ثقافة ومنوعاتصفحات متخصصة

صفحة سينما.. اعداد- منصور صويم

V for Vendetta
منصور الصويم
هذا أحد الأفلام المهمة التي يمكن تصنيفها في خانة الأفلام التنويرية والتثويرية، فإلى جانب نجاح مخرجه في خلق توليفة تشويقية تميز السينما الأمريكية، تجمع ما بين الغموض والعنف – الحركة، يحتشد الفيلم بالمقولات الفلسفية والفكرية والمقطوعات الموسيقية العبقرية واللوحات التشكيلية والإحالات المكانية المزدحمة بالكتب ذات التنسيق المكتبي أو المبعثرة في فضاء فوضوي لا محدود. الثيمة الأساسية التي ميزت فيلم (V for Vendetta – في رمز الثأر) هي اشتغاله على سؤالين أساسيين مترابطين جدليا، السؤال الأول معني بالثورة وكيفية إيقاظها وإيقادها لتصبح فعلا عاما يحرك الجميع باتجاه التغيير وكسر قيود التسلط والجبروت والعمل على تفجير غد أفضل، أما السؤال الثاني فيتعلق بالكشف عن الآليات التي تستخدمها الدولة المتسلطة لخداع المواطنين وتخديرهم وتخويفهم وجرهم إلى زاوية الاستسلام والموات.
قصة الفيلم مشيدة على واقع متخيل لحكومة ديكتاتورية تسيطر على بريطانيا في المستقبل، ولا أود الخوض هنا في كل التفاصيل، لكن أشير إلى أن الرمز V”” يمثله شخص يسعى للانتقام وفضح فساد هذه السلطة مستحضرا في هذه الرحلة الطويلة إعداد ومعاناة سيرة ثائر بريطاني اسمه “جاي فوكس”، حاول التمرد على حكم الملك جيمس الأول، ويستخدم بطل الفيلم قناعا يمثل هذا الثائر، ما يعنيني هنا أن هذا البطل وهو يعمل على تفجير مبنى البرلمان – رمز السلطة والانتقام الفردي من رموز النظام اليمني المتطرف الحاكم يتمكن من تثوير كل مواطن في هذه البلاد وأولهم بطلة الفيلم، الخائفة المترددة، التي تعد التقاءها به نقطة تحول كبرى في حياتها من النقيض إلى النقيض، من الخوف إلى الثورة، ومن اللامبالاة إلى الاهتمام والانفتاح العقلي.
لكن أخطر ما في هذا الفيلم، وما قادني لاستعادته في هذا المقال، تزامنه مع أحداث تجري الآن وتكاد تتطابق في كافة أنحاء المعمورة، الحكومات الديكتاتورية المسيطرة، الحروب المجانية والهمجية بقصد التجريب والاتجار، اللعب الإعلامي المتقن لتزييف الحقائق وتصعيد روح الخوف جماعيا، الصعود المقلق لجماعات اليمين العنصرية ليس في البلدان المتأخرة فقط، بل حتى في الدول المتقدمة التي يفترض أنه تجاوزت أسئلة العرق والدين واللون. الفيلم في أحد جوانبه تحذير من هذه الحالة (التراجعية) التي تنتاب العالم وتعيد من جديد بناء تحالفات عسكرية وسياسية قوامها التعصب وأوهام النقاء والكهنوتية، شيء ينذر بكارثة أرضية محتملة إن لم تتدارك الإنسانية أبعادها المأسوية قبل استفحالها.
V for Vendetta من إخراج جيمس مكتيغ، وقصة ألن مور، والبطولة هوغو ويفنغ، وناتالي بورتمان.

مدخل إلى شعرية السينما ‬
مجاهد الدومة
طائر يحط على جثة بقرة نافقة، وبعد ثوان، يظهر على خلفية المشهد أناس يسيرون في البعيد، قاصدين طلب بركة الحياة لمولود جديد.
هذا المشهد الافتتاحي من فيلم ستموت في العشرين يضعنا في قلب سؤالي الحياة والموت، ليس فقط كثنائية بل بكل تبايناتهما والطريقة التي ينبعثان بها بين عوالم الكائنات المختلفة. فمن جهة هناك الحيوان الذي يعيش في الآن؛ الحاضر ولا يعي الموت إلا في لحظة وقوعه كـ”حدث”.
وفي الجهة المقابلة، يقف الإنسان في عالم مغاير، ويتحرك في امتداد الزمن، ما بين خبرته وذاكرة الماضي، لحظته الحاضرة، وتفكيره في الغد، المستقبل. فهو مهجس بسؤال الموت، مدرك لحقيقة فنائه، ومكبل بهذه الحقيقة.
وهنا في (ستموت في العشرين) إلى جانب حقيقة وعينا بالموت، أُفقنا وحتميتنا التي نلمحها في البعيد، تنضاف سمة التحديد الزمني بسبب نبوءة الشيخ لحياة مزمل وتحديد السنوات التي سيعيشها بعشرين عاماً. ليتقلص/ينمحي الأفق الذي يقترن وجوده أصلاً باللا تحديد، وبذلك يتضاعف الهاجس، ويضيق الأفق ويفقد حتى الحلم بالخلود الذي يحمله الإنسان داخله في لحظاتٍ من حياته.
يشتغل المشهد أعلاه، ومشاهد أخرى موزعة في الفيلم على نوع من الدفق السينمائي، عبر بناء المشهد وتكثيفه، وخلق مشاهد بها خصائص جمالية الصورة الشعرية وتحويل هذه المشاهد إلى صور شعروسينمائية. وهنا أستدعي مقولة المخرج والممثل الأمريكي أورسن ويلز حين كتب “لا يكون الفلم جيداً حقاً إلا عندما تكون الكاميرا عيناً في رأس شاعر“.
وتحاول هذه الكتابة التمييز ما بين رمزية الصورة|المشهد وشعرية الصورة|المشهد، فالرمزية تقوم على معطيات تنبني ضمن عناصر توجد في سياق كلي لتشكل الرمز. لكن ليس بالضرورة أن يكون المشهد شعرياً. وعلى العكس من ذلك تكون الصورة الشعرية، التي في الأساس تنبني على تكثيف المشهد وإبرازه جمالياً، هذا ويمكن للصورة الشعرية أن تكون رمزية أيضاً. وسيتناول المقال عددا من المشاهد من فيلم ستموت في العشرين وأفلام أخرى لتبيان هذه الفكرة.
وواحدة من المشاهد الأولى في الفيلم يتمثل في مشهد والد مزمل وهو يعمل في الحقل وقت مغيب الشمس، التي تنعكس على الحقل وتهبه لوناً ذهبياً، مع صمت مهيب لا يقطعه إلا الصوت الصادر من المنجل، كان يمكن لهذا المشهد أن يكون في أي وقت آخر وسيؤدي غرضه، لكن الاهتمام بالصورة وجماليتها هما ما دفعا المخرج لاختيار هذا التوقيت بالذات. ففي مرات كثيرة ولكي تبلغ الصورة شاعريتها فإن ذلك لا يحدث من خلال إضفاء عناصر للمشهد، بل من خلال اختيار ثيمات أخرى تتعلق بتوقيت تصوير المشهد، الألوان وكل ما بإمكانه إبراز الحدث المصور وتكثيف جماليته.
وفي مرات أخرى اختيار زاوية التصوير ومنظور المخرج Perspective، كما في فيلم The Double Life of Veronique لحظة تصوير دفن التابوت، حيث لم يُصور مشهد المقبرة من الخارج والمشيعين المتحلقين حول القبر، وبدلاً عن ذلك غُير موضع الكاميرا، ليصور مشهد إهالة التراب من داخل القبر هذا الانغلاق المعتاد لعالم الميت يتم النظر إليه من داخل عالم الميت على أنه انغلاق للعالم الخارجي. كل ذلك يشكل هذه الصورة الشعرية الصادمة.
ولا يمكن لحديث عن شعرية الصورة دون الرجوع إلى الأعمال السينمائية للمخرج الروسي آندري تاركوفيسكي، والذي لا يخلو أي عمل له من وجود شعرية الصورة وجماليتها. فتاركوفيسكي يهتم بخلق/بعث الشعرية في المشهد بشكل هوسي عظيم لدرجة أنها أصبحت سمة أعماله كلها. ففي فلمه The Mirror وبدلاً من تصوير الشخصية مباشرة بتوجيه الكاميرا ناحيتها، يقوم تاركوفيسكي بخلق وسيط آخر، يتم تصوير الشخصية من داخل الغرفة وتأطيرها عبر النافذة، وكأنه فيلم داخل فيلم، أو شاشة عرض داخل شاشة عرض. بل في مشاهد أخرى من نفس الفيلم، يحقق تاركوفيسكي هذه الشاعرية بحجب السمة الأساسية في السينما “الصورة” ويستبدلها “بالصوت”. فنحن إلى نهاية فلم The Mirror لا نلمح وجه جاك أبداً، نسمع صوته فقط، وهو يخاطب طليقته أو ابنه، أو وهو يقرأ قصيدة تشكل خلفية للصورة، وهذه المشاهد كلها مليئة بالشاعرية، بالإضافة إلى بعدها ودلالتها الرمزية في الفيلم.
وبالعودة إلى ستموت في العشرين، والمشهد الذي ترقص فيه سكينة على إيقاع موسيقى الزار وهي مغمضة العينين، ومن ثم انتقال إلى مشهد وسيط، مشهد حلمي تكون فيه واقفة بثوبها الأسود ومغمضة العينين أيضاً وسط الكثير من الأشخاص بطواقي حمر وهم يقفون عكسها، ومن هنا ينتقل المشهد إلى مزمل في غفوته وعينيه المغمضة، وفي اللحظة التي توقظه نعيمة من نومته، يتم تحقيق هذا الامتداد فحينها تصاب بالدهشة وأنت ترى ثلاث مشاهد مدمجة في امتداد زمني واحد، للدرجة التي تنسى فيها هذا التقطيع والتباين في المشاهد. بل وتتساءل عن من الذي كان يحلم/يتخيل اللحظة الوسيطة؟ أهي سكينة أم مزمل، أم مزمل نفسه، أم الاثنان معاً في نفس اللحظة. وهنا تكمن براعة السينما، في المدركات والعوالم التي تخلقها؛ كأن تهبنا لحظة حلم، لحظة هذيان رائعة.
وهناك مشهد يأخذ عدة تنويعات وهي ذات صلة بموضوع الموت، وفيهما تتحقق فكرة شعرية السينما: مزمل يضع رأسه على صدر شخص نائم ليتأكد إن كان حياً من خلال نبض قلبه. وهو مشهد يتكرر في مناسبات مختلفة، مرة على صدر أمه، وثانية مع والده بعد عودته من السفر، وثالثة مع سليمان في اللحظة التي مات فيها على كرسيه. ولكي يمنح المخرج لحظة الموت هذه شاعرية، يقوم بإضافة عنصر جديد للمشهد؛ دخول الحصان إلى الصالة التي مات فيها سليمان كإشارة أو تلميح للموت، وكأنها استعارة لعنوان قصيدة محمود درويش “لماذا تركت الحصان وحيداً”. وتبلغ هذه الشعرية ذروتها في لحظة حلم مزمل بنفسه عندما كان صغيراً، وهو يضع رأسه على صدره في عمر العشرين، وكأنها اللحظة التي يريد التأكد فيها من أنه ما يزال على قيد الحياة. وهي اللحظة التي يستيقظ فيها من الحلم.
نشر بمجلة جيل جديد الثقافية الإلكترونية

محامي الشيطان
بلة طامح
ــــــــــــــــــــ
للشرِّ طُرُقُه الرابحة
“من هو هذا الشخص بكامل قواه العقلية.. يستطيع أن ينكر أن القرن العشرين كان كله لي..؟!!”؛ واحدة من العبارات الشيِّقة.. المثيرة والجريئة، التي وردت على لسان “آل باتشينو”، الممثل ذو الأصول الإيطالية، والذي قام بدور “جون ميلتون” أو “الشيطان” في الفيلم. يقاسمه البطولة الممثل الأسترالي “كيانو ريفز”، في دور “كيفن لوماكس”، والذي يقوم في الفيلم بدور المحامي ابن الشيطان، وتشاركهما البطولة الممثلة الجنوب إفريقية “شارليز ثيرون”، بدور “ماري آن لوماكس”. والفيلم من إخراج “تايلر هاكفورد”. والفيلم يتحدَّث عن بيع محامٍ شابٍ نفسه للشيطان، فيلم دراما، وخيال، وكلاسيكي؛ يدور عن قصة مطروقة عدداً لا يحصى من المرَّات، لكن الجديد فيها طريقة التناول، وقدرة الممثل “آل باتشينو” في تجسيد دور “الشيطان” أو “لوسفير”.
يبدأ الفيلم؛ في إحدى قاعات المحاكم، حيث يُدافع المحامي الشاب “كيفن لوماكس” عن معلِّم مدرسة متهم في قضية تحرُّش جنسي مع واحدة من طالباته، وأثناء المحاكمة يُدرك “لوماكس” أن المعلِّم الذي يدافع عنه مذنب فعلاً، فيشعر بالحيرة، وتأنيب الضمير. لكنه يعود في النهاية للدفاع عنه، لأنه لم يخسر أية قضية في حياته، ويريد أن يستمر على ذلك المنوال.
بعد فوزه في هذه القضية؛ تتقدَّم له شركة محاماة ــ مقرها في نيويورك ــ بعرضٍ للذهاب إلى نيويورك والمشاركة في قضية عن طريق اختيار المُحلِّفين، فيوافق على الذهاب، ويصطحب زوجته معه “ماري آن”. في نيويورك؛ يبدأ المحامي الشاب بتحقيق نجاحات متوالية، ويلتقي رئيس شركة المحاماة التي طلبته للحضور “جون ميلتون”
يقوم “جون ميلتون”؛ بتعيين “لوماكس” عنده في الشركة، الأمر الذي يؤدِّي لانشغاله الدائم عن زوجته، والتي تبدأ برؤية هلوسات، وترى زوجات شُركاء زوجها بوجوهٍ قبيحة، وتأخذ حالتها النفسية في التدهور، فينصح “ميلتون” “لوماكس” بالتوقف عن الترافع في إحدى القضايا ــ التي تتبع للشركة ــ للاعتناء بزوجته والتفرغ لها. إلا أنه يرفض، فتزداد حالتها سوءاً.
يدرك “لوماكس”؛ أن المتهم مذنب في القضية التي يترافع فيها، لكنه مع ذلك يستمر، رغم أن “ميلتون” أعطاه الخيار بالاستمرار أو الانسحاب. ينجح “لوماكس” في الفوز بالقضية، لكنه يجد زوجته قد انهارت نفسياً، وتحتمي بإحدى الكنائس.. كانت عارية، وكلها جروح، حيث تتهم “ميلتون” باغتصابها، لكن “لوماكس” لا يصدق ذلك، لأنه كان معه بالمحكمة في الوقت الذي أكدت زوجته أنه اغتصبها فيه.
يقود “لوماكس” زوجته؛ ويُدخلها لمشفى الأمراض النفسية، حيث تقوم بالانتحار. عندها يُصدق “لوماكس”؛ أن “جون ميلتون” مسؤول عن ما حدث لها، كما أنه يعلم من والدته ــ المتدينة والمتمسكة بتعاليم الإنجيل ــ أن “ميلتون” هو أبوه الحقيقي، وتخبره كيف أنها ــ وقبل أن تحبل به ــ أتت لمدينة نيويورك، وقابلت “ميلتون”، وكيف أقنعها، فحبلت منه. وأخبرته بحفظ “ميلتون” للكتاب المقدس، وتعاليمه المسيحية. أخذ “لوماكس”؛ مسدساً ــ في آخر مشاهد الفيلم ــ وذهب لـ”ميلتون” في مكتبه وواجهه. اعترف “ميلتون” باغتصابه لزوجته “ماري آن”؛ فيُطلق “لوماكس” النَّار عليه، إلا أنه لم يتأثر، عندها يتأكد له أن “ميلتون” هو “الشيطان” ذاته.
في آخر مشهد للفيلم؛ يدور بينهما حوار غريب وشيِّق ــ في مكتب (ميلتون) ــ يتم حذف أغلبه ــ كما لاحظت على القنوات المفتوحة ــ لأنه مليء بالتجديف. والحوار يحكي قصة الشيطان بكل حذافيرها؛ ويقول “لوماكس”؛ إن “ميلتون” هو المسؤول عن كل شيء سيء حدث له ولزوجته. إلا أن “ميلتون”؛ يُذِّكر “لوماكس” أنه كان يمتلك حرية الاختيار، وهو من اختار كل أفعاله، وأنه ــ أي ميلتون ــ لا يستطيع إجباره على شيء، ثم يعترف أنه أبوه، ويطلب منه أن يمارس الجنس مع أخته “نصف الشقيقة” لينجب منها (الأعور الدجَّال) المعادي للمسيح. فيرفض “لوماكس” الأمر، ويقوم بإطلاق النَّار على رأسه وينتحر، مفضلاً ذلك على تنفيذ رغبة الشيطان، فتموت أخته، ويحترق “ميلتون”، فتعود المشاهد لبداية الفيلم، ليختار “لوماكس” ــ هذه المرة ــ عدم الدفاع عن المعلِّم المتهم بالتحرُّش، فتتم إدانة المعلِّم، ويخسر “لوماكس” أول قضاياه نتيجة خياره الجديد، فيلاحقه أحد الصحفيين، ويطلب منه إجراء مقابلة معه، ليجعل منه بطلاً، لرفضه الدفاع عن المعلِّم. فيوافق “لوماكس”؛ فيتبدل شكل الصُحفي لـ”ميلتون”، ويقول: “إن الغرور هو خطيئته المُفضَّلة”، أي أنه عن طريق الغرور سوف يعيد “لوماكس” مرة أخرى لطريق الشرِّ.
قصة الفيلم تُثير الدهشة، وخاصة السيناريو المكتوب بعناية فائقة، فالكاتب يعرف تماماً ماذا يقول، فقد سرد قصَّة “الشيطان” بصورة صادمة بحق، وتحدَّث الشيطان “ميلتون” عن مهنة المحاماة، وكيف أنها تمكِّنه وأعوانه ــ دون المهن الأخرى ــ من التغلغل في جميع مفاصل الدولة، والحكم في كل دول العالم، وكيف أنهم عبرها سيتمكِّنون من تنفيذ مآربهم، وخططهم المستقبلية لحكم كل العالم.
الفيلم يتميز أيضاً بالمشاهد الخلابة لمدينة نيويورك، ومشهد الماء الموجود خارج مكتب “ميلتون” على ارتفاع شاهق ــ هو مشهد مميز ــ وفيه الكثير من الدلالات الرمزية، وكذلك ديكور مكتب “ميلتون” الأول، فهو يعبِّر عن الشيطان، وكيف أن مكتبه يتميز بـ”البرود، والفراغ، والكآبة”، بينما المنظر الموجود خلف مكتبه الثاني يلعب دوراً مهماً في تحريك مشاعر المُشاهِد، في مشهد الحوار وخاصة الإضاءة، ففي هذا المشهد يتم توظيفها بذكاء وإبداع شيطاني، يخبرك أن الأمر مقصود لذاته، ولا علاقة لذلك بالأفلام والتمثيل فقط. وكذلك الرموز الماسونية الموجودة بكثرة في مشاهد الفيلم، ففيها ربط عميق، ودلالات قوية. الفيلم يدور حول فكرة صراع الخير والشر، وطريقة عمل الشيطان والدجَّال والماسونية العالمية، والروابط الخفية بينهم، وتبادل الأدوار، والعمل منفردين، أو مجتمعين لتحقيق غاية واحدة، وهي قيادتنا كلنا كالنعاج لتحقيق مأربهم.
وقد أجاد “آل باتشينو”؛ تجسيد شخصية الشيطان، بصورة مذهلة، فهو بلا شك ممثل بارع. وأفضل المشاهد هو ذلك الذي يجتمع فيه مع “كيانو ريفز”، ويعترف له أن هذا القرن هو ملك له بغير منازع، وكيف أنه صبر في الظلام لآلاف السنين، منتظراً الوقت الذي يمكنه من الظهور، وأن هذا الوقت قد حان الآن، ليفرض رؤاه على الناس وليسيطر عليهم، مع تبيان بعض القدرات التي يتمتع بها الشيطان في قدرته الفائقة على الإغواء، والمجون.. ومعاشرة كل النساء، وفي أي وقت.. وأي زمن. وبالتأكيد الفيلم يستحق المشاهدة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى