تقارير

قادة الانقلاب العسكري على مفترق الطريق

سيكون قادة الانقلاب العسكري في السودان أمام مسارين، أحدهما نحو التحول الديمقراطي مفروش بالاعانات الاقتصادية، وآخر نحو الاستبداد يحفه الحصار والعقوبات، بسقف زمني لا يتجاوز يونيو القادم. بعد ان وضع مبعوثون غربيون قادة الانقلاب العسكري على مفترق الطريق بعد ان اشترطوا إستئناف الدعم المالي الدولي للسودان، بما في ذلك الإعفاء من الديون، بتشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية، محذرين “من أي اتفاق أو حكومة ناتجة عن اجراءات غير شاملة تفتقر إلى المصداقية لدى الجمهور السوداني والمجتمع الدولي”.

وهو ما يعني ضمنيا ضرورة الانخراط في عملية سياسية خارج سيطرة العسكريين تهدف لاستعادة السلطة المدنية وتأمين عملية الانتقال بما يشمل اصلاح المؤسسات الامنية والعسكرية هيكلياً وفنياً واقتصادياً، لاسيما وان بعض التقديرات تشير الى ان 70% من الاقتصاد خاضع للمؤسسات الامنية والعسكرية.

تقرير- القسم السياسي

شروط ومحاذير

المسؤولون الكبار من دول غربية قالوا في بيان مشترك بعد زيارة للخرطوم لإظهار الدعم للشعب السوداني والانتقال المدني نحو الديمقراطية: “إن الدعم المالي الدولي للسودان، بما في ذلك الإعفاء من الديون، لن يتحقق إلا بتأليف حكومة مدنية ذات مصداقية”.

وأضاف المسؤولون من فرنسا وألمانيا والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في البيان بعد زيارة للخرطوم أن السودان قد يخسر “مليارات الدولارات في المساعدات التنموية من البنك الدولي وأن برنامج صندوق النقد الدولي الخاص بالسودان و19 مليار دولار لتخفيف الديون المرتبطة به سيتعرضان للخطر”.

قائد الانقلاب عبدالفتاح البرهان سعى لامتصاص الهجمة الغربية عبر محاولة تشتيت الوفد الغربي بتأكيده إلتزام الحكومة الكامل بعملية الحوار السياسي للتوصل إلى توافق لإدارة متبقي الفترة الإنتقالية محاولاً تسويق ان الازمة ليست بسبب الانقلاب، داعيا المبعوثين الدوليين إلى دعم وتشجيع الأحزاب السياسية وأطراف العملية السياسية في البلاد للوصول إلى توافق وطني يفضي لتشكيل حكومة لإدارة الفترة الإنتقالية والوصول إلى إنتخابات حرة ونزيهة بنهايتها.

في المقابل أبلغ تحالف قوى الحرية والتغيير الوفد الغربي بأن حل الأزمة السياسية في السودان رهين بإنهاء الانقلاب العسكري وتأسيس إطار دستوري جديد، يقوم على سلطة مدنية انتقالية تعبر عن القوى الديمقراطية، وأكدت قوى التغيير أن طبيعة الصراع الحالي هي بين معسكر الانقلابيين الذي يضم عسكريين ومدنيين وبين القوى المدنية الديمقراطية التي تعبر عن موقفها في الشارع السوداني بقواه الحية العديدة، وأنه لا صحة لتوصيف أن الصراع الحالي هو بين المدنيين. وتابعت: “لذا فإن أي عملية سياسية تتجاوز التوصيف الصحيح لطبيعة الأزمة فإنها لن تنجح في الوصول لحلول لها”.

وقال القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير شريف محمد عثمان في حديثه لـ(الديمقراطي): “الكرة الآن في معسكر الانقلاب سواء عبر التراجع عن الانقلاب واعادة مسار التحول الديمقراطي حسب مطلوبات الشارع السوداني بما يسمح بالعودة للمجتمع الدولي او طريق معاكس من العزلة الدولية والعقوبات”.

ويلفت القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير الى ان هذا الاختيار يدفع قوى الثورة والتغيير لتقوم بما عليها من واجبات ومهام تحسباً لرد فعل قادة الانقلاب لتحقيق تطلعات الشعب السوداني مضيفا: “هناك مماطلة في الوفاء بالتزاماتهم فيما تلي تهيئة المشهد لاستعادة التحول الديمقراطي سواء عبر إلغاء اعلان الطوارئ واطلاق سراح المعتقلين ووقف العنف ضد المحتجين السلميين”.

في الاثناء لا يتوقع الصحفي والمحلل السياسي، شوقي عبدالعظيم، إذ يقول لـ(الديمقراطي) انها استجابة سهلة من جانب العسكريين مضيفا: “سيسعون للمراوغة لتقليل الخسائر والحصول على ضمانات لازمة”.

ويشير شوقي الى أن العسكريين يسعون للمشاركة في السلطة كما كانت الاوضاع قبل الانقلاب، إلا انهم يدركون جيداً حجم الرفض من قبل قوى الثورة التي تسعى لابعادهم، لذلك هم مستعدين للخطة البديلة والتي تقوم على الانتقال لمجلس الأمن والدفاع بصلاحيات واسعة وممارسة السلطة من الظل.

مؤشرات ودلالات

وضم الوفد الغربي الزائر كلاً من المبعوث الفرنسي الخاص للقرن الأفريقي فريدريك كليفر، مدير ادارة شرق إفريقيا بالخارجية الالمانية ثورستين هتر، والمبعوث النرويجي الخاص للسودان وجنوب السودان، إندري ستيانسن، ونائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشرق إفريقيا والسودان وجنوب السودان وبيتر لورد، بالاضافة إلى الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي أنيت ويبر.

يقول شوقي عبدالعظيم إن البيان الأميركي – الأوروبي، بشأن السودان، شامل وتمت صياغته بلهجة حادة موجهة للمكون العسكري، مضيفا: “الضغوط الاقتصادية مؤثرة وسيتضاعف تأثيرها حين تمس مصالح قادة الانقلاب مباشرة، كما ان الانقلاب لا يمكن ان يستمر دون توفر الدعم الاقتصادي”.

كبير الباحثين في المجلس الأطلنطي كاميرون هدسون يرى ان الزيارة تحمل مؤشرا جيدا على الدعم الغربي لاعادة الانتقال الديمقراطي لمساره الصحيح، ويبدي هدسون أسفه لعدم وجود تمثيل للقوى الاقليمية التي يمكنها ان تؤثر في مواقف العسكريين (السعودية، الامارات، ومصر وقطر وتركيا).

ويشير هدسون الى ان المبعوثيين جددوا ذات مطالبهم القديمة منذ وقوع الانقلاب دون التلويح بما يلزم من عقوبات تجبر العسكريين على تغيير الوضع الحالي مضيفا: “قادة الانقلاب لا يأبهون لالغاء الديون او توقف المساعدات عن الشعب السوداني مقابل بقائهم في السلطة”.

ويلفت هدسون الى ان السبيل الوحيد للضغط على قادة الانقلاب للسماح باستعادة التحول الديمقراطي يكمن في التلويح بفرض عقوبات شخصية على قادة الانقلاب فيما يلي حرياتهم وحظرهم من السفر وحجز ممتلكاتهم وربما حتى ملاحقتهم عبر المحكمة الجنائية.

تقدم فوري

ودعا المبعوثون في بيان مشترك إلى إحراز تقدم فوري نحو حكومة انتقالية مدنية من خلال العملية السياسية التي يقودها السودانيون والتي تيسرها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان (يونتامس)، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد).

‏ورحب بإعلان الميسرين عن عقد اجتماع الحوار السوداني في 10-12 مايو المقبل، داعياً جميع أصحاب المصلحة السودانيين إلى المشاركة البناءة والكاملة في هذه العملية، محذراً من مخاطر التأخير.

‏وشدد الوفد على أهمية العمل لتهيئة بيئة مواتية لنجاح العملية التي تيسرها اليونتامس والاتحاد الأفريقي والايقاد، مرحبا بالإفراج الأخير عن بعض القادة السياسيين المعتقلين، وحث القادة العسكريين السودانيين “للإفراج عن جميع المعتقلين والنشطاء السياسيين المتبقين؛ وإنهاء العنف، بما في ذلك الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المتظاهرين، وضمان مساءلة المسؤولين عن مثل هذه الأعمال، ورفع حالة الطوارئ على الفور”.

وشدد البيان على أن حريات التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات يجب أن تُحترم بالكامل حتى تنجح العملية الميسرة من اليونتامس والاتحاد الأفريقي والايقاد، مشيراً إلى أهمية العمل لتهيئة بيئة مواتية لنجاح العملية.

وأعرب الوفد عن قلقه البالغ إزاء اعادة تنصيب أعضاء النظام المباد مرة أخرى، مما يزيد من حدة التوترات ويفاقم صعوبة تنفيذ الإصلاحات.

‏وأعرب الوفد عن قلقه إزاء التدهور السريع للاقتصاد السوداني والتحديات الهائلة التي يواجهها الشعب السوداني نتيجة لذلك، متعهدا بمواصلة المساعدات الإنسانية وغيرها من أشكال المساعدة المباشرة للشعب السوداني خلال هذا الوقت الصعب.

‏وأكد الوفد أن الدعم المالي الدولي للحكومة السودانية، بما في ذلك الإعفاء من الديون، لا يمكن أن يتحقق الا بإنشاء حكومة مدنية ذات مصداقية، معرباً عن قلقه البالغ من أنه “بدون ذلك، قد يخسر السودان مليارات الدولارات في المساعدات التنموية من البنك الدولي، وبرنامج صندوق النقد الدولي الخاص بالسودان و 19 مليار دولار لتخفيف الديون المرتبطة به سيتعرضان للخطر”.

‏وأشار الوفد أيضاً إلى الحالة الهشة لعملية السلام في السودان، كما يتضح بشكل مأساوي من مقتل أكثر من 200 شخص في الآونة الأخيرة في غرب دارفور، حيث ‏أدان الوفد بشدة هذا العنف، داعياً إلى محاسبة المسؤولين، وضرورة التنفيذ السريع للهياكل الأمنية االمنصوص عليها بموجب اتفاق جوبا للسلام.

‏وأكد الوفد أن السلام الدائم في دارفور والمنطقتين وأجزاء أخرى من السودان مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالانتقال المدني إلى الديمقراطية، مجدداً دعم حكوماتهم والاتحاد الاوروبي الثابت لتطلعات الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة.

آلية الحوار

وأعلنت الآلية الثلاثية التي تضم بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد، عن انطلاق الحوار بين الأطراف السودانية، قبل منتصف مايو المقبل، بهدف استعادة الانتقال المدني، وتشمل المحاور ترتيبات دستورية وتحديد معايير اختيار رئيس الحكومة والوزراء وبلورة برنامج عمل يتصدى للاحتياجات العاجلة للمواطنين وصياغة خطة محكمة دقيقة زمنياً لتنظيم انتخابات نزيهة، فيما يسعى العسكريون من خلال العملية لتعزيز حكمهم وعكس عجلة الانتقال عبر محاولة استهداف البعثة الاممية ورئيسها بهدف اضعافهم لترويضهم لخدمة اجنداتهم.

اتهم تحالف الحرية والتغيير النظام العسكري بالعمل على تقليص تفويض البعثة الأممية لدعم الانتقال (يونيتامس) وإفشال الحوار السياسي المرتقب الذي تيسره بالتنسيق مع (الايقاد) والاتحاد الأفريقي الساعي لإنهاء الأزمة المتطاولة في البلاد.

ولم يخف قادة الانقلاب نواياهم، حيث قدموا مصفوفة محددة لحصر دور البعثة الأممية في “دعم اتفاق جوبا للسلام، ودعم تنفيذ البرتوكولات الملحقة بالاتفاق، مثل بروتوكولات النازحين واللاجئين والترتيبات الأمنية والأراضي والحواكير، ودعم تطبيق بروتوكول تطوير قطاع الرحّل والرعاة، وحشد الموارد اللازمة للتحضير للانتخابات، بدلاً من تركيز جُلّ نشاط يونيتامس على الجانب السياسي فقط”.

متناسين أن الجانب السياسي يمثل استعادة المسار الديمقراطي، وهو ما يمثل الهدف الأول من تفويض البعثة عبر المساعدة في الانتقال السياسي، والتقدم نحو الحكم الديمقراطي، الأمر الذي تراجع كثيراً بعد انقلاب 25 أكتوبر.

واعلن رئيس البعثة الاممية فولكر بيرتس في وقت سابق إن انقلاب الخامس والعشرون من أكتوبر عطل تحقيق أهداف الفترة الانتقالية مؤكداً التزام الأمم المتحدة بمواصلة مساعدة السودان للعودة الى المسار المدني الديمقراطي وأضاف “أقول للسودانيين وللسودانيات لن تسيروا وحدكم في طريق العودة الى الحكم المدني الديمقراطي”.

على كل حال يمكن القول إن (عصا وجذرة) الوفد الغربي تهدف بشكل اساسي لدعم المبادرة الاممية لاستعادة المسار الديمقراطي، وتحمل تحذيرات لدفعهم لتغليب مصالح البلاد العليا على مصالحهم الضيقة، وربما ستكون الاخيرة قبل اغلاق الباب امام قادة الانقلاب في يونيو القادم لتحل عليهم لعنة عقوبات لا قبل لهم بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى