الرأي

سقط الكيزان ولكن الذهنية لا زالت تتحكم

رؤى مغايرة
صباح محمد آدم

ثقافة الضرب والجلد للفتيات والنساء ثقافة أطلقتها الإنقاذ منذ اعتلائها للسلطة في يونيو ١٩٨٩ بتنبني شعارات معادية للنساء وربما بدا ذلك قبلها عندما نصبوا اللافتات في الكباري في إطار حملة شعبية للتحذير من انتشار مرض الايدز في نهاية الثمانينيات، رغم أنه كان من بين الأمراض المسكوت عنها ومضى وقت طويل قبل أن يعترف السودان بانتشاره، حيث تم نصب لوحة إعلانية كبيرة عند مدخل كبري النيل الأبيض مكتوب عليها احذروا الأيدز. واللوحة عبارة عن صورة لفتاة في الطريق بالقرب منها تقف عربة خاصة وجعلوا من ذلك رمزية للإصابة بمرض الأيدز، وقتها تم استهجان ذلك ولكن ظلت اللوحة سنوات قابعة في مكانها ترسخ في مفهوم يجافي تماماً ليس مساواة النوع الاجتماعي، ولكن كون الأيدز مرض قد تنقله المرأة كما قد ينقله الرجل أيضاً وجعلوا المرأة وكأنها المصدر الأساسي لنقل المرض بمجرد الاقتراب منها .
مشهد آخر لمعتوه يرتدي ملابس الدفاع الشعبي المبرقعة ويتوسط ميدان أبو جنزير حيث السابلة وعلى مشهد ومرأى من قسم الشرطة ظل ولمدة طويلة يحمل سوط العنج ويجلد المارة من النساء والفتيات، كون أن مظهرها لم يعجبه مستعيذاً بالله وموجهاً إساءات لا تناسب أن تصدر عن كهل مثله ويضحك بعض المارة عندما تجفل أحد الفتيات ولا يتصدى له أحد لردعه (والرجال إخوان البنات لايحرك نخوتهم ذلك المشهد البائس)، مشهد لا ترى مثله في أي مكان في العالم ….المظهر الآخر في المركبات العامة حيث جعلوا عشرة مقاعد للنساء على أن يركبن بالباب الأمامي وذلك ليس في إطار تنظيم النقل أو تخفيف المعاناة أو المضايقات التي تواجهها، وإلا لتم الأمر بصورة مختلفة حيث أنه في بلدان كثيرة في العالم هنالك مقاعد مخصصة لكبار السن ولذوي الإعاقة وللحوامل، وفي ذلك رسالة توضح احترام المجتمع وتقديره لفئات ذات وضعية خاصة .
..إن السلوك الممنهج الممارس تجاه النساء طيلة الثلاثين عاماً رسخ مفهوماً لدى الناس في أن وجود النساء في الشارع العام مسبة وأن قانون النظام العام القمئ الذي يمجده مدير عام الشرطة (دون خجلة)، لأنه أيضاً بالنسبة لهم قد ارتبط بمصالح حيث ظل مصدراً للجبايات والرشاوى وكل مظاهر الفساد قد وجد مساندة ليس من قبل النظام الحاكم فقط، بل أيضاً من فئات اجتماعية لبعد ثقافي ذي صلة بنهج الوصاية أو الولاية على النساء، تلك الولاية التي عضدها قانون الأحوال الشخصية للعام ١٩٩١ المميز ضد المرأة والذي فتح الباب للعنف المحمي بالقانون وما نراه اليوم من جريمة بشعة تعلقت بمقتل الطفلة سماح على يد والدها (ووسط إخواتها) في ظل قانون مساند للقاتل وفي بيئة متصالحة مع العنف ضد المرأة، ذلك العنف الذي حرم طفلة من حق الحياة وبدم بارد يجلس لتلقي العزاء حيث لن يطاله قانون فهو له حق الولاية عليها حتى وإن بلغت سن الرشد بحكم قانون وضعه الإسلامويون (ولا تجد حكومة الثورة الممهورة بالدم الجرأة على إلغائه). وأصبح وفقاً لذلك القانون البائس كل من في الشارع العام من الذكور معطوبي الذهنية له الحق في الولاية الممتدة على النساء، وعبره أيضاً تتم تصفية الحسابات من المتسكعين والمتفلتين أخلاقياً .
إن ثورة ديسمبر ومشاركة النساء والفتيات فيها وقبول الأسر ذلك التواجد في ميدان الاعتصام صدم أصحاب التوجه الحضاري (ومن يسلكون سلوكهم من المتطنطحين) الذين ظلوا طيلة فترة حكمهم يعملون على تعبئة المجتمع ضد المرأة، ويرسخون لمفاهيم غير متصالحة مع النساء. لقد جعل ذلك المجتمع يتطبع مع كل ماهو مخالف للنواميس فضرب الفتيات هي ظاهرة إنقاذية وإسلاموية تعاملت معها المنظومة الكاملة لنظام الحكم من العسكري صغير الرتبة إلى الضابط الذي يقبع في قسم الشرطة، إلى مدير الشرطة الذي يتحسر على إلغاء قانون النظام العام بفهم أنه يضبط البنات في الشارع ..وهو هنا لايعرف كيف أن بمثل هذه القوانين البائسة والمنتهكة لحقوف الإنسان ظللنا لمدة ٣٠ عاماً محاصرين وتم وضعنا في قائمة الإرهاب، فهو كرجل دولة جاهل حتى بالتغيير الذي يحدث حوله ولا بمفاهيم حقوق الإنسان ولماذا تم رفعنا من قائمة الدول الراعية للإرهاب … هؤلاء يحتاجون لعمل كبير حتى يستوعبوا أن الحاضر ليس كالسابق وأن العام 2021 ليس عهد التسعينيات انهضوا لتلحقوا بالأمم.
ذهب الكيزان ولكن ذهنية الكيزان لازالت تتحكم في جهاز الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى