الرأي

شمس الحرية تشرق من البراري

بدعوة كريمة من الأصدقاء قمت بتلبية دعوة مساء الجمعة الموافق 29 يناير لحضور حفل افتتاح دار القوى الاشتراكية بالبراري ولا يخفى على أحد الدور الفاعل والبطولي الذى قام به أهل البراري خلال انطلاقة ثورة ديسمبر المجيدة التى أطاحت بالديكتاتور والنظام الإسلاموي الذى جثم على صدورنا 30 عاما من المذلة والهوان. الافتتاح كان بسيطاً والدار كانت عامرة بنساء وشباب البراري بدت مرحبة بالضيوف مكرمة لرموز البراري. إنه لعمل جميل ومفرح يذكرنا أننا الآن قد أصبحنا نستمتع بنسيم الحرية وننعم بها بعد تقييد استمر عقوداً وذلك بفضل الثورة وشهدائها الذين جعلوا من ذلك أمرا ممكنا ومتاحا للجميع دون خوف أو ذعر طالما كان يطالك وأنت فى عقر بيتك تدير حوارا أو نقاشا حيث تتربص بك أعين أفراد الأمن. بلا شك هذه الدار ستكون بمثابة دار لنشر الوعي والاستنارة فانطلاق مثل هذه الدور هي ما نحتاجه فى الوقت الحالي لأنها بلا شك ستساهم فى محو آثار الجهل والخرافة التى عمل النظام البائد على نشرها فى السودان لثلاثة عقود مضت مستخدما كل آلياته الإعلامية لتغييب الناس وتدجينهم، ونجد أنه ورغم مقاومة الناس للنظام لكن ظلت لها تأثير على شريحة عريضة من الجماهير فى ظل غياب مؤسسات شعبية كانت فى ما مضى تقوم بدور كبير فى رفع وعي الناس حيث اختفت الندوات المفتوحة والأنشطة الشبابية المعروفة فى الأندية وأصبحت الأندية بدلا عن ذلك مكانا لتوزيع أكياس الصائم ومساعدات الفقراء فى ظل المسغبة والفقر الذى يعيشه أكثر من نصف شعب السودان وأصبحت مقرا لعقد الزيجات الجماعية الفاشلة التى تعبر عن مدى انتهازية وتخلف النظام البائد .
الآن آن الأوان للناس أن يعملوا بجهد لتغيير تلك المفاهيم وهنا يأتي دور المجتمع المدني الذى أخذ يتراجع بعد أن أشرقت شمس الحرية التى طالما ناضل الناس من أجلها، فقد كانوا قبل الثورة يتنادون بالحريات والآن يجدونها ولكنهم لا يمارسونها حيث نادرا ما تسمع عن ندوة أو جلسة حوارية عقدت فى أي من دوره، وتحول المجتمع المدني بشرائحه المختلفة الى متربص بالحكومة وليس مساندا لها فأصبحت أخبار الخلافات حول الترشيحات والترويج للشائعات هي التى تطغى على كل ما سواها، وذلك لأن الجميع حتى من صنعوا الثورة لم يدركوا أن الثورة هي حراك مستمر لم يصل غاياته وظن الناس أنه وبمجرد إعلان الحكومة الانتقالية ستصل الثورة الى مراميها. ليس فى تحقيق شعاراتها فقط بل أيضا ستحقق لهم الرخاء والرفاهية على الرغم من أن الناس تعلم علم اليقين أن النظام البائد قد ترك البلد فى حالة يرثى لها وأن الحكومة استلمت خزينة خاوية الوفاض وأن المال المنهوب معظمه إما خارج البلد مهرب يتطلب إرجاعه سنوات وإما فى شكل أصول ليس من السهل تحويلها لأي سيولة. كل ذلك كان واضحا للناس. البنى التحتية منهارة والتعليم والصحة فى حالة يرثى لها. ولكن لأن الحكومة أخذت مرضاة الشارع والاستجابة لضغوطاته على عاتقها منذ توليها الحكم ولم تكن حاسمة فى مسألة مصارحة الناس بحال البلد، وعمل بعض المسؤولين على رفع سقوفات الأماني وهم يجارون طموحات الشارع وفى سبيل ذلك اضطر بعض المسؤولين أيضا الى بيع الأوهام، وبعد أن شعر هؤلاء بعدم واقعية ما وعدوا الناس به أخذوا يتراجعون عن ذلك للدرجة التى جعلت بعض الوزراء وبعد تعرضهم الى النقد والهجوم الشديد من قبل الثوار يسعون الى تبرئة أنفسهم الى الحد الذى دعا الفرد منهم أحيانا يعمل على نقد الحكومة وهو لازال يجلس على كرسي الوزراة فيها الأمر الذى يجعلك فى حيرة متسائلا أليس بإمكانه أن يوجه رأيه داخل اجتماع مجلس الوزراء؟ وهل سيعفيه ذلك من تحمل المسؤولية؟ وفى المقابل أيضا اكتشف الشارع أن ذلك محض هراء، وانضم إليهم فى محاولة لإصابة الناس بالإحباط مجموعة الفلول من الإسلاميين الذين لم يقتنعوا بعد بأن عودة التاريخ للوراء غير ممكنة وأن عودتهم الى الحكم مرة أخرى بعد أن اكتشف الناس مدى خيانتهم وفسادهم، حيث لا زال بعضهم للأمس القريب يتظاهرون مطالبين بحكم العسكر غير مدركين أن حكم العسكر قد ولى زمانه وأن الجنرالات لم يعودوا يحكمون العالم وأن الديمقراطية هي التي تأتي بالسلام والعدالة والحرية. فليتوجه الناس فى الأحياء لفتح دورهم والمساهمة فى بناء الثقة فى الديمقراطية والحريات فهى أساس النهضة فى كل بلدان العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى