الرأي

ضحايا الحنطة والزوان

 

القس موسى كودي كالو

المصدر الكتابي : متى 13 :24 – 30 ، 36-43

إن من أروع وأجمل الأمثال الروحية التى ضربها السيد المسيح لتوضيح تعاليمه، هو مثل الحنطة والزوان، فقسم أتباعه إلى نوعين “حنطة وزوان” أي أتباع حقيقيين، وأتباع مزيفين (ذئاب في ثياب حملان). والزوان هو”نبات عشبي سام ينمو كثيراً بين نبات القمح، ويتعذر التفريق بينهما في بداية النمو”.

كثيراً ما يقوم رجال الدين والوعاظ بتقسيم الناس إلى قمح حقيقي (أهل الجنة – الحياة الأبدية) وقمح مزيف (أهل البحيرة المتقدة بنارٍ وكبيريت أي الجحيم)، وذلك بناءعلى ممارسات حياة الناس الراهنة، والظاهرة غير الباطنة وغير المستقبلية، مع الجهل الكبير بمفاجآت المستقبل الذي فيه يكتمل فيه نمو بعض الذين كنا نعتقدهم زواناً، فيؤمنون ويصيرهم الله بنعمته من أتباع ملكوت الله. هذه هي النظرة الكلية للمسيح لمثل الحنطة والزوان. فنظرة السيد المسيح للناس في هذا المثل تغطي كل عصور الجنس البشري، فهو مثلٌ يشملُ كل حاضر ومستقبل كل إنسان بما فيهم أنا وأنت في وضعنا الحالي والمستقبلي. فإذا كنت أنا كاتب هذه السطور أصدق وأقيم نفسي بأنني حنطةً لا زواناً، فيجب عليَ أن لا أنسى بأنني لم أولد ابتداءً حنطةً بل زواناً، وتدخل الله بنعمته وحولني من زوانٍ إلى حنطةٍ بالرغم من وجود هذا المثل قبل ميلادي وإيماني، عندما كان المؤمنين يسمونني زواناً!!! فالله لا ينظر إلى حاضري بل إلى مستقبلي وما سأنتهي إليه من وضعٍ، إذ أن العبرة عند الله بالخواتم لا بالبدايات ولا حتى بالمضارع المستمر!

إن إلهنا كلي القدرة على تغيير كل الأشياء في طرفة عين. فالكل يتغير ويتطور سلباً أو إيجاباً، وذلك بما فيه الإنسان، ونحن بصدد التأمل في هذا المثل وقصد المسيح منه، دعونا نتأمل في حياة شاول الطرسوسي (بولس الرسول) قبل الإيمان. فعندما ضرب السيد المسيح هذا المثل، لم يكن شاول زماناً أو مكاناً من أتباع المسيح، وبالتالي لم يكن حنطة بل زواناً حسب الحكم الوقتي الظاهري للكنيسة الأولى آنذاك. فهل استمر شاول زواناً أم تحول بنعمة الله إلى حنطة؟! ماذا كان سيحدث إذا قُلعَ أو قُتِلَ شاول مع زوان زمانه؟!

ومن ناحية أخرى،عندما ضرب السيد المسيح هذا المثل كان التلميذ يهوذا الإسخريوطي من ضمن رسل وتلاميذ السيد المسيح، وبالتالي ودون النظر لما انتهى إليه في آخر مطاف حياته، فإنه كان حنطة لا زواناً حسب تقييم الناس له في ذلك الوقت! وبما أن السيد المسيح كان يدري جيداً بأن يهوذا الإسخريوطي كان زواناً من الدرجة الأولى، وإنه لن يتحول أبداً إلى حنطةً حتى لو أكل الخبز المقدس معه، إلا أنه تمهل عليه ولم ينزعه حتى من منصبه في الإدارة المالية (وزارة المالية)، ومع ذلك أصر يهوذا الإسخريوطي خيانته ومحبته للمال فختم حياته بالهلاك الأبدي الذي جلبه لنفسه!

إن الله يعرف شعبه، و قد أعطى الإنسان شريعة وقاعدة “الزرع والحصاد”، وإن العبره بالنسبة لله ليست في من كنت أو من أنت الآن، ولكن العبره الحقيقية في من ستكون في الغد، وكيف ستختم عمرك وحياتك على الأرض، إذ أنه تعالى يعرف ماضينا وحاضرنا وما سنحصده في المستقبل كنتيجة حتمية لزرعنا في حياتنا الحاضرة. مكتوب: “يَعْلَمُ الرَّبُّ الَّذِينَ هُمْ لَهُ” (2تيمو 19:2). وعليه وإننا كبشر لا ندرك كل الحق ولا نستطيع الآن أن نعرف كما الرب من هم بالحقيقة كل بنو الملكوت، فهنالك الكثير ممن نظنهم زواناً بنوالشرير سيحولهم الله بنعمته إلى حنطة (بنوالملكوت)، وبالتالي دعونا نتبنى نظرة المسيح الشاملة في فهمه لمثل الحنطة والزوان إذ أن التقييم الكامل الحقيقى ليس الآن بل فيما بعد عند وقت الحصاد أي في يوم الدينونة ووقتها لا لبس ولا غموض، ولا خلط في الكيمان، بل الكل في جلاء تام أمام ديان الجميع!

إذاً، لا تقلعوا الزوان الآن حتى لا تقلعوا معه الحنطة وأنتم تجمعونه! متى 29:13)، بل: ” دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعاً إِلَى الْحَصَادِ وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ، أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أوَّلاً الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَماً لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَنِي”(متى30:13).

هل من تطبيق عملي لهذا المثل على واقعنا السياسي في السودان؟ ما لنا مع الحنطة والزوان وضحاياهم؟! إن واقعنا السياسي اليوم مليء بالأخبار غير الإيجابية والمتناقضة، وأغلبها أخبار كاذبة وملفقة في حق بعض الرموز الوطنية. تلك المتناقضات تؤكد عدم تأكيد صدق تلك الروايات الاتهامات، التي تطالب بإزاحة أوسقوط هذا أو ذاك. قرأ أحدهم تلك المتناقضات التي لا يمكن أن تكون جميعها صحيحة، فتحير الرجل وقال: “حيرتونا، هسي نصدق منو فيكم؟”. علينا بالتحري والبحث الدقيق عن كل ما نسمعه أو نشاهده حتى نتأكد من صحة الأخبار قبل إصدار الأحكام. إن ضحايا الحنطة والزوان (القادة والأحزاب) هم صغار النفوس من الشعب الذين يجب أن ننتبه عليهم ونحن في حلبة الصراع السياسي!

ومع ذلك فإن ما نخبئه عن أنفسنا أمام الناس وعدم تقديم نفوسنا للعدالة، يؤكد معدننا بأننا زوان وليس حنطةً مهما كان قوتنا وعدد أتباعنا. ونصلي للرب أن يغير من أحوال جميعنا لنصير حنطةً لا زوانا قبل فوات الأوان والوقوف أمام ديان كل الأرض!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى