حوارات

رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي لـ(الديمقراطي) (2-2):  الاتحادي ليس حزباً.. لن تنجح الديمقراطية إلا بالإصلاح الاجتماعي

حوار: الديموقراطي
لأننا نصدر بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية، فكرنا في استنطاق الإمام الصادق المهدي وقد لعب أكبر الأدوار في اثنتين من تجارب الديمقراطيات في السودان. ذهبنا له في داره بالملازمين، وجدناه محاطاً بالكتب والأوراق على المنضدة أمامه وكذا على الأريكة بجانبه، فرحب بنا وأثنى على قلم رئيسة التحرير التي قادت فريق (الديمقراطي) وبارك لنا الصحيفة وأعلن استعداده لكل الأسئلة “ما عندي قشة مرة”، فابتدأنا حوارنا الذي ركز على الديمقراطية وانتهى بمخاوف الانقلاب العسكري.
<<<
تذكر الأحزاب السياسية وخاصة الحزبين الكبيرين وغياب التعاون والنزاع المستمر بينهما كسبب في تقويض الديمقراطية؟
●      الحزب الاتحادي الديمقراطي في الحقيقة ليس حزباً بل تجمع أحزاب مختلفة، ويواجه مشكلة تكوينه كحزب يتحمل مسؤولية. أثناء الحكم الديمقراطي كان بيننا تحالف في الحكم بينما جزء كبير من الحزب الاتحادي كان معارضاً مما سبب صعوبة في العمل سوياً، لقد اجتهدت جداً أن أعالج المشكلة داخل الاتحادي لكن الشريف زين العابدين رفض الشروط المطلوبة لتوحيد موقف حزبهم من السلطة الديمقراطية.
على أجهزة الإعلام بدلاً من الكلام المطلق عن الأحزاب أن تجري دراسة لعشرات الأحزاب الموجودة لمعرفة الحزب القادر على أن يتصرف كحزب سياسي ولديه مؤسسات وأجهزة منتخبة ليعمل كمؤسسة ديمقراطية، وأيها عارٍ عن هذه الصفة، فهناك أحزاب فيها مثقفين ولكنها غير ديمقراطية بل أوتقراطية. وكذلك دراسة النقابات، فهذه هي لبنات البناء الديمقراطي. الأحزاب فيها الخلل المذكور والنقابات فيها النزعة لأن تستغل كواجهات لأحزاب سياسية مما يجعلها غير صالحة كنقابات مطلبية. وفي كل البلاد الفقيرة أمثالنا هناك حجم كبير لتدخلات أجنبية يؤثر.
في ظل الظلم الاجتماعي البالغ خارجياً وداخلياً خاصة وقد فاقم النظام البائد الفوارق الاجتماعية بصورة كبيرة، ما هو دور النظام الديمقراطي في تحقيق العدل الاجتماعي؟
●      الوضع الاجتماعي للبلاد مشوه، كثير من الناس يسكنون في عشوائيات وفي مناطق مهمشة، لا يمكن أن تنجح الديمقراطية ما لم تواجه هذه المشكلة، هناك ضرورة لربط الممارسة الديمقراطية بالإصلاح الاجتماعي وإلا لا يمكن أن تنجح الديمقراطية.
الديمقراطية محتاجة لاتجاه فكري يوفق بين التأصيل والتحديث، واتجاه سياسي يؤقلم الديمقراطية اجتماعياً وثقافياً، وإجراءات اجتماعية اقتصادية تزيل العشوائيات، والهوامش التي إذا لم تخاطب ستكون أساساً لتجنيد مضاد للنظام السياسي. كذلك ضرورة أن يكون الاتجاه الدولي للبلاد متوازنًا إفريقياً وعربياً وبريئاً من التبعية لأية جهة.
ومع أن الديمقراطية راجحة لأن الممارسة الديكتاتورية تزيد الطين بلة، إلا أنه ينبغي معالجة هذه القضايا وإلا اضطربت الأوضاع.
الجيش دائما يجد مبررات للانقلابات، في 1989 كانت مذكرة الجيش والآن هناك من يتكلم عن نفس المبررات؟
●      المذكرة التي كتبتها القوات المسلحة في عهد الديمقراطية كانت خدعة. وما حدث أن القوات المسلحة السودانية انسحبت من ليريا بالقرب من جوبا بصورة مهينة وعقدوا تنويراً قالوا فيه إن القوات انسحبت من ليريا لضعف الإمكانات المادية وهبوط المعنويات بسبب الخلافات السياسية في الخرطوم. حضرت التنوير كرئيس وزراء وقلت لهم إشفاقاً عليكم أقول إن القوات انسحبت ليس لضعف الإمكانيات بل برغم إمكانات كبيرة جداً أكثر من إمكانات العدو، والدفاع عن ليريا ممكن لأن دخولها يتم عبر واد، فالانسحاب غير مبرر. وأن الاستخبارات العسكرية ليست مشغولة بمتابعة العدو بل بالضباط، وغياب  تكتيك مناسب لخوض حرب العصابات، والدفاع بغياب أي خط هجومي مع أن معسكرات العدو معروفة، وغياب التوجيه المعنوي الذي يبين للمقاتلين لماذا يحاربون فالأمر يتعدى حفظ الأمن للعقيدة العسكرية. بعض الضباط المسؤولين حينها أيدوا حديثي فطالبتهم أن يجتمعوا لبحث كيفية مواجهة الثغرات المذكورة، وحينما اجتمعوا قرروا تحويل الأمر من مساءلة رئيس الوزراء لهم عسكرياً إلى أن يسائلوه سياسياً عبر المذكرة. فاجتمعت معهم وقلت لهم إنكم تدركون أنها ليست موضوعية ولا صحيحة، وبرأيي هي مذكرة مفتعلة، ومع ذلك تصرفت بصورة حفظت ماء وجههم. بعدها جاءني القائد العام فتحي أحمد علي ونائبه مهدي بابو نمر ليشكراني على تعاملي معهم بجدية وبدون ملاحقات، وطالباني ألا يأتي صلاح عبد السلام وزيراً للدفاع في الحكومة المزمعة، وألا تدخل الجبهة الإسلامية القومية الحكم وكانت تنتقد القوات المسلحة. رددت بالقول إن صلاح عبد السلام وزير لرئاسة الوزراء ولن يكون وزير دفاع فهذا مطلب مجاب، أما المطلب الثاني فليس من شغلكم وسيدخل الحكومة كل من يوافق على برنامجها. ثم اجتمعت بالدكتور حسن الترابي رحمه الله ونقلت له ما دار. لكن للأسف اعتبر ذلك تحركاً عسكرياً لعزلهم واستغلوه وسيلة للتعبئة للانقلاب مع أني أكدت له أننا لن نقبل أي نقد لدخولكم إن وافقتم على البرنامج.
في حديثي للقائد العام ونائبه قلت لهم إن المذكرة كان فيها مهلة أسبوع والتنوير الذي قمتم به أعطى انطباعاً أنكم تزمعون الانقلاب، وهو أمر يمكن أن تستغله أية جهة، فهل تستطيعون مقاومة أي محاولة انقلابية فإن كنتم لا تستطيعون حماية البلد أخبرونا لنبحث عن الوسائل التي نحمي بها الديمقراطية، قالا لو تحركت نملة فنحن مستعدون وقادرون على تتبعها. لكن للأسف اتضح أنهم لا مستعدون ولا قادرون واستغلت الجبهة الإسلامية الموقف في القوات المسلحة وقامت بانقلابها.
لكن هناك من يقول إنك كنت على علم بالانقلاب، إذ لوح به أحد أعضاء الجبهة أثناء اجتماع لمناقشة الميزانية ونقله إليك مبارك الفاضل.
●      ما حصل هو أن عمر نور الدائم كوزير للمالية قدم الميزانية في البرلمان ومع التصويت عليها كل البرلمان وقف مؤيداً..
(مقاطعة).. هل كانت الجبهة الإسلامية حاضرة؟
●      الجبهة الإسلامية انسحبت من البرلمان قبل ذلك الاجتماع. وحينما عرضت الميزانية وقف البرلمان كله مؤيداً، فقلت لعمر هذا المنظر سيسحر. وقبل ذلك حينما حصلت محاولة الزبير الانقلابية قلت لا يوجد عاقل في بلد كالسودان فيه حرب أهلية وفيه وضع اقتصادي متأزم ممكن يفكر يعمل انقلاب كان هذا هو تفكيري أن التفكير في الانقلاب عدم عقل.
صحيح قبل ذلك بحوالي شهرين جاءني أحمد سليمان و يبدو أنهم كانوا يناقشون موضوع الانقلاب. قال لي أنت تعلم أن الاتحاديين ليسوا جادين في الإسلام ونحن مستعدون أن نؤيد تغيير الدستور وتصير بأصواتنا وأصواتكم رئيساً للجمهورية على أن تعطينا في النظام الجديد وضعاً. قلت له يا أحمد ليست لدينا الأعداد التي نعدل بها الدستور والفكرة نفسها خاطئة، قال لي إذا لم نستطع عمل هذا الإجراء بالأغلبية نعملها بوسائل أخرى، فرفضت مقترحه كتفكير خاطئ، ومع أنه قال إنه جاءني بالمقترح من نفسه إلا أنني أعتقد أنه جاء مرسولاً.
واتضح فعلاً أنهم كانوا يفكرون في الاستيلاء على السلطة والمؤسف أنهم فعلوا ذلك بدون أي تحضير لا لتحقيق السلام ولا الاقتصاد ولا أي شيء المهم السلطة، وحينما وقع الانقلاب ومع أن الحكم كان ائتلافيا استهدفوني استهدافاً خاصاً.
لماذا؟
●      أعتقد أنهم غاضبون مني فنحن برأيهم قوى طائفية فاتها الزمن وهم الذين يقدمون بديلاً إسلامياً حديثاً، وبما أني مشغول بتحديث موقفنا والتأصيل التقدمي فهم يرون أنه يسلبهم ملابسهم.
ماذا كانت ردة فعلك الأولى من الانقلاب؟
●      بعد أن وقع الانقلاب اختفيت لمدة أسبوع لأقيم الحركة وهل هي من عناصر سودانية أم أجنبية، وظهر لي أنه انقلاب سوداني ليس أجنبياً، ولذلك استدعيت عبد الرحمن فرح وأعطيته مذكرة لقادة الانقلاب، قلت لهم فيها إنكم جئتم بالانقلاب ومشاكل السودان لم تخلقها الأحزاب بل هي مشاكل موضوعية: الحرب والاقتصاد الخ، ولن تستطيعوا حلها، أنتم معكم السلطة ونحن معنا الشرعية دعونا نتفق على مخرج للسودان، هذه المذكرة وجدت في جيبي ولكنهم لم يأبهوا بها. بعد سنتين من هذا الكلام جاءني حسن بيومي وهو من المدربين لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية، قال لي من قال لك إن هذا الانقلاب سوداني، هو انقلاب أمريكي.
وما هي حجته؟
●      قال إن الأمريكان عملوه ليطبق الشريعة بصورة فاشلة ويحصل للشعار الإسلامي ما حصل للشعار القومي العربي. قلت له أفهم أن يستهدف الأمريكان إفشال تجربة سودانية إسلامية لكن لماذا تسعى الجبهة الإسلامية للفشل؟ قال الأمريكان لديهم خطة “لعبة الأمم” the game of nations وتقييمهم أن الجبهة الإسلامية من شدة تعلقها بالسلطة مستعدة لأن تركبها ولو على خازوق ولذلك سعوا لاستدراجها لتستولي على السلطة وتفشل.  وأمدني بأسماء ثلاثة ضباط كانوا حلقة الوصل بين الجبهة الإسلامية والقوات المسلحة وكان واضحاً أنهم ليسوا أخوان بل لديهم علاقات خاصة مع الأمريكان منذ عملية ترحيل الفلاشا، فدفعوا الجبهة للاستيلاء على السلطة.
هل من دلائل على صحة كلامه؟
●      يدل على صحة كلامه أنه لم يكن هناك تحضير للانقلاب، وقد اعترف الترابي في حديثه ببرنامج “شاهد على العصر” أنهم جاؤوا للسلطة بدون تحضير لأي شيء. كذلك فإن الشعار الإسلامي الذي ارتبط بالتجربة كان فاشلاً جداً، رفعوه بدون محتوى، كان شعاراً متهافتاً وليس مدروساً، سلطة وليس شريعة.
وحينما التقيت شيخ الأزهر الدكتور محمد طنطاوي عام 1997م سألته عن جواز الاستيلاء على السلطة بالقوة، والمطالبة بالبيعة بعد سنة من الاستيلاء على السلطة، وجواز أخذ الزكاة من الراتب لا بناءً على دراسة لأحوال المزكي، وجواز تصنيف لمواطنين كفار تجوز عليهم أحكام البغي، وجهت له ثمانية أسئلة مستمدة من ممارسات النظام وسألته هل هذا إسلام؟ قال لي سأدرس الأمر لكن جماعة من الأخوان المسلمين طلبوا منه ألا يصرح في الأمر باعتبارها مسائل سياسية.
الجبهة قامت بانقلابها مع أن الحركات الأخوانية في العالم عقدت في يناير 1989م ندوة نشرها الدكتور عبد الله النفيسي وصدر بها كتاب حرره قالوا فيه ينبغي تجنب أي محاولة لتطبيق الشريعة عن طريق الانقلاب العسكري. وكان حسن الترابي موجوداً معهم.  لكن للأسف هناك أشخاص كالشيخ يوسف القرضاوي حينما سئل هل يجوز عمل انقلاب لتطبيق الشريعة؟ قال بفتوى انتهازية بأنه إذا كان كانقلاب السودان فيصح، مع أنه في كتابه “فقه الزكاة” شن هجوماً أساسياً على أية محاولة لإسلاميين لتطبيق الشريعة عن طريق الانقلاب وقال إن الذين يتحدثون عن المستبد العادل واهمون، فالمستبد لا يكون عادلاً والعادل لا يكون مستبداً.
كشاهد عصر ما هي توقعاتك للفترة الانتقالية الحالية وهل ستكون نفس مآلات الفترتين السابقتين، فالظروف تكاد تكون متشابهة؟
●      المقارنة ليست واردة لأن الفترة الانتقالية بعد الانقلاب الأول كانت سنة وصحيح حاولت جبهة الهيئات أن تمدها لكنا هزمنا ذلك، نفس الشيء في ثورة أبريل كانت سنة وفي الحالتين التزمت السلطة القائمة، الآن الفترة أطول، وبعد مرور فترة من الزمن فإن الفترة الانتقالية فاشلة في كل المعطيات، هذا الفشل جعلنا نقول إننا محتاجون للاعتراف بالفشل وعمل صبة جديدة سميناها العقد الاجتماعي الجديد والفكرة أن يناقش العقد في المؤتمر الأساسي وفي رأينا أن هذه هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الفترة الانتقالية من فشلها الواضح الآن. وعرضنا العقد الاجتماعي على كل الأطراف ووافقوا عليه وتكونت لجنة تحضيرية لتدعو للمؤتمر الأساسي لينقذ الفترة الانتقالية من الفشل الظاهر.
هل تتوقع انقلاباً قادماً؟
●      السودان مصفح ضد الانقلابية لكن ممكن جهات مغامرة تحاول، وأعتقد أية محاولة ستكون فاشلة لأنه واضح أن أشواق الشعب السوداني ديمقراطية، وصارت هناك كتل شبابية ونسوية وغيرها معبأة تعبئة شديدة ضد الديكتاتورية لذلك أعتقد أن السودان محصن ضد الحكم الاستبدادي لكن هذا لا يمنع المغامرين. فالمغامر لا يفكر، وأي محاولة انقلابية ستكون فاشلة وتفتح باب سفك الدماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى