الرأي

قبيل السقوط الناعم

تحولات
محمد أحمد الفيلابي
الشعب يريد مجلساً تشريعياً يحترم التنوُّع ويحقق أهداف الثورة
خمسة أيام قبيل انهيار، أو ثبات آخر حائط صد للحفاظ على ثورة ديسمبر المجيدة. ففي حال لم تنجح مساعي وقف تعيين المجلس التشريعي بالصورة التي أُعلن عنها، وفي التاريخ المحدّد، وغير (المقدّس) حتى يتمسك به المجلس المركزي (بمن بقي)، والرقم المعلن، وهو كذلك غير (مُنزل)، فسيكون السقوط مدوياً برغم نعومته، وما على الشعب إلا انتظار خطوة أخرى لتأكيد الانقلاب (الأكثر نعومة)، ومن ثم القبول برؤى من يمشون بنا إلى وضع شمولي يتسربل بسرابيل الديمقراطية.
ما المانع لو تم تمديد الفترة للمزيد من التشاور؟ وماذا يضير لو زيدت المقاعد حتى يتم استيعاب النسبة الأكبر من التنوُّع الكبير الذي نرجو أن يكون (مزيّة)، وليس (أذية) وحجر عثرة أمام جهود التوافق. وعلينا حقيقة أن ننسى مقولة (اتفقنا على أن لا نتفق)، ونقذف بها خارج قاموسنا، ولو لأيام حتى نستكمل بناء هياكل السلطة الانتقالية.
عام ونيف، وانتظار بناء الهياكل يحدّث عن إشكالات حقيقية في حاضنة الثورة، ومسارات التفاوض والحوار هنا وهناك، ويؤكد أن التراخي في (خط دفاع الثورة) أغرى هجوم الخصم لإحراز المزيد من الأهداف في مرمى الثورة، بيد أن الإيمان بأن لكل انتقال إشكالاته، وأن كل عملية تغيير مؤلمة، وقد تكون مربكة كما هو الحال الآن، إذ من قال أن أمر البناء المؤسسي التنظيمي بعد الأعوام الطويلة من أبغض شمولية عرفتها تجربتنا السياسية، سيكون هيناً يسيراً؟
الأحزاب السياسية لم يعد لديها بعد ماراثون التكسير والتفتيت والبعثرة الإنقاذية قدرات تنظيمية تمكنها من التوافق والتنسيق مع الآخرين لحسم القضايا الشائكة. كما بان أن القوى الجديدة من تجمع مهنيين، ومجلس مركزي للحرية والتغيير، ولا حتى لجان المقاومة والتغيير (أمل الشعب) قادرة على التماسك، وخوض تمرين الديمقراطية في داخلها، رغم أنها سجلت تماسكاً حين أحرز الشعب هدفه الملعوب (تسقط بس)، ومن ثم عصفت بها الأدواء والأهواء.
خارج غرف التفاوض تجد الجميع متوافقا على أن الشعب في انتظار تكوين المجلس التشريعي الذي يمثل تطلعاته ورغباته، ويحقق شعار ثورته المجيدة ثلاثي الأبعاد، توفيراً للحريات، وتعضيداً ودفعاً لعملية السلام، وبسطاً للعدالة. وإن كان الأمر ليبدو أنه لم يتعد حتى الآن بسط الحريات التي ساهمت في منح الفلول فرصة الخروج بوجه سافر، تساندهم مناداة بعض دعاة السقوط الناعم، من القائلين بضرورة مصالحة الإسلاميين، ومسامحة مرتكبي الجرائم الكبرى في حق البلاد والعباد، والتجاوز عمن نهبوا وما أبقوا. تماماً كما يجري في حياتنا اليومية من قبيل (باركوها.. وحصل خير.. والمسامح كريم). وفي ظني أن من يسامح من اغتصب السلطة والموارد، وقتل وسحل، واستباح الحقوق لن يكون (كريماً)، بل سيكون (غشيماً) يستحق أن تضحك عليه الدقون.
في كل مكان يكون الحديث عن مجلس تشريعي مؤهل، وقادر على وضع تشريعات وأسس الممارسة البرلمانية التي ما عرفناها على حقيقتها قط، تلك التي يكون أهم مخرجاتها إرساء دعائم الديمقراطية.
لماذا يخشى البعض أن يكون المجلس التشريعي القادم قادرا على التشريع والمراقبة والمحاسبة؟ لماذا تجدهم يحاولون قطع الطريق على تحقيق أهداف الفترة الانتقالية، وعرقلة الخطوات الجادة نحو البناء؟ لماذا يعملون على إفراغ الفترة الانتقالية من محتواها؟ لماذا يبذلون الأموال الطائلة من أجل أن (يكابد) الشعب أكثر وأكثر؟
لماذا يتجاوز مجلس الشركاء أو (مسكيت الفترة الانتقالية) كما يطلق عليه صديقي صلاحياته المنصوص عليها، ويمضي ليقرر في القضايا كأنه مجلس تشريعي (منتخب)، بدلاً عن العمل على فتح الطريق أمام كل المكونات لإعادة تشكيل الحاضنة السياسية، ومنحها فرصة إكمال دورها؟ أيظن هؤلاء وأولئك أن الشعب سيتنازل عن ثورته جراء ما يجري حولهم من دسائس ومكائد خدمة لأجندة لم تعد خفية؟
حتى متى يتم الاستسلام للأجندة الإقليمية والدولية، وشأننا الداخلي لا شبيه له، وهو العصي على نسخ التجارب؟ كما أن تركتنا بعد الإنقاذ لن يتصورها حتى الأعداء. ولولا أن لنا هذه المقدرة المهولة على الصبر على المكاره كما قال أديبنا العالمي الطيب صالح حين قال “في طبعنا ومزاج شعبنا أن نقاوم الغطرسة والتسلط بالاحتقار والصمت، ثم إذا فاض الكيل، وعيل الصبر نهب فجأة كما يفيض نهر النيل، وتهب الأعاصير في صحراء العتمور، فعلنا ذلك مع الأتراك، ومع الإنجليز، ومع الحكام الوطنيين”. لولا ذلك لما ظللنا حتى الآن نمارس الاصطفاف أمام نوافذ المخابز، وفي طلمبات الوقود، بينما نضحك في دواخلنا من الفلول الذين يظنون أن باستطاعتهم هزيمتنا، واستعادة السلطة.. وإلا لماذا يطغى الحديث عن المجلس التشريعي في مجالسنا العفوية، وجلساتنا المنظمة للتداول حول الأمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى