الرأي

فصول من قصة الثورة السودانية (1- 3)

 

المعارضة السودانية في القاهرة:

الفريق أول فتحي أحمد علي.. الانضباط والقيم

حسن أحمد الحسن

(1)

احتضنت القاهرة في حقبة التسعينيات شخصياتٍ سودانية فريدة في نوعها جسدت في تواضع أبعاد الشخصية السودانية بكل خصوصيتها من المدنيين والعسكريين،  كان الفريق أول فتحي أحمد علي القائد العام للقوات المسلحة السودانية واحداً منها ولم يكن شخصاً عادياً ففضلاً عن الانضباط في التصرف والسلوك والحركة والسكون والمأكل والملبس وانتقاء عبارات الخطاب المهذب مع الآخر. كان إنساناً مرهفاً ويمثل مدرسة خاصة في العسكرية السودانية تمزج بين الحزم والعزم والإيمان بالديمقراطية والمشاعر الإنسانية المتدفقة، كان قائداً إنساناً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ. والغريب أنه ورغم تأثر المدرسة العسكرية السودانية بالعقيدة الشمولية التي حاولت فرضها الأنظمة الشمولية المتعاقبة في تفاصيل بنيتها، إلا أن الإيمان بالديمقراطية الذي حمله فتحي ورفاقه ظل يشكل بارقة أمل تقفز كالشعاع في بناء قوات مسلحة قومية، تحمي الدستور والنظام الديمقراطي وتساهم في حماية الموارد وتنميتها مثلما يحدث في النظم الديمقراطية التي تحترم شعوبها وهو حلم مات بموته.

كثيرون هم أولئك الذين تناولوا سيرة الفريق أول فتحي بالتقدير والاحترام ولعل شهادة السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء المنتخب عنه بوصف  فتحي القائد العام في تلك الفترة الحرجة من عمر الديمقراطية الثالثة تعكس مدى التقدير، وهو يتناول وقائع وظروف وملابسات مذكرة القوات المسلحة التي قدمها له الضباط وسلوك الفريق فتحي إزائها كقائد عام للقوات المسلحة يدرك أن واجبه حماية الدستور لا تقويضه.

“قال السيد الصادق المهدي طيب الله ثراه في ذكرى تأبين الراحل الفريق فتحي أحمد علي كقائد عام أسبق للقوات المسلحة ورئيس لتنظيم القيادة الشرعية في التجمع :”

” إنه أثناء مذكرة القوات المسلحة وهي مذكرة لها ظروفها، لابد أن نشهد بأن الفريق فتحي وقف موقفاً ثابتاً لم ينصع لرأي المتآمرين الذين كانوا يريدون استغلال الفرصة للإطاحة بالديمقراطية. وإنما كان حريصاً على طول الخلاف والاختلاف والنقاش الذي دار أن يحافظ على الشرعية الدستورية حتى نجتاز تلك الظروف العصيبة دون أن نعطي الفرصة لمتآمرين، ولكنهم فكروا وقدروا وفعلوا ما فعلوا بعد ذلك ولكن على كل حال فإن الفريق فتحي (وكثير من زملائه) التزم بأن تحل الأزمة في إطار الشرعية الدستورية.”

أما الراحل الأستاذ التجاني الطيب فقال “حتى بعد انقلاب 30 يونيو كان بوسعه أن يرضى بالامتيازات المقررة لقائد الجيش المتقاعد ولكنه اختار طريق المقاومة الشريف، راكلاً تلك الامتيازات وتاركاً مقتنياته ومقتنيات أسرته كإنسان وضابط، وهي مقتنيات كانت عزيزة عليه وقد صادرها زبانية النظام فيما صادروا. وذلك موقف لم يكن غريباً على رجل له تاريخ فتحي أحمد علي الذي لم يكتف برفض العقلية الانقلابية، بل شارك في معارضة  دكتاتورية نميري وقاوم بالفعل انقلاب الجبهة ليلة 30 يونيو”.

” ويضيف رفض الفريق أول فتحي أحمد علي باقتناع فكري ونفسي كامل قيادة انقلاب عسكري كان الرأي العام الشعبي قد صار مستعداً لتقبله. وقد ناقشته في ذلك أكثر من مرة، وكان يرد، وابتسامة مريرة ترف على وجهه الصبوح، بأنه لو عاد التاريخ القهقري لاختار أن يعمل على سد الثغرات التي صاحبت تقديم المذكرة لا القيام بانقلاب كان ومازال يرفضه.”

(2)

في هيثرو

في نوفمبر شتاء عام  1996 التقيت الفريق فتحي على متن الطائرة المصرية المغادرة إلى لندن من مطار القاهرة في يوم من أيام نوفمبر صادف السادس والعشرين منه عام 96، وإلى جانبه الأستاذ التجاني الطيب بابكر عضو هيئة قيادة التجمع عن الحزب الشيوعي وهما في طريقهما للمشاركة في الندوة التي ينظمها مجلس اللوردات البريطاني، لتوحيد فصيلي الحركة الشعبية وتوحيد الخطاب الجنوبي وإعطاء دفعة للمعارضة السودانية بعد إنجاز برنامجها في أسمرا عام 95. وقد لعب الدكتور عمر نور الدائم ومبارك المهدي والبارونة كوكس وجون آبينر الألماني الأصل وهما صديقان للدكتور عمر لعبا دوراً أساسياً في إنجاحها وحشد عدد من اللوردات وأعضاء من مجلس العموم والوزراء للمساهمة فيها.

بعد وصولنا إلى مطار هيثرو جاء من استقبل الأستاذ التجاني الطيب فيما أصرّ الفريق فتحي أن أرافقه إلى مقر إقامته وطلب من مستقبلنا الأخ العميد بشرى الفاضل  ممثل مكتب القيادة الشرعية في لندن، أن يتصل بالأخوين الدكتور عمر نور الدائم ومبارك المهدي ليبلغهما بوجودي معه في الفندق وهما من كان علىّ انتظارهما في المطار، توجهنا  إلى فندق صغير بوسط لندن، قال لي الفريق فتحي إنه اعتاد الإقامة في هذا الفندق كلما قدم إلى لندن وهو فندق  (لندن هاوس) وتربطه صداقة بملاكه من اليهود البريطانيين المتدينين منذ سنوات عديدةن جعلته زبوناً من الدرجة الأولى ومن ذوي الخصوصية عند حله وترحاله.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى