صفحات متخصصةقضايا فكرية

قضايا فكرية.. إشراف- د. هشام عمر النور

تداعيات أنطولوجية (2 من 2)
إبراهيم جعفر
كاتب وأكاديمي سوداني، ببريطانيا
هوامش وراء، أو بين، سطوريّة على شيءٍ من المصطلح الصّوفيِّ للعارف المسلم محمد عبد الجَّبَّار النِّفَّرِيْ
إلى: محمد خلف الله سليمان “النِّفَّرِي”
في ما بُحْتُ به لا تُخطئُ نفسٌ باصرةٌ لقاءاً لما سمّيتُهُ “مَشهَدِي” الخاصِّ بمشاهد “الشَّامانيَّة” الأُولى العريقة. كذلك ربما تَلمَسُ ذاتُ النَّفسِ فيه إيماءاً ضمنيّاً إلى الجّاذبية الرُّوحيَّة والشِّعريَّة (لذلكَ هي جاذبيّةٌ معشوقةٌ ومثيرةٌ لي!) التي تَتَحَلَّى بها “مشاهدُ” كلٍّ من روبيرت قِريفز وكولن ويلسون عن الشِّعر وعن السِّحر (الأوّل في “فهمه” للمعرفة على أنّها “شمسيّة ” و”قمريَّة”، والثَّاني في رؤياهُ للشِّعر).
أرَقَّ (وليسَ أَدَقَّ) من ذلك “اللِّقاء” وذاك “الإيماء”، فيما أهجسُ، هو ما ينبضُ به “مشهدي” من وصلٍ باطنيٍّ “تحتِيٍّ، كما لُجج أو مروج البحر” لمغاني التجربة الصوفيّة واحداتها بالأُخريات، ومن تأكيدٍ موازٍ لذلكَ على تجارب الدَّخيلة الوجدانيَّة السّورياليّة والوجوديّة (متقاطعةً ومتآزرةً مع دينٍ “قاعدِيٍّ” ما مثل الإسلام أو المسيحيّة أو لا). فالأُسُّ الأنطولوجيُّ والشَّعوريُّ هنا هو “أرضٌ” هي (حاليَّاً) أرضُ معرفةِ الاختلاف–الغرابة، معرفة السِّحر والرُّوح الأُولى عنصراً وأصلاً، حقيقةً وجذراً.
السِّيرياليّةُ “سحرٌ” فهي، شعوريَّاً، اندفاعة نحو تكسير العلاقات الشِّعوريّة اليوميَّة مع الوجود في فعلِ الفنِّ. الوجوديَّةُ الصُّوفيَّةُ “الجَّديدة” هي أيضاً “سحرٌ” وذاكَ، على الأقلِّ، وصفٌ صحيحٌ لحالتها عندما تُخاطرُنا عن “المعنى”، القيمة والثّراء الحسِّيِّ والرُّوحيِّ “الدّينيِّ” للوجود (كولن ويلسون)، أو عن “سرِّيَّةِ” الوجود الأساسيَّة (قابريلْ مارسل)، أو عن الخصوصيَّة الفريدة والأغنى من كلِّ خصوصيَّةٍ أُخرى في كثافتها الشعوريَّة المرتسمة في العلاقة الصَّميميَّة بين “الأنَا” و”الأَنْتَ” العينيّة أو الإلهيَّة (مارتن بوبر؛ نقولاي بيرديائيف).
الصوفيّة التقليدية (أي معرفة “الذّوق” المُنفكَّة (أو”الفالتة”) عن التّديُّن المؤسَّس تاريخيَّاً–السّماويِّ خصوصاً) تَستَطلِعُ، في رحيلها الروحيِّ، مستوىً واحداً جذريَّاً– على الأغلب– لمواقف (أو حضورات) الإنسان الموجود من (أو في) الوجود الذي يحياه (ذلك طبيعيٌّ إذ أنَّها وارثةُ تاريخٍ عريقٍ من “التَّوحيد” الشِّمُولِيِّ النَّافي لما عداه؛ تاريخٌ ليس لها أن تتخطَّاه– إلاّ قليلاً؛ رُبَّما حالةُ العارف محيي الدين بن عربي تمَّ فيها ذلك، ضمنيَّاً، أو تَحْتِيَّاً، على الأَدَقِّ)… شاهدي على ذلك هو قيامُ الصُّوفية التُّراثيّة على تجربةٍ وجوديَّةٍ واحدةٍ وأساسيَّةٍ هي تجربة امِّحاق الذّات أو “عدمِهَا” الأنطولوجيِّ حينما تكونُ على وصلٍ راسخٍ وأكيدٍ مع الأُلوهةِ الكُلِّيَّةَ الحضورِ والقُوَّةِ (بمعنىً مادِّيٍّ وروحيٍّ معاً). فكلُّ “سوى” وكلُّ “غير”، أو “آخر”، هو، عند النِّفَّري– الذي أخذنا عنهُ ما أجرينا عليهِ هذه الهوامش– وعند سائرِ السَّادةِ الصُّوفيّة (المسلمين منهم، على الأقلِّ) هو لاهٍ للمرء عن الله وحقيقته السَّرمديَّة. فتلكَ الحقيقةُ عانيةٌ، لذاكَ النَّفرِ الكريمِ من النَّاسِ، ما قد أُسمِّيهِ، بلغةِ الوجوديَّةِ المحدثة، “الأَنْتَ المُطْلَقْ” الذي يَصْرِفُ القلبَ عنهُ كلُّ ما لم يكُنْهُ. من هنا جاء في الشِّعر المتقمِّص لروحِ تجربتهم والكاشف لأُسِّها الكينونيِّ أنَّكَ، أيُّها الإنسان: إن تكُنْ بالله قائماً لم تكُنْ بل أنتَ هو/أنتَ سرُّ الغيبِ من أسمائِهِ والشَّمسُ هو. هذا الطَّلبُ الجَّذريُّ لنفيِ أيِّ “سوىً” غير الحضور الإلهيِّ يعني، فيما يعني، حين ترجمتهُ إلى لغةٍ وجوديّةٍ خالصةٍ، أنَّ السَّالكَ ’يُوجَدُ‘ في الله وباللهِ ‘فقط’ في آنِ نفيهِ لكُلِّ “آخرٍ”، حيَّاً كان أم شيئاً، أُنسيَّاً كانَ أم كائناً طبيعيَّاً. وقد أوصلَ الشَّيخُ الوَاجدُ أبُو منصور الحلاّج هذا “النَّفيَ” إلى مداه “الشِّهَادِيِّ” الفاجع “في ما يلينا”، والطَّروب “فيما يلي الله” فتشوَّقَ إلى محقِ “إنِّيَّةِ” السَّالك- الشَّاهد نفسه إذ رتَّلَ، موغلاً في “غرقِهِ” الأُخْرَوِيِّ، نشيدَ “التَّدميرِ الذَّاتيِّ” منتشياً بالعذاب:-
بيني وبينُكَ إنِّي ينازعُني فارفع بإنَّيكَ إنِّي من البينِ
هنا يتحقَّقُ حضورُ الأُلوهةِ في حالِ غيابِ الوجودِ كلِّهِ عن التَّمثُّلِ للذّاتِ الموجودة التي هي أيضاً، في حركةٍ أكثرَ مفارقةٍ، تنفصمُ عن كينونتها وتُضحي “عدماً” أو تلاشياً في ذلكَ الحضور الغلاّب. لا مكانَ هنا للوصلِ بالرُّوحِ القديمِ حتّى في الشِّعورِ الاستثنائيِّ بـ”القداسة” الأصليّة لهذا الوجودِ الطَّبيعيِّ–الإنسانيِّ الذي يضُمُّنا زمنُهُ هنا والآن، في هذهِ الحياة القصيرة الكثيفة العمق فقط في لحظاتِ “إطلاقٍ” نادرةٍ تنفتحُ لنا فيها أحياناً، أحياناً. بعبارةٍ أكثرَ بساطةٍ وتركيزاً، في غيابِ الآخرين وغيابِ الوجودِ الطَّبيعيِّ يتقوَّمُ حضورُ الأُلوهةِ عند الصُّوفيِّ التُّراثِيِّ أو الجَّذريِّ.
تِلْكَ الرَّاديكاليَّةُ الرُّوحيَّةُ لا شكَّ أنَّها واقفةٌ على شطِّ تجربةٍ شعوريَّةٍ عميقةٍ تتقابلُ (في تضادٍّ يُشْهَدُ، على مستوىً باطنٍ “آخرٍ”، أنَّهُ ليس حقيقيَّاً تماماً!) مع حيثُ تُشْعَرُ الأُلوهةُ البديعةُ على أنَّها متلبِّسةٌ للطَّبيعةِ، للكونِ، للأثيرِ الوجوديِّ الذي يلُفُّنا غيمُهُ والذي نتلامسُ مع كينونتِهِ في لحظاتٍ مواتيةٍ من السِّحريَّةِ أو الشِّعريَّةِ (فكلاهما منتميان جوهريَّاً إلى عنصرٍ واحدٍ وأنطولوجيا واحدة). فذلكَ “الحَيْثُ” يتَّسعُ مُتَلَوِّناً في مشاهدِهِ ليضُمُّ تحتَ رحابتِهِ (أو ثرائِهِ) تصاويرَ وتَهَاوِيْلَ مختلفَات للوجود منها وثنيَّةُ آلِ السِّحرِ العارفين، بعضُ وجوديَّاتٍ ودياناتٍ “شخصيَّةٍ” يحضُرُ “المعنى” فيها باستقلالٍ عن “النَّفيِ” الصُّوفيِّ التَّقليديِّ لكلِّ وجودٍ عينيٍّ. فمَورِدُ المغاني هنا هو ذاتُ “الثَّرَاءِ” و”الغَرَابةِ” التي نكُنْ– لو “أَشْرَعْنَا” أو أيقظنا حسَّنا بالكينونة– على وعدٍ بلقائها دونَ شرطٍ لأن “نُغِيْبَ” و”نُنْفَىْ” عن وجودِنا ذِي الألوان المختلفاتِ، مادَّةً وشعوراً. وليم بليك شعر هذا بكثافةٍ وسمَّاهُ، بإلماحيَّةٍ عاليةٍ، مقاماً في الرُّوحِ (في “الأَلْهَنَةِ”، إذا أُغريتُ بالإيغالِ في التَّفَنُّنِ التَّعبيريِّ، كما أفعَلُ بِجِنٍّ مُمتِعٍ كثيراً ما يتلبَّسُني!) وفي الفنِّ. ثمّ هو “يُغَافِلُ” عارفي الأديان السَّماويَّة أحياناً فيتقمَّصُ، في أنفُسِ أمثالِ نَفْسَيْ الباطنيَّين الشَّيخ محيي الدِّين بن عربي والفيلسوف الوجوديّ مارتن بوبر، بعضاً من زِوَىً بعيدةً فيها. وربَّما تهيَّأَ ذلك التَّقمُّصُ لتلكَ الطَّبائعِ من الأَنفُسِ في صورةِ، أو صورِ، غرامٍ آبقٍ بكائنٍ أخَّاذٍ ما: ثَمَةُ “أنتَ” طبيعيٌّ وحيٌّ يُرى– رُغماً عن “تُقَىْ” الرَّائي، أحياناً– على أنَّهُ ليس فقط “مَجْلَىً” لجمالِ الله (الأُلوهة) في الوجود بل هو، بكيفٍ سرِّيٍّ وكينونيٍّ ما، هذا “الجَّمالُ” نفسه وقد “تجسَّدَ” حيَّاً في عينِ “زمانِيَّتِنَا” هذه التي “نُجبَرُ”، “واقعيَّاً”، على الحكمِ بأنَّها عابرةٌ وفانيةٌ.
حاشية:-
• يجبُ عليَّ التنبيه، بقوَّةٍ، إلى أنَّ هذين “المُصطلحين” النِّفَّريَّين (من “النِّفَّري”) قد أُعيدت صياغتُهُما هنا وفقَ لغتي الخاصَّة. فهما، في الحقِّ، إعادةُ تحريرٍ (وليس إعادةُ “إنتاجٍ”) لمقاصد العارفِ النِّفَّري من كتابتهما عبر الاستعانة، في ذلك، بنسخةٍ إنجليزيَّةٍ مترجمةً عنهُ صدرت قديماً (في سنةٍ غير محدَّدةٍ، على الأغلبِ، في ديباجتها) عن مطبعةِ الكتب المصريّة بالقاهرة، ثمّ عن مكتبةِ المثنَّى ببغداد. عذري على ما فعلت هو عدم تمكُّنِي من العثور على النُّسخةِ الأصليَّةِ من كتابِ العارفِ الصُّوفيِّ الموسوم بـ”المواقف والمخاطبات”. جاءَ في ديباجةِ النُّسخةِ الإنجليزيَّةِ التي عنيتُ ما يلي:-
“كتابُ المواقف”، لمحمد بن عبد الجبَّار بن الحسن النِّفَّري، ويليه “كتابُ المخاطبات”، لهُ أيضاً– طبعت للمرَّةِ الأُولى بعد مقابلةِ سبعِ نسخٍ بعنايةِ وتصحيحِ واهتمامِ “آرثر يوحنّا آربري” محاضر بالجَّامعة المصريَّة وزميل كليَّة بيروت بجامعة كمبردج سابقاً– مطبعة الكتب المصريَّة بالقاهرة. أعادت طبعَهُ بالأوفست مكتبة المثنَّى ببغداد لصاحبها قاسم مُحمَّد الرَّجَبْ.
_________

حنة آرانت وميلاد الفضاء العمومي
رشيد العلوي
كاتب وأكاديمي من المغرب
يرتكز تصور حنة آرانت للفضاء العمومي على ازدواجيَّة مفهومية تحضر بشكل قوي مكثف في كتابها “وضع الإنسان الحديث”: ما قبل السيَّاسة في مقابل السيَّاسة، الحريَّة في مقابل العنف، الضرورة في مقابل التحرر، العائلة في مقابل الساحة العموميَّة / المدينة، حيث رجعت إلى الفلسفة اليونانيَّة لفهم مرتكزات التميِّيز بين الخاص والعام، معتبرة أن ميلاد المدينة – الدولة في أثينا شكل لحظة مفصليَّة في التأسيس لظهور الفضاء العمومي المتميز عن الفضاء الخاص، حيث تقترح: “(…) إعادة النَّظر في الوضع البشري من وجهة نظر تجاربنا ومخاوفنا الأكثر جدة (…) إن ما أقترحه هو إذن بسيط جداً: لا شيء أكثر من التفكير في ما نفعل”. هنة آرانت: “الوضع البشري”، ترجمة هادي العراقي، منشورات مؤسسة مؤمنون بلا حدود، بيروت، دار جداول، الطبعة الأولى 2015، ص25.
اقترحت أيضا مفهوم الحياة النشيطة Vita activa التي تقصد بها أساساً ثلاثة أنشطة رئيسة في الحياة البشريَّة حيث تقول “أقترح عبارة الحياة النَّشيطة لأعني ثلاثة أنشطة بشريَّة أساسيَّة: العمل والأثر والفعل. إنها أنشطة أساسيَّة لأن كل واحد منها ينطبق على شروط أوليَّة تكون فيه الحياة على الأرض معطاة للإنسان”. (نفس المرجع، نفس الصفحة)، وتريد بالعمل: النشاط الذي ينطبق على المسار البيولوجي للجسم البشري، فالوضع البشري للعمل هو الحياة ذاتها. أما الأثر فهو: النشاط الذي ينطبق لا على طبيعية الوجود البشري الذي لا يكون مغروسا في الفضاء. إن الأثر يعطي عالما “اصطناعيا” من الأشياء، عالما مختلفا بوضوح عن كل محيط طبيعي، فالشرط البشري “للأثر” هو الانتماء إلى العالم. في حين أن الفعل هو: النشاط الوحيد الذي يضع البشر مباشرة في علاقة دون وساطة الأشياء، ولا وساطة المادة، يطابق الوضع البشري للكثرة، من جهة أن الكثرة هي شرط الفعل الإنساني. هكذا إذن تتأسس الحياة النشيطة في نظر آرانت على:
الحياة النشيطة العمل الحياة ذاتها
الأثر الانتماء إلى العالم
الفعل الفعل السيَّاسي
وإذا كان العمل والأثر لا يشترطان حضور الآخرين لأنهما نشاطان فرديان بامتياز، فإن الفعل على العكس من ذلك هو نشاط من أجل الآخرين لذلك تقول: “كل الأنشطة مشروطة بمسألة عيش البشر في المجتمع، غير أن الفعل وحده هو الذي لا يمكن حتى تخيله خارج مجتمع البشر، إن نشاط العمل لا يتطلب حضور الآخرين (…) الفعل وحده مشرُوط تماماً بالحضور الدائِم للآخرين”. (نفس المرجع، ص 43 – 44) ويقترن الفعل السيَّاسي ضرورة – في نظر آرانت – بظهور المدينة – الدولة، حيث تقول: “إن ميلاد المدينة – الدولة جعل الإنسان يكتسب إضافة الى حياته الخاصة نوعا ثانيا من الحياة، هو حياته السياسية”. (نفس المرجع، ص 45) وهو فعل يرتكز على نشاطين محوريَّين سبق لأرسطو أن حدَّدهما في كتاب “السيَّاسات”: الممارسة والكلام (اللُّغة)، وتشدِّد أن اللُّغة (الكلام) والحجة والإقناع هي أداة رئيسة لممارسة السيَّاسة في المدينة – الدولة بدل العنف الذي يقع خارج المدينة – الدولة أي في الأرياف وفي الأسرة والحياة الخاصة وفي المجتمعات الإمبراطورية الاستبداديَّة كما هو حال إمبراطوريات آسيا. ففي المجال الخاص (الأسرة) بما هو مجال ما قبل سيَّاسي يحضر العنف في مجمل تجلياتِه كأداة ووسيلة للهيمنة، في حين أن المجال العمومي في المدينة – الدولة هو مجال سيَّاسي يرتكز على الحوار والنِّقاش والمُساجلة كأدوات رئيسة للفِعل السيَّاسي – الإنساني.
من الصعوبة بالنسبة لحنة آرانت نكران التداخل الموجود بين كلا المجالين، “إن التمييز بين ميدان خاص للحياة وآخر عموميا ينطبق على الأسرة والمجالات السياسية التي قد وجدت باعتبارها متميزة، وممثلة لكيانات منفصلة في الأخير منذ ميلاد المدينة – الدولة القديمة”، (نفس المرجع، ص 49) غير أن بينهما اختلافات جوهرية يتوجب أخذها بعين الاعتبار: ففي المجال الخاص (الأسرة) يعيش الأفراد بفعل الضرورة والحاجة، كمجال لحياة النوع البشري يقوم فيه الذكر بمهمة الحفاظ على بقاء النوع (إنتاج المأكولات وأساسيات البقاء الطبيعية) والأنثى بمهمة تواصل النوع (التكاثر) إنهما وظيفتان طبيعيتان بحكم الضرورة لهذا تسميه مجال ما قبل سيَّاسي، حيث “العنف هو الفعل ما قبل السيَّاسي لتحرير الفرد نفسه من ضرورة الحياة من أجل حريَّة العالم، وهذه الحريَّة هي الشرط الأساسي بما سماه اليونانيون السعادة”. (نفس المرجع، ص 52) أما المجال العام (مجال المدينة – الدولة) فهو مجال الحريَّة بامتياز حيث يصير العنف والقوة محتكرا من طرف الحكومة، “الحرية توجد في المجال الاجتماعي، والقوة أو العنف تصبح من تحتكره الحكومة” (نفس المرجع، ص نفس الصفحة)، لأن المرء يكون حرا حينما يتخلص من اللامساواة المحايثة للتسلط (نفس المرجع، ص 54) وحينما يتحرك في مجال لا يوجد فيه لا التسلط ولا الخضوع لذلك فهو مجال سيَّاسي حق. وهي في هذا على عكس هابرماس لا ترجئ ولادة الفضاء العمومي إلى القرنين الثامن والتاسع عشر بل إلى ميلاد المدينة – الدولة مع اليونان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقاء مع جوديث بتلر
جوديث بتلر تريد منا أن نعيد تشكيل غضبنا (3 من 3)
أجرت المقابلة ماشا جيسين وتم نشرها في مجلة The New Yorker
في العدد الذي صدر في 9 فبراير 2020م
ترجمه إلى اللغة العربية هشام عمر النور
تحتل جوديث بتلر مكانة خاصة في الثقافة الغربية المعاصرة. مثل قلة قليلة من الرجال وربما لا امرأة غيرها، باتلر أكاديمية عالمية مشهورة. وهذا يعني أن العديد من الأشخاص يعرفون اسمها أكثر من الذين قرأوا أعمالها – ومعظمهم لديهم رأي حول بتلر وأفكارها. قد يجادل المرء بأن تأثير بتلر هائل لأن بعض العبارات الرئيسية لها أصبحت من العناصر الأساسية اللغوية ؛ خذ، على سبيل المثال، “الأداء الجنساني”. ومع ذلك، فقد تم تبسيط هذه الأفكار وتحويلها وهي في طريقها لأن تصبح الاتجاه السائد، وغالباً بدون أن يتم التعرف علي ذلك.
اشتهرت جوديث بتلر، البالغة من العمر ثلاثة وستين عاماً، بعملها في نظرية النوع الاجتماعي، وخاصة كتابها “مشكلة الجندر”، الذي نشر قبل ثلاثين عاماً. كتبت جوديث بتلر بكثرة حول مسائل أخرى تتعلق بالثقافة والسياسة والنفسية، مثل خطاب الكراهية (“الكلام المثير: سياسة الأداء” ، 1997)، وعدم القدرة على معرفة الذات (“إعطاء حساب عن الذات ،” 2005)، والأخلاق اليهودية وفلسطين (“طرق الفراق: اليهودية ونقد الصهيونية،” 2012). وجوديث بتلر أستاذة ماكسين إليوت للأدب المقارن في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، حيث درست منذ عام 1993.
هذا الشهر (فبراير 2020م)، نشرت دار النشر فيرسو أحدث كتب جوديث بتلر، “قوة اللاعنف”. وهو كتاب ضئيل الحجم ضئيل ولكنه يقدم حجة قوية: بأن عصرنا، أو ربما في جميع الأزمان، تتم الدعوة إلى تصور طريقة جديدة تماماً للبشر للعيش معاً في العالم – عالم من “المساواة الراديكالية” كما تسميه جوديث بتلر. جلست جوديث بتلر لإجراء محادثة معي خلال زيارتها الأخيرة لنيويورك. تم تحرير هذه المقابلة وتكثيفها.
ماشا جيسين: لقد وصفت هذه اللحظة الحالية (المقابلة تمت أيام احتجاجات مقتل جورج فلويد) بشكل جميل إلى حد ما في الكتاب على أنها “شكل سياسي مترتب على الوهم الخيالي”.
جوديث بتلر: إذا فكرنا في حالات عنف الشرطة ضد النساء والرجال والأطفال السود غير المسلحين، أو الراكضين هرباً بالفعل، أو النائمين على الأريكة، أو المقيدين تماماً ويقولون إنهم لا يستطيعون التنفس، فإننا نفترض بشكل معقول العنف والظلم البائن من عمليات القتل هذه واضح. ومع ذلك، هناك من يرى في مقاطع الفيديو التي توثق عنف الشرطة أن هنالك شخصاً أسوداً على على وشك ارتكاب بعض الأعمال العنيفة الرهيبة. كيف يمكن إقناع أي شخص بذلك؟ ما هي شروط الإقناع التي يمكن للمحامي أن يقدم على أساسها هذه الحجة، معتمداً على هذا التوثيق بالفيديو، وتقبل بها هيئة المحلفين أو القاضي؟ الطريقة الوحيدة التي يمكننا أن نتخيلها للقبول بهذه الحجة هي أننا نفهم أن العنف المحتمل هو شيء يحمله السود في نفوسهم كجزء من سوادهم. لقد كان من المثير للصدمة أن نرى هيئة المحلفين والقضاة ومحققو الشرطة يبرئون الشرطة مرارًا وتكرارًا، عندما يبدو – لكثير منا، على الأقل – أن هذه الحالات كانت حالات عنف قاتل دون استفزاز. لذلك أنا أفهمها على أنها نوع من الأوهام العرقية.
ماشا جيسين: فقط للتوضيح، أنت لا تقولين أن هؤلاء المحلفين رأوا أن العنف الذي تم ارتكابه ضد شخص ما ليس عنفاً وقرروا إفلات الجاني. أنت تقولين إنهم أدركوا عنفاً بالفعل –
جوديث بتلر: – في الحالات التي يكون فيها الجسد الأسود الخاضع جذرياً، أو الجسد الأسود المقيَّد جذرياً، أو الجسد الأسود الراكض خوفاً بعيداً عن ضابط شرطة ما يهدده بالعنف، وكنت أنت من أعضاء هيئة المحلفين – وخاصة هيئة المحلفين البيضاء التي تعتقد أنه من المعقول تماماً أن نتخيل شخصاً أسوداً، حتى وهو مقيد تماماً، يمكن أن يقفز ويقتلك في لمح البصر – هذا وهم. إنه ليس مرضاً نفسياً فردياً ولكنه مشهداً وهمياً مشتركاً.
ماشا جيسين: كيف جاء هذا الكتاب؟
جوديث بتلر: لقد كنت أعمل على هذا الموضوع لفترة من الوقت. إنه مرتبط بمشكلة الحزن، وحقوق الإنسان، وسياسات المقاطعة، والتفكير في أنماط المقاومة اللاعنفية. لكن، أيضاً، كان بعض حلفائي اليساريين متأكدين تماماً من أنه عندما تم انتخاب ترامب، كنا نعيش في زمن فاشية تتطلب الإطاحة العنيفة أو مجموعة من تكتيكات المقاومة العنيفة، مستشهدين بمقاومة النازية في أوروبا و الفاشية في إيطاليا وإسبانيا. كانت بعض الجماعات تؤكد الدمار بدلاً من محاولة بناء تحالفات جديدة بناءً على تحليل جديد لعصرنا، تحالف سيكون في النهاية قوياً بما يكفي لمعارضة هذا الاتجاه الحالي الخطير للحكم الاستبدادي والفاشي الجديد.
ماشا جيسين: هل يمكنك إعطاء بعض الأمثلة على ما ترينه تأكيداً على الدمار؟
جوديث بتلر: على مستوى بسيط للغاية: الدخول في معارك جسدية مع الفاشيين الذين يأتون لاستفزازك، أو تدمير واجهات المحلات لأن الرأسمالية يجب أن تُركع على ركبتيها، كما حدث أثناء احتجاجات احتلال وول استريت والاحتجاجات المناهضة للفاشية في منطقة الخليج، حتى لو كانت واجهات المحلات تلك تخص بعض السود الذين كافحوا من أجل تأسيسها. عندما كنت في تشيلي في أبريل الماضي، أدهشتني حقيقة أن الحركة النسوية كانت في طليعة اليسار، وقد أحدثت فرقاً كبيراً في التفكير في التكتيكات والاستراتيجيات والأهداف. في الولايات المتحدة، أعتقد أن بعض الرجال الذين لطالما اعتبروا النسوية قضية ثانوية، يشعرون بحرية أكبر في التعبير عن مناهضتهم للنسوية في سياق الاهتمام المتجدد بالاشتراكية. بالطبع، ليس من الضروري أن تسير الأمور على هذا النحو، لكنني قلقة بشأن العودة إلى إطار الانطباعات الأولية والثانوية. لقد حاربت العديد من الحركات الاجتماعية ضد ذلك لعقود.
ماشا جيسين: لقد واجهتي العنف، وأعلم أن هناك بعض البلدان التي لم تعدين تشعرين بالأمان عند السفر إليها. ماذا حدث؟
جوديث بتلر: عادة ما تكون هناك قضيتين، فلسطين أو الجندر. لقد فهمت في أي الأماكن أي القضايا التي يمكن أن تثير الجدل. انتشرت الحركة المناهضة لـ”إيديولوجيا النوع الاجتماعي” في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، مما أثر على الانتخابات الوطنية واستهدف الأقليات الجنسية والجندرية. وغالباً ما تمت الإساءة إلى أولئك الذين يعملون في مجال النوع الاجتماعي أنهم “أبالسة” أو “شياطين”. صورة الشيطان مستخدمة بكثرة، وهو أمر صعب عليّ للغاية لأسباب عديدة، جزئيًا لأنه يشعرني بمعاداة السامية. في بعض الأحيان يعاملونني على أنني متحولة جنسياً، أو أنهم لا يمكنهم التقرير ما إذا كنت متحولة جنسياً أو سحاقية أو أي شيء آخر، وهم ينسبون لأعمالي منذ ثلاثين عاماً تقديم فكرة الجندر هذه، في حين أن البحث السريع سيظهر أن هذه الفئة كانت تعمل منذ خمسينات القرن الماضي.
ماشا جيسين: كيف تعرفين أنهم يرونك كمتحولة جنسية؟
جوديث بتلر: في البرازيل، وضعوا حمالة صدر وردية على دمية صنعوها لي.
ماشا جيسين: هل كانت هنالك دمية؟
جوديث بتلر: نعم، ولقد حرقوا تلك الدمية.
ماشا جيسين: لا يبدو أن “حمالة الصدر الوردية” هي العنوان الرئيسي لتلك القصة؟
جوديث بتلر: لكن الفكرة كانت أن حمالة الصدر ستكون غير متوافقة مع ما أنا عليه، فقد كانوا يفترضون أن لي جوهراً أكثر ذكورية، وحمالة الصدر الوردية كانت وسيلة لرسم صورة لي في حالة من الخدر. كان هذا نوعاً من الاهتمام. وكان هذا نوعاً من الرعب أيضاً.
ماشا جيسين: هل شاهدته جسديا؟
جوديث بتلر: كنت محميةً داخل مركز ثقافي، وكانت هناك حشود بالخارج. ويسعدني أن أقول إن الحشد المعارض للمسيحيين اليمينيين كان أكبر بكثير.
ماشا جيسين: هل أنت خائفة؟
جوديث بتلر: كنت خائفة. ولكن كان لدي حارس شخصي جيد حقاً، لا يزال صديقي. لكن لم يُسمح لي بالسير في الشوارع بمفردي.
ماشا جيسين: دعينا نراجع فكرة “إيديولوجيا النوع الاجتماعي”، لأنه ليس كل شخص على دراية بهذه الظاهرة.
جوديث بتلر: إنها ضخمة.
ماشا جيسين: إنها الفكرة التي روجت لها مجموعات تابعة للكنائس الكاثوليكية والإنجيلية والأرثوذكسية الشرقية، أن مؤامرة يهودية ماركسية – مدرسة فرانكفورت – جوديث بتلر قد دبرت خطة لتدمير الأسرة من خلال التشكيك في ثبات الأدوار الجنسية، وهذا سيؤدي بالناس البيض إلى الانقراض.
جوديث بتلر: إنهم يأخذون فكرة أدائية الجندر على أنها تعني أننا جميعاً أحرار في اختيار جنسنا كما نرغب وأنه لا يوجد جنس طبيعي. ويرون في ذلك هجوم على كل من الشخصية التي وهبها الله للذكور والإناث والشكل الاجتماعي الطبيعي الذي هو كذلك ظاهرياً، وهو الشكل الذي ينضمون فيه إلى بعضهم البعض – في الزواج المختلف جنسياً. لكن، في بعض الأحيان، يقصدون بكلمة “الجندر” ببساطة المساواة بين الجنسين، والتي، بالنسبة لهم، تدمر الأسرة، التي يفترضون أن لديها تسلسل هرمي ضروري يحتفظ فيه الرجال بالسلطة. كما أنهم يفهمون “الجندر” على أنه حقوق المتحولين جنسياً، وحقوق المثليين، ومساواة المثليين بموجب القانون. ويعتبر بالنسبة لهم زواج المثليين مخيفاً بشكل خاص ويُنظر إليه على أنه تهديد لـ”الأسرة”، ويُفهمون أن تبني المثليين والمثليات ينطوي على التحرش بالأطفال. إنهم يتخيلون أن أولئك الذين ينتمون منا إلى هذه “الحركة الجنسانية”، على حد تعبيرهم، ليس لديهم قيود على ما سنفعله، وأننا نمثل ونشجع الحرية الجنسية غير المقيدة، مما يؤدي إلى الاعتداء الجنسي على الأطفال. إنه أمر مخيف للغاية، وقد نجح في تهديد العلماء، وفي بعض الحالات، إيقاف البرامج. هناك أيضاً مقاومة نشطة ضدهم، وأنا الآن جزء من ذلك.
ماشا جيسين: وكم من المدة استمرت هذه المرحلة بالذات من وجودك في العالم؟
جوديث بتلر: نشر المجلس البابوي للعائلة، بقيادة البابا فرانسيس قبل ترقيته، أوراقًا ضد “الجندر” في عام 2000. كتبت بإيجاز عن ذلك ولكن لم أستطع أن أتخيل بعد ذلك أنها ستصبح حملة جيدة التمويل في جميع أنحاء العالم. بدأت تؤثر على حياتي في عام 2012 أو عام 2013.
ماشا جيسين: بعيداً عن كوني أجد ذلك، كما يمكنني القول، أحياناً مسلياً بعض الشيء –
جوديث بتلر: أوه، لا، إنه مرعب. لقد خفت على حياتي عدة مرات، وتعرض العلماء في باهيا وأجزاء أخرى من العالم للتهديد بالعنف. حتى المقطع الذي شاهدتيه على الإنترنت كان غير مكتمل – لقد صنعوه، وهم الأشخاص ذوو الأيديولوجية الجندرية، وقاموا بتعميمه لأنهم كانوا على ما يبدو فخورين بأنفسهم. ما لم يظهروه هو المرأة التي جاءت ورائي، راكضة بعربة تسوق، بينما أنا أتجه إلى الحاجز الأمني. كانت على وشك أن تدفعني بتلك العربة ولكن خرج شاب يحمل حقيبة ظهر من متجر وقام بوضع جسده بيني وبين العربة، وانتهى به الأمر على الأرض في شجار جسدي معها، وهو ما رأيته وأنا أصعد المصعد. نظرت إلى الوراء، وفكرت، هذا الرجل قد ضحى بسلامته الجسدية من أجلي. لا أعرف من هو حتى يومنا هذا. أود أن أجد هذا الشخص وأشكره.
ماشا جيسين: هل كانت هذه هي المرة الوحيدة التي واجهتي فيها عنفاً جسدياً؟
جوديث بتلر: كان هنالك بعض الناس في سويسرا أيضاً متحمسين بشأن سلطة الكتاب المقدس على الجنسين. ربما كان هذا قبل حوالي أربع أو خمس سنوات.
ماشا جيسين: هل ترين كل هذا كمؤشر على تأثيرك؟
جوديث بتلر: يبدو أنه مؤشر فظيع على تأثيري، بمعنى أنهم لا يعرفون فعلياً عملي أو ما كنت أحاول قوله. أرى أنهم خائفون للغاية، لأسباب عديدة، لكن لا أعتقد أن هذا يظهر تأثيري.
ماشا جيسين: وبخلاف ذلك، ما هو شعورك حيال عملك في العالم؟
جوديث بتلر: أنا أعمل بالتعاون مع الناس، وأنا أحب ذلك أكثر من أن أكون مؤلفة فردية أو شخصية عامة تتجول وتعلن الأشياء. اتصالي بالحركة النسائية في أمريكا اللاتينية كان مهماً بالنسبة لي، وأنا أعمل مع عدد من الأشخاص في دراسات النوع الاجتماعي في جميع أنحاء أوروبا. ومغادرة هذا البلد تسمح لي بالحصول على منظور جديد، لرؤية ما هو محلي ومحدود في الخطاب السياسي الأمريكي، وأفترض أن عملي الآن يميل إلى أن يكون أكثر عبوراً للقوميات مما كان عليه من قبل.
ماشا جيسين: ما هو العمل الذي قمتي به في أمريكا اللاتينية؟
جوديث بتلر: لقد كنت جزءاً من منحة من مؤسسة ميلون لتنظيم اتحاد دولي لبرامج النظرية النقدية. ولا تُفهم النظرية النقدية فقط من منظور مدرسة فرانكفورت ولكن باعتبارها تأملاً نظرياً يحاول استيعاب العالم الذي نعيش فيه والتفكير فيه وتحويله بطرق تتغلب على مجموعة من المظالم وعدم المساواة. غالباً ما نتواصل مع الحركات الأكاديمية والناشطة ونفكر في الحركات الاجتماعية معاً. لقد كانت حركة ني أونا مينوس – “ليس أقل من ذلك” – حركة شعبية مناهضة للعنف ضد المرأة، على وجه الخصوص، مثيرة للإعجاب حقاً بالنسبة لي. في بعض الأحيان يمكن للحركة أن تحشد من [مليون] إلى ثلاثة ملايين شخص في الشوارع. إنهم يعملون بشكل مدروس وجماعي للغاية، من خلال التجمعات العامة والإضرابات. إنهم صارمون وأذكياء للغاية، وهم متفائلون أيضاً في خضم الحقائق المروعة. أنا أعمل أيضاً مع أصدقاء في أوروبا وأماكن أخرى يحاولون الدفاع عن برامج دراسات النوع الاجتماعي ضد الإنغلاق – نطلق على أنفسنا اسم المنظمة الدولية للنوع الاجتماعي.
ماشا جيسين: هل ما زلتي منشغلة بالعمل الفلسطيني؟
جوديث بتلر: لم يعد الأمر محورياً في حياتي كما كان من قبل، لكن كل التزاماتي لا تزال موجودة. منعتني إسرائيل من الدخول لأراضيها، بسبب دعمي لـ B.D.S. [حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات]، لذلك من الصعب الحفاظ على التحالفات في فلسطين – إسرائيل تسيطر على كل تلك الحدود. أعمل مع منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام. أنا قلقة بشكل خاص بشأن عقيدة ترامب الجديدة المعادية للسامية، والتي يبدو أنها تفترض أن كل يهودي هو حقاً أو في نهاية المطاف مواطن في دولة إسرائيل. وهذا يعني أن أي انتقاد لإسرائيل يمكن وصفه بأنه معاد للسامية، لأن ترامب ونتنياهو يريدان القول إن دولة إسرائيل تمثل كل الشعب اليهودي. هذا تقليص رهيب لما كانت عليه الحياة اليهودية، تاريخياً وفي الوقت الحاضر، ولكن الأكثر إثارة للخوف هو أن سياسة معاداة السامية الجديدة ستسمح بقمع المنظمات الطلابية الفلسطينية في الحرم الجامعي وكذلك البحوث التي تجري في دراسات الشرق الأوسط. لدي بعض المخاوف العميقة حيال ذلك، ويجب أن يكون كذلك أي شخص يهتم بتدخل الدولة في قمع المعرفة وأهمية الأشكال اللاعنفية لمناصرة أولئك الذين يعانون من نزع الملكية والعنف والظلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى