبه العسكرية، ممثلة: في الأمن الشعبي، والدفاع الشعبي، ومسرّحي هيئة العمليات، تسعى لإحداث فوضى أمنية واختلاق نزاعات مسلحة في مناطق دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وشرق البلاد، خلال الفترة المقبلة.

كيكل

افتراض خاطئ
المحلل السياسي والكاتب الصحفي، مهدي رابح، أفاد في حديثه للصحيفة، بأن (درع السودان) وتحركاتها من عمل منظومات النظام البائد وعناصره المسلحة، وأن ظهورها في هذا التوقيت وشكلها الحالي له عدة دلالات، أهمها ما يمثله نجاح العملية السياسية المحتمل وتهديدها لمصالح هذه المنظومات الإجرامية، وتهديد وجودها السياسي تحت أي واجهة كانت في المستقبل، وقال: “إنها ببساطة محاولة تهديد وابتزاز لن تمر على شعب لمّاح وذكي مثل الشعب السوداني الذي لفظهم إلى غير رجعة”.
وأوضح مهدي أن انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر تم بناء على تصور خاطئ، افترض قدرة منظومات العهد البائد على توفير حاضنة اجتماعية ودعم سياسي كاف لشرعنة الانقلاب واستدامته في الحكم.
لذا سيظل الانقلاب يتجاهل مثل هذه الظواهر رغم خطورتها البالغة على الجميع، وذلك لعدم تحقيق الانتقال الديمقراطي واستعادة مساره بصورة نهائية، وعلى أساس ترتيب دستوري محكم يؤسس لحكومة مدنية خالصة لعمليات إصلاح شاملة، تبدأ بإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية أولاً.
وقال القانوني والناشط الحقوقي، الصادق علي حسن، إنه بحسب الوضع الدستوري والقانوني القائم حالياً، فإن القوات العسكرية التي لها سند قانوني ودستوري أو اتفاقي هي: الجيش، والدعم السريع، والقوات الموقعة على اتفاق سلام جوبا، بالتالي فإن أي قوات أخرى لا تندرج ضمن هذه القوات ليست لها مرجعية، وبالتالي تعتبر متمردة على السلطة القائمة بمعاييرها ووضعها الدستوري والقانوني، وبناء على ذلك تعتبر القوات التي أسمت نفسها (درع السودان) متمردة.
بيد أن الصادق استدرك بالقول: “ما يجري موروث من النظام البائد، مثل هذه القوات حال استمرت ستصبح أمراً واقعاً، وبحسب قوتها ونفوذها سيتم التعامل معها مثل قوات شيبة ضرار في بورتسودان”.

قائد الانقلاب – البرهان

خيار البرهان
قال الصادق إن البرهان في رأس السلطة سيجد نفسه أمام واقع جديد، هذا إذا لم يقم هو بنفسه بتشجيع هذه القوات، أو على الأقل علمه بها وغض الطرف عنها، لاعتبارات التوازن والتنافس مع مجموعات المناطق الأخرى، والتي صارت لديها العشرات مثل هذه الجيوش، نمت وترعرعت بذات الطرق والوسائل وتطالب بالسلطة والثروة.
هناك مجموعات حصلت على السلطة والثروة وأغدق عليها فعلياً، لذا سيجد البرهان نفسه في حيرة. فالقوات التي نشأت بذات فكرة (درع السودان) تشاركه في السلطة، وإذا تحرك في اتجاه تقييد إجراءات ضدها، فستجد هذه القوات دفوعاتها بأن نهج المشاركة في السلطة الآن هو السلاح، ولماذا يكون السلاح حقاً للآخرين دون غيرهم للمطالبة بالمشاركة في السلطة بالحقوق المدعاة. وبغض النظر عن صحة الموقف أو عدمه، فإن القانون ينص على أحكام رادعة في مواجهة مثل هذه الأفعال التي يصفها بالجرائم الموجهة ضد الدولة، والفتنة الجنائية، والتمرد على النظام القائم.
وذهب الصادق إلى أنه حال تطبيق القانون أو عدمه على هذه المجموعة دون غيرها، سيبرز التناقض في ازدواجية التطبيق. فهناك قوات أخرى نشأت بذات الكيفية والنهج، والشاهد تكرار حالات تقنين التمرد وحمل السلاح. هذه الظواهر تمددت في كل أرجاء البلاد وباتت تهدد وجودها وتماسكها.
قال الصادق: “إذا استمرت هذه الظاهرة، ستؤدي إلى إنهاء الدولة المدنية وتماسكها، وتعجل بدخولها مرحلة الفوضى، لأن هذه الأوضاع ارتبطت بالجنرالين حميدتي والبرهان، وليس من حل لإدراك الدولة وتماسكها إلا بذهابهما معا، والتأسيس لدولة بقوات نظامية بعقيدة تتعامل مع هذه الظاهرة بالحسم”.
وقال مهدي رابح، إنه كلما طفت مثل هذه الظاهرة الشاذة إلى السطح، أتذكر مقولة أستاذنا الحاج وراق الشهيرة، بأن “السودان في عهد الإسلاميين، لم يشهد عمليات إرهابية، لأن من يقومون بهذه العمليات موجودون على سدة الحكم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى