اقتصاد

سيناريوهات متكررة.. استفحال أزمة الوقود وشكاوي من زيادة تعرفة المواصلات

تحقيق – ناهد أوشي
تكدس السيارات داخل محطات الوقود واصطفافها لساعات وأيام معدودات أصبح من السناريوهات المتكررة والمشاهدة يومياً منذ أكثر من عام مضى، وما تزال أزمة الوقود تبارح مكانها على الرغم من التصريحات والبشريات التي تطلقها وزارة الطاقة والتعدين بوصول بواخر محملة بالمواد البترولية وتدفيع كميات من الوقود إلى المحطات. اتهامات بالتقصير والتهريب وسخط من المواطنين من أزمة مواصلات خانقة خلفتها أزمة الوقود وزيادة في سعر التعرفة. الديمقراطي فتحت ملف الوقود لمعرفة (مكان) الأزمة من خلال التحقيق التالي.
توقف المصفاة
مصفاة الجيلي والتي تنتج (2700 طن) من البنزين يومياً بينما الاستهلاك حوالي (4500 طن) و(4500 طن) إنتاجاً من الجازولين بينما الحاجة (10 الآف طن) تتم تغطية العجز من الاستيراد. تلك المصفاة الأسبوع الأول من ديسمبر الحالي ستتوقف عن العمل للصيانة الدورية التي كان مقرراً لها أبريل إلا أن هجمة فيروس كورونا الأولى (أجلت) عمليات الصيانة وكان العمل بالخطوط (8 بوصة) خاص بـ(مستودعات الشحرة) الذي أنشئ في العام 1973 وهو معني بالوارد من البنزين بورتسودان.
والخط (12 بوصة) خاص بـ(بمصفاة الجيلي) أنشئ العام 2000 للصادر (قبل انفصال الجنوب )وبعد الانفصال أصبح الخطين للوارد فقط وقد توقف العمل بتلك الخطوط في الفترة من 23 سبتمبر حتى 22 أكتوبر نسبة لتوقف الوارد من البنزين بحسب مصدر من المصفاة الذي أشار إلى دخول خط (8 بوصة) العمل لأسبوع فقط، ثم توقف ثم عاود العمل (متقطع) بطاقة 65% فقط وحالياً يعمل الخطين بكامل الطاقة الاستيعابية، وهنالك مخزون في المستودعات الاستراتيجية خاصة وأن الشركات الكبيرة (النيل، إنرجي، أويل، بشائر) أصبحت تطلب كميات أقل من البنزين والجازولين للمستودعات وقال إن 90% من الشركات تطلب كميات أقل.
وكشف الكميات الموزعة من مصفاة الخرطوم إلى مركز التحكم التابع للامدادات ومنها للشركات يومياً والتي تصل إلى حوالي (3500) متر مكعب من البنزين ما يعادل (3 ملايين و500 ألف لتر)
بما يكفي الاستهلاك بنسبة (70%) فيما تمت زيادة إنتاج الجازولين ليكفي (60%) من الاستهلاك بعد دخول المصفاة الإضافية للخدمة.
وتمد المصفاة مركز التحكم بـ(4 الآف) متر مكعب من الجازولين فيما يتم إمداد مستودعات الشجرة يوميا بـ(2500) متر مكعب يومياً
كما وأن مستودعات الشجرة توزع حوالي (1800) متر مكعب في المتوسط من البنزين.
تمدد الصفوف
تمدد واستمرار الصفوف في محطات الوقود بررتها وزارة الطاقة والتعدين بالفجوة التي حدثت مؤخراً بسبب تأخر إجراءات الاستيراد من الخارج، والهلع الذي ساد عقب الحديث عن توقف المصفاة للصيانة، وقالت بعودة الأمور إلى نصابها حال الوصول لطمأنينة واستقرار، وأشار وكيل الوزارة د.حامد سليمان حامد في حديثه لـ(الديمقراطي) إلى انسياب إمداد الوقود بصورة طيبة، وأكد عدم تأثر الإمداد بتوقف (المصفاة القديمة) خلال الفترة المقبلة وقال ستخرج فقط (المصفاة القديمة) من الخدمة بينما ستعمل (المصفاة الجديدة) لتحقيق انسياب الإمداد وتم التحسب لأي طارئ.
اشتكى معاز سراج صاحب مركبة من استشراء السوق الأسود للوقود وجشع التجار وقال في حديثه للصحيفة عقب تحرير أسعار المحروقات للمرة الثالثة خلال عمر التغيير القصير: “استبشرنا خيراً وارتضينا بالسعر التجاري، عسى ولعل أن نمزق فاتورة السوق الأسود وجشع تجار السوق الأسود لكن اتضح (عطاء من لا يملك) فالدولة لا تملك الوقود الكافي لتلبية الطلب”، وقال: “اليوم ترددت على أكثر من سبعة محطات وقود ورجعت بخفي حنين، حيث لا يتوفر (لا مدعوم ولا تجاري) ثم علمت بأن هناك وقوداً بأحدى الطلمبات والصف خفيف حسب (قروب الفيس) تحركت ووقفت لأكثر من ساعة وبعدها أعلن نفاد البنزين، وحاليا في محطة خدمة بترولية أخرى في صف طويل ولا ندري ما يحدث وهذا المشهد يتكرر يومياً وللبعض أسبوعياً”.
وكيل الطاقه أقر بأن وجود سعرين للوقود (خدمي، تجاري) ليس بالوضع المثالي لأنه يخلق سوقين ويفتح الباب للتهريب، وقال نسعى لتوحيد السعر عند الحد الأقل حتى يكون متاحاً للمواطن، وكشف الاتجاه لتحديد كمية بالسعر الخدمي للمركبات وما يزيد عنها يحسب بالسعر التجاري أسوة بالكهرباء.
تعرفة المواصلات
وقالت الإعلامية هاجر شريف في ظل الظروف التي تمر بها البلاد والأوضاع الاقتصادية الطاحنة ظللنا في رحلة معاناة يومية وبحث عن سبل مواصلات مريحة تقلنا لمكان عملنا، ولكن هيهات لأن غالبية المركبات العامة والخاصة هي أيضاً في رحلة معاناة نسبة لانعدام الوقود (جاز وبنزين). منذ أمد بعيد تمتد الصفوف في الطلمبات طولاً وعرضاً حيث السهر وأحياناً المبيت لأيام، وبذات الضيق والضنك انفتحت شهية أصحاب المركبات العامة، فأصبحت المغالاة في تعرفة المواصلات ولا أحد يقول (بغم) وظلت سمة طاغية على مشهد الحياة السودانية، فالمضطر فينا يركب الصعاب، ونحن أمام هذا الأمر الواقع، فأصبح ما نتقاضاه من أجر ندفعه أضعافاً نظير تنقلنا ما بين العمل والسكن مما اضطر الكثيرون أن يقللوا أيام العمل وتقليص ساعات العمل الرسمية للحاق بركب المواصلات، ولكن رغم ذلك الصرف كثير والمعاناة أكثر في سبيل أن تصل لمكانك الذي تقصده مرتاحاً، فالبطل هنا صاحب المركبة الذي يتحجج بأنه (بايت في صف الجاز أو البنزين) والضحية المواطن الغلبان، والمسؤول لا يحرك ساكناً بل (عامل أضان الحامل طرشة) فنسأل الله أن تنفرج الأزمة قريباً لأننا خلاص قلنا (الروووب).
أصحاب المركبات أيضاً يجارون بالشكوي من الوضع الراهن حيث يكابدون معضلة الحصول على الوقود وسخط الركاب وأشار السائق بابكر محمد بابكر إلى ارتفاع سعر الوقود والإسبيرات، وقال: “لابد أن تلك الزيادة ارتفاع في التعرفة، والأسعار محررة في جميع السلع، فلماذا لا تزيد التعرفة؟”.
شريحة النساء دخلت في خضم المعاناة ورحلة البحث عن الوقود وأصبحن يقفن في الصفوف لساعات طوال ويضطررن أحياناً إلى المبيت في محطات الوقود. الموظفة إلهام العريفي قالت: “إن ما يحدث للسيدات اللائي يمتلكن سيارات في طلمبات البنزين ليس من العدالة”. وانتقدت أن يتم صرف الوقود لأربع سيارات (للرجال) مقابل سيارة واحدة للنساء، وطالبت بتخصيص (مسدس) في كل طلمبة للنساء فقط.
استيراد وتغطية حاجة
محفظة السلع الاستراتيجية أعلنت عن اتفاقها مع وزارة الطاقة والتعدين والشركات المتخصصة لاستيراد كميات كبيرة من المواد البترولية “بنزين جازولين، غاز طبخ لتغطية حاجة شهر ديسمبر فيما يتجدد الاتفاق تلقائياً من يناير حتى مايو 2021”.
وقال مدير محفظة السلع الاستراتيجية، عبد اللطيف عثمان، لـ(الديمقراطي) إن الأزمة الحالية للوقود ليست نابعة من شح المواد البترولية المنتجة أو المستوردة، وأضاف: “خلال الفترة من 24 أكتوبر حتى 19 نوفمبر قمنا باستيراد سبعة بواخر (5) جازولين، تحمل (200) ألف طن، وباخرتي بنزين سعتها (80) ألف طن، وهي كافية لسد الحاجة”.
وعزا الأزمة الحالية حسب قوله إلى مشاكل الميناء والمتمثلة في المربط والنقل والسعة التخزينية إضافة لضعف سعة الخط الناقل للجازولين والتي لا تتجاوز(3 الآف) طن وخط البنزين التي لا تتجاوز(1500 طناً)
إلى جانب مشاكل التوزيع والسوق الأسود، والتهريب مما يستدعي تدخل الدولة المباشر في موضوع الخط الناقل للبنزين.
وأشار عبد اللطيف إلى المرونة التي تعاملت بها المحفظة في شرطها بدفع 110% من المكون المحلي لفتح خطابات الاعتماد لاستيراد المحروقات واستبدلته بضمانات مصرفية عادية بما يسهل عملية الاستيراد وحل الأزمة.
وقد تم فتح خطابات اعتماد بقيمة (115) مليون دولار اعتماداً على موارد المحفظة الذاتية من النقد الأجنبي وحصائل صادراتها من الذهب مما أثر على استقرار سعر الصرف في سوق النقد الأجنبي حيث إن المحفظة قامت بتوفير النقد الأجنبي دون الشراء من السوق الموازي.
مافيا الوقود
اتهامات وجهت لبعض الشركات بتهريب الوقود إلى مناطق التعدين ومطالبات بتفعيل الرقابة الصارمة على محطات الوقود والشركات التي تغذي تلك المحطات.
وقال مصدر إن هنالك مافيا تعمل على استمرار الأزمة وأبان أن الشركات الكبيرة والمعروفة تطلب كميات بسيطة وشركات صغيرة ليس لها محطات وقود كافية تطلب كميات كبيرة ويتم بيعها بالسوق الأسود كما وأن بعض الشركات تصطنع الأزمة حتى تلجاء للبيع بالسوق الأسود.
ونفى رجل أعمال (مستورد للبترول) لجوء الشركات لتهريب الوقود وقال باستحالة الأمر لأن الإمداد يتحكم في توزيع الكميات المحددة إلى الولايات، وأشار لضرورة أن تؤول الملفات الاستراتيجية خاصة السلع إلى كوادر مؤهلة وقادرة على تجاوز الأزمات في ظل شح الموارد، وانتقد خطوة رفع الدعم عن المحروقات في ظل الدخل الضعيف للمواطنين.
إحصاءات قديمة
وزير الطاقة المهندس خيري عبد الرحمن أرجع بالأزمـة الحالية وامتداد
الصفوف إلى عدة عوامل أخرى تحتاج للمعالجات على سبيل المثال الإحصائات الدقيقة وقال في حوار مع (الديمقراطي) وجـدنا أن هنالك حاجة
لمراجعة الحجم الحقيقي للطلب على كافة أنواع الوقود، وبالتالي مراجعة حسابات الاستهلاك التي تعود لإحصائيات منذ العام 2013 مع تعديلات جزئية في العام 2017 وحدثت زيادات كبيرة، وأبان أن معالجة الأزمة تكمن في توفير المزيد من الوقود على المدى القصير عن طريق الاستيراد الحر ونعمل على فك اختناقات تفريغ البواخر في بورتسودان بزيادة سعة مرابط ميناء الخير إلى جانب زيادة سعة الخطين الناقلين من بورتسودان-الخرطوم وبالتالي يزداد حجم الوقود المتدفق إلى الاستهلاك.
أما على المدى المتوسط قال خيري “نعمل ليل نهار من أجل زيادة الإنتاج للبترول الخام من حقولنا وزيادة سعة المصفاة محليا، ولدينا مربعات بترول نستطيع زيادة إنتاجها بخبرات سودانية. وكذلك مربعات ندخل فيها مستثمرين يمتلكون التكنلوجيا الحديثة لتوسعة الاستكشاف وزيادة الإنتاج”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى