الرأي

عن القضاء..العدالة.. وقطاع الخدمات

(١)
تقول الأخبار إنَّ محكمة الاستئناف الخرطوم، أصدرت في وقتٍ سابقٍ، قراراً  قضى بإلغاء عقوبة السجن (10) سنوات في مُواجهة رجل الأعمال عبد الباسط حمزة؛ وقرّرت ذات المحكمة إلغاء قرار محكمة الموضوع بإدانة وعقوبة المتهم (حمزة) بمخالفة نص المادة (6/7) من قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه لسنة ١٩٨٩ تعديل ١٩٩٦م اللتين تتعلّقان بالحصول على المال العام بأية وسائل، بجانب إلغاء محكمة الاستئناف الإدانة والعقوبة في مُواجهة (حمزة) بمُخالفة نص المادة (35) من قانون غسل الأموال لسنة ٢٠١٤م، بالإضافة إلى إلغائها الإدانة والعقوبة في مواجهة المتهم كذلك بمخالفة نص المادة (97) من القانون الجنائي السوداني لسنة ١٩٩١ والمتعلقة بتقديم بيان كاذب. فيما أيّدت قرار محكمة الموضوع بإدانة المتهم (عبد الباسط حمزة) بعدم تقديم إقرار وإبراء الذمة المنصوص عليها في المادة (9) من قانون الثراء الحرام والمشبوه لسنة ١٩٨٦ تعديل ١٩٩٦م، مع تأييدها للعقوبة بذات الغرامة (10) آلاف جنيه سوداني ضد المتهم حمزة.
(٢(
• لا جدال في أنَّ أهم عامل في تحقيق العدل الذي هو أحد أهم أضلاع شعارات ثورة ديسمبر المجيدة سيكون إصلاح النظام القضائي، والذي يجب أن يحدث وفق معايير تدعم استقلال ونزاهة القضاء وحيدته، ورفع كفاءة الجهاز القضائي وذلك عبر وضع لوائح ونظم وسياساتٍ تعليمية وتدريبية تساهم في دعم وتمتين السلطة القضائية وأداء الجهاز القضائي ومنسوبيه.
• دون إصلاح السلطة القضائية التي تعرضت إلى تخريب ممنهج من قبل نظام الإنقاذ لا يمكن أن نأمل في محاكمات تستوفي أقل شروط العدالة؛ فقد سارع الإسلاميون في تمكين منسوبيهم في كل مفاصل الدولة وبالذات السلطة القضائية؛ والآن يواجه قضاة الحركة الإسلامية وفلولهم، رفقاءهم في ذات التنظيم كمتهمين، ونتيجة الحكم معروفة.
• لا يعقل أننا بعد عامين من الثورة، واعتماد الوثيقة الدستورية كدستور انتقالي يكون الوضع في السودان هكذا حيث لا رئيس للقضاء، ولا نائب عام، ولا محكمة دستورية قائمة، وفي غياب تام للمجلس التشريعي، الذي لم يتم اختيار أعضائه حتى الآن.
• لا يستفيد من استمرار الوضع على ما هو عليه إلا الفلول وشركاؤهم وزبائنهم في الدولة وخارج هياكلها؛ الذين ظلت تطعمهم أمهم الغولة فساداً، وتسمنهم للأيام السوداء التي تجوع فيها، والتي تحدث الآن.
(٣)
• تعبّر أزمة الكهرباء عن أزمة العقل الحكومي السوداني؛ باختلاف مشاربه وألوانه واتجاهاته السياسية، فلقد ظل قطاع الخدمات في السودان وبالذات الخدمات الحكومية هو أسوأ القطاعات على الإطلاق؛ ففي الكهرباء مثلاً لم يختلف الوضع حتى حين بات المواطن يشتريها مقدماً، أي أن استمرار الخدمة يعني مبيعات أكثر للشركة القومية للكهرباء؛ لكن كل ذلك لم يدفع الوضع إلى التحسن أبداً، بل ازداد سوءاً.
• وأُس أزمة العقل الحكومي هو أنه عقل “رزق اليوم باليوم”؛ وعقل “التلتيق”، وليس عقلاً استراتيجياً ينتج حلولاً استراتيجية لأزمات مزمنة منذ استقلال السودان وحتى الآن.
• تقول الأرقام إن الكهرباء المنتجة لا تغطي أكثر من ٤٠ في المائة فقط من سكان السودان؛ أي أن أكثر من نصف السكان لا يتمتعون بخدمة الكهرباء من أساسه.
• لا يفكّر العقل الحكومي السوداني في معالجة أية أزمات معالجة حقيقية، تقطع دابرها وتسيّح عرقها، لأنه تعوّد على الحلول الإسعافية، الحلول المؤقتة، والتي باستمرارها أيضاً تصبح أحد معوّقات التنمية والتطور.
• انظر إلى تفتق ذهن العقل الحكومي واستنباطه لحل البارجة التركية في البحر الأحمر والشركة التركية في دارفور؛ والتي تبيع الكهرباء بملايين الدولارات للحكومة والتي حين تعجز عن السداد تقوم الشركة بقطع الإمداد فيضغط المواطنون على الحكومة فتقوم بالسداد.
• تُرى كم حجم الدولارات التي تم سدادها لاستمرار البارجة التركية في بورتسودان والماكينات التركية في دارفور حتى الآن؟
(٤)
• ما لم تفهمه الإنقاذ ولن يفهمه أي نظام شمولي ألا أمن لأي نظام كافٍ للحيلولة دونه وغضبة الجماهير؛ لكن لو صرف نظام الإنقاذ ذات السبعين في المائة من موارد البلاد التي كان يسخّرها لأمنه واستعداده العسكري وحروبه العبثية؛ أقول لو صرفها على قطاع الخدمات وترقيته خلال ثلاثة عقود لتغيرت أوضاعه تماماً؛ ولما وجدت الدعوات إلى الخروج عليه صدىً لدى المواطن.
• ولن تفعل الإنقاذ ذلك لأنَّ بنية نظامها كانت هي الفساد وحماية مصالح قادتها الذين أثروا من عرق الشعب ومن نهب موارده واستغلال ثرواته وتجييرها لبضعة أفراد يستأثرون بثلثي الناتج القومي، ويسخّرونها لمنفعتهم الخاصة.
• ظل قطاع الخدمات في السودان آخر اهتمامات الحكومة؛ منذ الاستقلال وحتى الآن، رغم المسيرة الطويلة التي قطعها الشعب السوداني نحو النور وفي رصيده ثلاث ثورات وعشرات الانتفاضات والهبّات؛ طمعاً في حياة كريمة، لكنه ظل يعاني في الحصول على سكن لائق، ماء نظيف ومتوفر، كهرباء، صحة، تعليم، مواصلات، أمن؛ إذن ما الذي كانت تفعله الحكومات منذ تكوُّن الدولة السودانية وماذا فعلت بموارد البلاد؟
• بالنظر إلى خارطة الحكم في السودان نجد أن مؤسسة الجيش وحدها عبر ثلاثة من ضباطها قد حكمت البلاد لفترة 52 سنة تقريباً وعلى فترات حكم مختلفة، في حين لم تكن مدة حكم المدنيين طويلة، إذ لم يتجاوز عمر ثلاث حكومات منتخبة ديمقراطياً الـ10 سنوات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى