الرأي

في الذكرى الثانية لثورة ديسمبر .. مهام على الطريق!! 

لؤي قور

تحل علينا ذكرى ثورة ديسمبر الثانية هذا العام، والبلاد على شفا تحديات جسام. فمن ضائقة اقتصادية، وغلاء في المعيشة، وحالة سيولة أمنية لم تكتمل هياكل الانتقالية بعد، والتي يقف على رأسها تكوين المجلس التشريعي، وتنفيذ الوثيقة الدستورية، مع الإيفاء بمتطلبات السلام. بالإضافة لملف العدالة بتشكيل “المحكمة الدستورية”، وإكمال هياكل المنظومة العدلية. والتي تسبب غيابها في عدم البت في بعض القضايا الهامة، وعدم وصولها إلى مرحلة تنفيذ الأحكام – أبرزها بالطبع الحُكم الصادر بحق قتلة المُعلم “أحمد الخير” – وغيرها من القضايا التي يُشكل تكوين المجلس التشريعي سمة لازمة لإنجازها، بالإضافة لاستكمال الجهاز التنفيذي.
لو عجلت الحرية والتغيير في تكوين المجلس التشريعي، وتمكن هذا الأخير من اضطلاعه بمهامه في مرحلة مبكرة من عمر الثورة، لأنجز الكثير في عام الثورة الأول. ولكفت التشكيلة الانتقالية نفسها شر التداخل المربك، بين صلاحيات العسكريين والمدنيين. ولتجنبت كثيراً من عيوب المُمارسة. لكن التباطؤ في تشكيل هذا المجلس، كلف العام الأول للانتقالية الكثير. وأدى إلى تأخير في الجدول الزمني الموضوع لتنفيذ المهام فيها، وأدى التباطؤ العام بدوره لعدم وجود تغيير ملموس في حياة الناس، في ما عدا ملف “الحُريات”. والتي شهدت تقدماً ملحوظاً، بإلغاء قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني “سيء السمعة”، والاستعاضة عنه بـ”جهاز المخابرات العامة”، بعد حصر صلاحياته في جمع وتحليل المعلومات، ونصح السلطات المختصة. وتعديل القانون الجنائي ضمن قانون التعديلات المتنوعة، الذي أقرته وزارة العدل في وقت سابق من هذا العام. ويشمل الحُريات الدينية، وإقرار تعديلات تتعلق بحقوق المرأة والطفل. بالإضافة للتقدم البطيء في ملف العدالة، نتيجة معوقات أبرزها “غياب المجلس التشريعي”، وعدم وضع إصلاح المنظومة العدلية كأولوية. لكن الناس شاهدوا رموز النظام البائد، وهم في قفص الاتهام في محكمة علنية يشهدها العالم. وهي بهذا المعنى لا تنشد سوى محاكمة عادلة، كما تقول بذلك قوانين حقوق الإنسان.
وكان غياب المفوضيات وأبرزها مفوضية العدالة، ومفوضية العدالة الانتقالية، ومفوضية الدستور، هو السمة البارزة لعام الحكومة الانتقالية الأول. كما أن قانون الحكم اللامركزي، الذي تأخر كثيراً ولم تتم إجازته سوى الشهر الماضي، عطل كثيراً من أعمال الحكومة بالعاصمة والولايات. فأثرت هذه العوامل مُجتمعة على مسيرة العدالة في ظل فترة انتقالية قصيرة، لكنها مُكرسة لعمل ضخم وكبير، يتعلق بصناعة الدستور، ويمهد لقيام المؤتمر الدستوري. وهو عمل جار ومستمر. لكنه تجاوز الجدول الزمني الموضوع له أسوة بغيره من المهام. ويبدو أن ملف السلام ومواقف الشركاء تجاه إكمال هياكل الانتقالية وهم في مرحلة التفاوض أثر كثيرا في هذا الصدد.
على صعيد العدالة الانتقالية، وبنظرة أكثر شمولاً، يقف عمل لجنة إعادة المفصولين من الخدمة العامة كشاهد على التحول. وقد أنصف عدد كبير من المفصولين، إما بإعادتهم إلى وظائفهم، أو بتعويضهم في حالة بلوغهم سن المعاش. وهناك لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة، ولم ترفع توصياتها بعد. وأيضاً هناك العمل الكبير الذي تقوم به “لجنة تفكيك التمكين”، في تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، وإزالة التمكين، ومحاربة الفساد، كشاهد حي على إنصاف الناجين من مجزرة “الصالح العام”، التي أقامها النظام البائد لموظفي الخدمة المدنية. فيما لا يزال الناجين من جرائم الإبادة الجماعية في بعض المناطق مثل إقليم دارفور، ينتظرون الإنصاف. أما الضائقة المعيشية فتتطلب تغييرا في السياسيات يخفف أعباء المعيشة على المواطنين. وفي ذلك لا بد من أخذ البرنامج الإسعافي للجنة الاقتصادية للحرية والتغيير بعين الاعتبار، والسعي لتخفيف آثار رفع الدعم عن سلعتي البنزين والجازولين، عبر آليات توفر الحد الأدنى من احتياجات المواطنين. بدعم مقدر لبرنامج سلعتي، وتشجيع وتمويل قيام التعاونيات، وغيرها من البدائل الهادفة لتوفير العيش الكريم.
وفي الذكرى الثانية لثورة ديسمبر المجيدة، تبرز المهام المؤجلة من عام الثورة الأول كأولوية. فضلاً عن إكمال عملية السلام، تمهيداً لقيام المؤتمر الدستوري، وإنجاز العدالة الانتقالية بصورة “مُقنعة”، وعملية. والعمل على إزالة كل ما يمكن أن يعترض طريقها من موانع، ومن عقبات، على طريق التعافي والنهوض. وأيضاً هناك الشراكة بين مكونات الانتقالية وتعزيزها، خصوصاً بعد التشكيل الوزاري الجديد المرتقب. فضلاً عن التغيير الكبير الذي سيطال ولاة الولايات. أمام الحرية والتغيير فرصة سانحة لتصحيح أخطاء الماضي، والاستفادة من الخبرة التي أفرزتها الممارسة في عام الحكومة الانتقالية الأول، وتلافي العيوب، وتحديد الأولويات بدقة. ولتكن على نسق المصفوفة المُعدة في وقت سابق من هذا العام، دون تنفيذ. باعتبارها مرشداً، ودالاً على الطريق. وهناك تحدي اختيار عناصر حزبية لمناصب الوزراء في الجهاز التنفيذي للحكومة، وأن تراعى الدقة في اختيارهم. مع التحسب لسلبيات الممارسة الماضية في هذا الشأن، والحرص على عدم تكرارها. وأن تضطلع الحرية والتغيير بمهامها بصورة أكثر نجاعة ووضوحاً، بما في ذلك هيكلتها، والعلاقة بين مكوناتها من جهة، وبينها وبين وبقية هياكل السلطة من جهة أُخرى، بحيث تصير بصمتها واضحة في ما يتفق أن تمر به البلاد من منعطفات، وأن تقود ركب الانتقالية مع الشركاء بفعالية أكبر، وأكثر وضوحاً، واقتراباً من شعارات الثورة وروحها، وما دعت إليه. فضلاً عن إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وضرورة مشاركة خُبراء مدنيين في لجان الهيكلة هذه. تعزيزا لمفهوم الشراكة، وتمهيداً لبناء أجهزة أمنية قومية تتمتع بالحياد والنزاهة والمهنية، أسوة بما تقوم به لجنة تفكيك التمكين في مؤسسات الدولة المدنية. لكن بالطبع تظل وحدة قوى الحرية والتغيير، والتناغم والتجانس مع بقية الشركاء، هو صمام الأمان لعبور العام الثاني من رحلة الانتقالية الطويلة، نحو التحول الديمقراطي والدولة المدنية. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى