الرأي

سر الميل الثاني

جاكسون يوكي

وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. (متى 5: 41)

أن تفعل أكثر مما هو متوقع عندما تجبر في تنفيذ أمر لا تحبه هذا يعتبر مستحيلاً، يجد الكثيرون في هذه الأيام صعوبة في القيام بواجباته الطبيعية من القيام في الصباح الباكر إلى نهاية الدوام اليومي، بالإضافة إلى الواجبات الأسرية والاجتماعية، وإحدى المشكلات الرئيسية في مجتمعنا اليوم هي أن معظم الناس بالكاد يقومون بواجباتهم الأساسية، يقفون في منتصف الطريق أثناء القيام بواجباتهم، غالباً ما يستخدمون حيلاً نفسية وفكرية للحيلولة والإفلات من المواجهة والمساءلة. أن تقوم بواجباتك الأساسية هذا يعتبر كأنك ذهبت ميلاً واحداً ماشياً بقدميك، هي عملية نقبلها ونتحملها من أجل تبعات كثيرة لذا كثيراً ما بالكاد نصل إلى نهاية الميل دون ضجر وتذمر، لكن أن تزيد خطواتك ماشياً أكثر منها غالباً لا يعطي المرء فرصة للتفكير في ذلك بل يعجل بالرفض. إلا أن الميل الثاني بالنسبة للمعلم مثلاً هو عندما يتعلق الأمر بالطلاب الضعفاء، يقطع المعلم مسافة ميل إضافي لمساعدتهم على فهم الدرس، وليس المقصود هنا الدروس الخصوصية بالمقابل المادي، عموماً الميل الثاني يشجع القيام بالكدح العادي وتحقيق الالتزام التقليدي بروح المسؤولية، في الميل الثاني قد تجبر المؤسسة بطريقة غير مباشرة لتغدق عليك بالحوافز، وبالتالي تنمو مهنيًا، الميل الإضافي الثاني يساعد على الحفاظ بعلاقات قوية وسعيدة، تؤثر في الفريق من حيث المتانة وتحقيق الأهداف.
كان للفرس نظام صممه كورش الكبير يعرف (بالنظام البريدي للحمل) لمساعدة ساعي البريد أو ناقل الأخبار أو الأوامر الملكية،في توصيل المعلومات إن كانت استخباراتية أو عامة لمسافات طويلة، في أجزاء مختلفة من الإمبراطورية، قد تكون هذه الرسائل تحتوي على حمولة ثقيلة أحياناً، لذا تم تقسيم هذه المسافات لمراحل كل مرحلة مسيرة يوم واحد تقريباً، وعند نهاية كل مرحلة يجد الساعي مكاناً للراحة وتناول الطعام مع خيوله ويستبدل الساعي بآخر، ولكن إذا لم يجد هذا الساعي هذه الضروريات في نهاية الرحلة، كان من حقه أن يسخر أحد المواطنين ليعطيه الطعام والشراب، وأكثر من ذلك يطلب منه أن يحمل الرسائل عوضاً عنه في بعض الأحيان، من خلال حصانه أو أي مركبة قد يحتاجها الساعي من أجل تنفيذ أوامر الملك بسرعة. وفكرة التسخير عادة قديمة سائدة في البلاد المحتلة أو المستعمرة من قبل جنود أغراب، كان الجنود المحتلون يسخرون الأهالي في كل الأعمال، وبكيفية شنيعة وقاسية. وكلمة (سَخَّرَكَ) في الأصل اليوناني تعني حرفياً (من أجبرك أو ألزمك) أي أن تجبر للقيام بأعمال شاقة وقد تكون مهينة أحياناً. وفي أيام السيد المسيح كانت روما تحكم معظم العالم القديم وكل حوض البحر الأبيض المتوسط، لذا كان سيف السخرة مسلطاً على كل الشعوب المحكومة من قبل الإمبراطورية الرومانية، أخذ الرومان نظام إلزام المواطن السير ميلاً رومانياً، ألف خطوة أو حوالي (5280 قدماً) ويعادل في عصرنا اليوم حوالي نصف ميل، نص القانون الإمبراطوري بإعطاء الجندي الروماني الحق في إجبار أي مواطن على حمل حقيبته لمسافة ميل واحد، إن كان بالإكراه تحت تهديد السلاح أو الخضوع دون تذمر. يقال كان هناك أكثر من خمسين ألف ميل من هذه الطرق الرومانية في جميع أنحاء الإمبراطورية. في كل ميل واحد كان هناك علامة حجرية، أشارت علامات الأميال هذه إلى الاتجاهات، وحددت المسافات بين كل مدينة وأخرى، ومن المدن إلى الأخرى طرق تتجه إلى العاصمة روما، يبدو أن تنظيم الاتجاهات بين الطرق المشعبة قديماً تعود إليها العبارة الشائعة (كل الطرق تؤدي إلى روما).
قال أحدهم “النجاح يبدأ من الميل الثاني” هو أن تعمل ما يطلب منك راضياً مبتسماً، حتى تتقن العمل أكثر مما كان متوقعاً، وتكون مستعداً أن تعمل أكثر من المطلوب منك، عندها ستجد نفسك مميزاً من الآخرين، هذا هو سر الميل الثاني.
مصحح- أحمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى