الرأي

عَمِلَ وَعَلَّمَ

وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. (متى 5: 19)
من أجمل الأقوال التي قرأتها واعتبرها مأثورة: “العلم بلا عمل فساد، والعمل بلا علم جهل. وعدم العمل بالعلم يعتبر تبديداً للمجهود ومضيعة للوقت، لتنطبق فيها مقولة الحكيم من ازداد علماً ازداد كآبة.لذا من ضمن معاني كلمة (عَلَّمَ) أي (ديداسكو) في الأصل اليوناني تعني إجراء حوار مع الآخرين وإرشادهم من أجل التغيير وكيفية مواجهة والانتصار على التحديات في الحياة.من ضمن الأسباب التي جعلت الغرب يتقدم عن العالم العربي في العلم هو كثرة التحديات التي كانت تعيق استمرارية عملية تطوير العلم وتطويرها ففي كتاب (فجر العالم الحديث) (لتوبي أ. هَف) قال: “ما يثير الدهشة هو أن الحضارة العربية الإسلامية كانت تمتلك أكثر العلوم تقدماً في العالم قبل القرنين الثالث عشر والرابع عشر”، إلا أن العوائق الكثيرة في عملية التواصل: كتأخر المراسلات بين العلماء الذين كانوا يتوزعون في مناطق جغرافية متباعدة مما يؤدي إلى تأخر وصول الرسائل العلمية إلى زملائهم لبعد المسافات بينهم. عدم الاستقرار السياسي: مما يؤدي لانقطاع التواصل تماماً بسبب الأحداث المحلية والسياسية؛ برغم ذلك استمر وتراكم النشاط العلمي وأصبح تراثاً إنسانياً لا مثيل له. استفاد الغرب وبنى الكثير من تطوره العلمي على التراث العربي الإسلامي، لا بل تفوق الغرب من خلال الثورة التي لقبت بـ(الكوبرينكية) ويعود هذا اللقب إلى العالم (نيكولاس كوبرنيكوس) أحد أعظم علماء عصره، صاحب نظرية مركزية الشمس ودوران الأرض حول الشمس في كتابه “حول دوران الأجرام السماوية”.
ويتساءل الكاتب عن الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة العلمية في الغرب، برغم أن ما طرحه (نيكولاس) لم يكن غريباً عن العالم العربي، فالأسس التي بنى عليها (كوبرنيكوس) كان العلماء العرب على معرفة بها، وهم متأثرون بالبيئة الميتافيزيقية، كما كان الغرب يقاد بالفكر الميتافيزيقي، والثورة كانت ميتافيزيقية بامتياز وهكذا العالم العربي بعلمائه المتنوعين في خلفياتهم العقائدية: العرب، الإيرانيون، المسيحيون، اليهود وغيرهم، بالإضافة إلى طريقة حكم المنطقة الثيوقراطية أي الحكم الإسلامي. ويوجز الكاتب سبب قيام الثورة في الغرب من دونها، لوجود مجموعة من المؤسسات الثقافية وقدر كاف من الفضاء المحايد، يمكن فيه لمزايا النظام الجديد أن تناقش دون تعريض المدافعين عنها للخطر. عكس الفضاء العلمي لعلماء العالم العربي الذين كانوا غالباً ما يقومون بعملهم في سرية تامة، بالإضافة لبعدهم عن بعضهم البعض، فلا مجال لعرض ما ينتجون للمناقشة وتعليمها لتبنى عليها أو تقييم، يعملون بها في داخل مؤسساتهم دون تعليمها لتغيير المجتمع كما في الغرب التي رغم تعصبها آنذاك بالمسلمات والآراء اللاهوتية المبنية على الفلسفة الطبيعية الأرسطية، لكن مؤسساتها كانت لها القابلية والاستعدادية لمناقشة وتعلم كل ما هو جديد.
إذاً كوبيرنيكوس عمل بما عرفه وعلمه للمؤسسات التي منها اندلعت الثورة العلمية في الغرب. نعود ونسأل لماذا احتوى العالم العربي الأفكار العظيمة دون أن ينتج ثورات عظيمة مغيرة. قال عبد الله القصيمي في كتابه أيها (العقل من رآك): “لو كانت الأفكار تصنع الناس لأمكن صنع أعظم الأفكار. الشعوب العظيمة تبدع أفكاراً عظيمة، لكن الأفكار العظيمة لا تبدع شعوباً عظيمة”.وشعبنا لا تنقصه العظمة إنما موهبة التحدي والأهم الحماس، نعود لنقتبس من القصيمي لتوضيح الفكرة في قوله: “إن كل إنسان أو شعب يفقد الحماس تصاب مواهبه كلها بالعجز، إن أعظم شيء يتفوق به الإنسان على كل ما في الوجود هو موهبة التحدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى