الرأي

صحفيو النظام البائد.. وعِبر التاريخ..!

خالد أبو أحمد

بلا شك إن التاريخ هو ذاكرة الأمم، ولا تستطيع أمة أن تعيش بلا ذاكرة، ودراسة التاريخ واستخراج الدروس والعبر منها هو دأب الأمم القوية فالتاريخ مرآة الشعوب وحقل التجارب في صفحاته تكمن الدرر والنفائس للذين يريدون الوصول إلى النهايات المرجوّة.. وفي ذلك يقول أمير الشعراء.. الشاعر أحمد شوقي:

إقرأوا التاريخ إذ فيه العِبر… ضل قوم ليس يدرُون الخبر

قبل أيام قليلة وجدت نفسي عضوا بمجموعة للتراسل الهاتفي (الواتساب) ولا أدري من الذي استضافني فيها، تتكون من حوالي 200 عضو من بينهم جمال عنقرة، وفتح الرحمن النحاس، والسواد الأعظم هم من صحفيي وكبار كُتاب النظام البائد الذين كان لهم الدور الكبير والمتعاظم في دفع النظام لممارسة الجرائم التي ارتكبها في حق شعبنا، حتى أصبحت معالم بارزة سجلها التأريخ الحديث كماضي وحاضر أسود للحركة (الإسلامية) السودانية.

لقد ظل صحفيو الحركة والتنظيم دائما في انتظار من يشير عليهم، لا يفكرون ولا يحسنون الصنع، يجيدون الهتاف فقط، لذلك كنت في أشد الاستغراب أن يضيفونني في مجموعة لهم، وفي كل مرة يضيفونني فأخرج منهم، لا يستفيدون من التجارب ولا يعقلون شيئا من أمرهم، ثلاثون عاما إذا كان لهم دور حقيقي كصحفيين وكُتاب وضعوا السودان في حدقات عيونهم وتجردوا من ذواتهم ومصالحهم الشخصية وأخلصوا لشعبهم لوطنهم ما كان لمئات الآلاف من الأرواح الزكية أن تقتل بدوم بارد، ولا الفساد الكبير الذي دمر الاقتصاد الوطني قد حدث، لكنهم جُبنوا ومالوا حيث مصالحهم الذاتية والشخصية، فلا يستحوا أن يجتمعوا في مجموعة (واتساب) ليستقطبوا من خرج عليهم.

بالله عليكم ما هي حُججكم..؟!.

الشيوعييون الكُفار..!!

لقد ظل برنامج الحركة (الاسلامية) في السودان واحد فقط منذ عقود من الزمان لم يتغير، المتمثل في ترسيخ الفهم لدى عامة الناس من البسطاء وقليلي المعرفة والرجرجة والدهماء بأن “الشيوعيين والعلمانيين كُفار”، هذا ليس برنامج حُكم تُدار به الدولة، إن الشعب السوداني المثقف والسياسي بالفطرة يدرك تمام الإدراك الحقائق بنفسه ولا يحتاج لمن يلقنه معلومات كلما ازداد الفشل وتعمقت الأزمة، يكفي شعبنا فخرا وعِلما أن اكتشف بأنهم أسوأ خلق الله أجمعين، ليس لهم مثيل في التاريخ البشري في إهانتهم وتسفيههم للإنسان، وفي استسهالهم لظلم الآخرين وفي تدميرهم لامكانيات البلاد على النحو الذي رأيناه في (سودانير) و(سودان لاين) و(النقل النهري)..إلخ .!.

إن هتافاتهم الداوية التي أزعجونا بها (هي لله.. هي الله) راحت أدراج الرياح، وأن تكبيراتهم الداوية (الله أكبر.. الله أكبر) ولو كانوا يفهمون فعلا مضمونها لما تكبروا على الشعب ولا قتلوه ولا سرقوا ماله ولا عذبوه ولا جوعوه، إن ترديدهم هذا الشعار يؤكد بأنهم تجاوزوا في ممارسة كذبهم حتى الذات الإلهية والعياذ بالله، يهتفون باسم الله ويكذبون، ويصرخون في آذاننا بأنهم متمسكون بالشريعة الإسلامية، لكنهم في الحقيقة متمسكون بشريعة الغاب التي مكنتهم من فتح خزائن الدولة واستباحة المال العام بهذا الشكل السافر الذي كشفته لجنة إزالة التمكين مؤخرا.

ومن المفارقات العجيبة أن هؤلاء الظلمة العتاة يصفون كل ما يجري في البلاد على أنه عمل الشيوعيين والعلمانيين ويركز إعلامهم المهووس على ذلك، بينما هم وضعوا أياديهم مع الشيوعيين في الصين وأخذوا منهم القروض الربوية التي أدخلوها في حساباتهم الخاصة ولم يصرفوها في مشروعات تنموية، وقد اعترفوا بأن الأموال ضاعت في البذخ السياسي ولم تدخل في ما يفيد البلاد، فالسؤال البديهي: لماذا تعاونت دولة الحركة (الإسلامية) مع الشيوعيين الصينيين 30 عاماً برغم إنهم ملحدين، بينما تحارب الشيوعيين السودانيين في الداخل وهم مسلمون يصلون ويصومون؟!.

المجاعة في جنوب دارفور..

لا زالوا في غيهم يعمهون بإصرار شديد على أنهم على حق برغم الحقائق التي تظهر للعيان كل يوم، وأن كل من يخالفهم أو يجادلهم في ما ارتكبوه طيلة سنوات حكمهم يعتبرونه شيوعيا وعلمانيا أو نصيرا لهم، هذه ذكرتني في إحدى الرحلات الصحافية لـ(دارفور) تقريبا في 1994م بدأت من مناطق شمال دارفور؛ كتم ومليط؛ ثم العودة للفاشر ثم مدينة نيالا وفي آخر جولتي قابلت عدداً من المواطنين في منطقة (بُرام) بعد خروجي من (الضعين)، وعرفت منهم بأن هناك شبح مجاعة على الأبواب، فقمت بالتأكد من ذلك بنفسي فوجدت الأسواق خالية من الحبوب بكل أنواعها.

تجولت في أكثر من منطقة وتيقنت بحقيقة الأمر بعدد من المناطق بها أسواق كبيرة، وعندما وصلت الخرطوم ومن المطار مباشرة ذهبت لإدارة الأمن الاقتصادي وقابلت مسؤولاً كبيراً وذكرت له واقعة دنو المجاعة في جنوب دارفور وناشدته بضرورة اللحاق بالأمر، فقال لي بالحرف الواحد “ياخي انتو تسمعوا إشاعات الشيوعيين دي وتجوا تزعجونا بيها”..!!.

حزّ في نفسي كثيراً حديث المسؤول الأمني الاقتصادي، واستهتاره بهذا الأمر الجلل، لكن بعد تفكير وجدت له العذر لأن الكل في الحكومة كان في تيه، استلموا دولة ولا يدرون ماذا يفعلون حيال تحدياتها حتى البسيطة، الحزب الحاكم والدولة لا أحد يحتمل كلمة واحدة تتطلب عملاً أو محاسبة شخص ما أو تعديل وضع ما، وعلى مستوى مؤسسات الحركة (الإسلامية) الكل مشغول بتأسيس الشركات والصفقات التجارية و(الكُومشنات) والزوجات الصغيرات والجديدات، والانبهار بالسفر للخارج، ليس غريبا أن السودان اليوم يعاني من أزمات كبيرة بسبب الدمار الذي خلفته دولة الحركة والتنظيم.

حب الذات

هؤلاء القوم تملكهم حب الذات والأنانية لذلك كان عادي جدا يقتلوا ولكي يعيشوا في بحبوحة من العيش يستولون على حقوق الآخرين لينعموا بالحياة الرغدة، أبدا لا يحرك فيهم ساكن عذابات الآخرين وأناتهم ودموعهم وآهاتهم التي تبكي من به صمم، وفي ذلك يقول محمد باقر الصدر في كتابه المشهور (فلسفتنا) “إنه لا يعرف غريزة عند الإنسان أعم وأقدم من غريزة (حب الذات) التي هي من صميم طبيعته و(القوة المحركة الرئيسة) لسلوكه وتصرفاته ومواقفه، وتعبّر غريزة (حب الذات) عن نفسها من خلال (حب اللذة) و(بغض الألم)، وحب المال من فروع هذه الغريزة، وسجل القرآن الكريم ذلك بقوله “وتحبون المال حباً جماً”.

بالفعل أن حب اللذة ينطبق على هؤلاء المتنطعون..

وعلى شاكلة سؤال الفقيد الطيب صالح التاريخي: من أين أتى هؤلاء..؟!!

هل هولاء يُصّلون كما نُصلي ويصوُمون كما نصوم.. ويعبدون الله كما نعبد..؟؟!!

هل هؤلاء يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق مثلنا..؟!

ويشاهدون القنوات الفضائية ويدخلون الفيس بوك ويستخدمون البريد الالكتروني..؟؟!!

هل صحفيو النظام البائد يعيشون في العصر الذين نعيش فيه أم على قلوبهم اغفالها..؟!.

ألا يعلم هؤلاء أن الشعب قد لفظهم وما عاد يقتنع بكتابتهم..!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى