حوارات

رئيس جمعية حماية المستهلك الصيدلاني د. ياسر ميرغني عبد الرحمن لـ (الديمقراطي):

الجمعية لم تقم بأي مخالفة

حيثيات القرار مضللة وغير صادقة
جمعية حماية المستهلك غير مرغوب في نشاطها
ضابط ألغى (100) إيصال إلكتروني في شهر واحد بعد استلام المبالغ المادية نقداً

أصدرت السلطات الانقلابية في السودان، قراراً بإلغاء تسجيل الجمعية السودانية لحماية المستهلك المعروفة اختصاراً بـ (جمعية حماية المستهلك)، وتم إيقاف رئيس الجمعية خلال الأيام الماضية، قبل أن يطلق سراحه بالضمانة العادية. ووصف رئيس جمعية حماية المستهلك، ياسر ميرغني، البلاغات المفتوحة في مواجهته بالكيدية، وأنه لا أساس لها من الصحة. وكان قد أصدر المسجل العام لمفوضية العون الإنساني، في الثامن من ديسمبر الجاري، قراراً بإلغاء تسجيل الجمعية السودانية لحماية المستهلك، وكتب حيثيات مضللة وغير صادقة، تتمثل في أن عمل الجمعية مخالف لمبادئ العمل الطوعي، وعدم إيداع التقارير المالية لمدة (3) سنوات، وبيع عدد من الأصول دون علم المفوضية.

حوار – آلاء عبد الرحيم

*لماذا تم إيقاف عمل جمعية حماية المستهلك، وما هي الأسباب؟

هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإيقاف، ولكن الجديد أنه تم إلغاء التسجيل. في عام 2015، تمت مصادرة كمبيوترات وكاميرات تصوير ولابتوب شخصي وماكينات تصوير من مقر الجمعية، وتم إلقاء القبض عليّ كأمين عام، وعلى نائب رئيس الجمعية الدكتور موسى علي أحمد، وعلى الناشطة نسرين علي مصطفى. وكان سبب الإغلاق تناولنا للانتهاكات التي تحصل للأطفال في تراحيل المدارس، تم حجزنا (19) يوماً في زنازين جهاز الأمن، ولكن لم يتم إلغاء تسجيل الجمعية.

خرجنا من المعتقل وباشرنا عملنا، إلى أن قامت الثورة. كنا نعلم أننا غير مرغوبين في المشهد، لأننا دائماً نتحدث عن تقاطعات مصالح المتضررين. ونعلم جيداً أن الفساد يمكن أن يصل حداً إلى أن يلغى تسجيل هذه الجمعية. الجمعية ملك للشعب السوداني، والآن متمثلة في مجلس المنظمة العالمية للمستهلك من 2019 حتى 2023. وعندما استلمنا القرار بالإيقاف، أخطرنا المجلس العالمي، الذي أبدى انزعاجه الكبير مما حدث. السؤال الوحيد كان: هل أنت في أمان (are you safe)؟ وذلك لاستغرابهم من أن الذين يدافعون عن حقوق الناس يتعرضون لمثل هذه المضايقات.

*ما هي دوافع الجهات الرسمية لإيقاف عمل الجمعية؟

القرار ليس له أي دافع، كان الهدف من إلغاء التسجيل استلام الأصول والحسابات داخل السودان وخارجه. هم يعلمون أننا ليست لدينا حسابات خارج السودان، حسابنا داخل السودان وحيد ببنك الخرطوم، تم فتحه عن طريق مفوضية العون الإنساني، ليست لدينا أي اتفاقية جمركية، علاقتنا بمفوضية الشؤون الإنسانية علاقة تسجيل وشهادة فقط، وآخر جمعية عمومية أقيمت في 18 مارس 2021، وإلى الآن نحن مسجلون، والانتخابات القادمة للجمعية سوف تقام في 2024، وبالتالي الجمعية غير معنية بهذا القرار.

*ما هو ردك على القرار الأخير من المفوضية، والحيثيات الجديدة التي وصلت حد فتح بلاغ في نيابة المال العام؟

الحيثيات كاذبة وغير دقيقة ومضللة، تتخلص في:

– إن أهداف الجمعية مخالفة لمبادئ العمل الطوعي والإنساني، تمثلت في العمل الرقابي، مع العلم أن الجمعية تأسست في العام 1997، وأنه من أهم حقوق المستهلك سماع صوته، بمعنى أن تمثل مصالح المستهلكين لدى الجهات الحكومية والجهات الخاصة، والأخذ بآرائهم.

– قيام الجمعية بممارسة نشاطها دون إعادة ترخيصها، “مرفق مستند التسجيل للجمعية للعام 2012″، وأن الجمعية مسجلة لمدة عام كامل.

– عدم إيداع التقارير المالية المراجعة، مع تقارير الأداء لمدة (3) سنوات. وذلك غير صحيح، علماً بأن الجمعية لديها تقارير مالية مراجعة حتى عام 2021.

– الاتهام ببيع عدد من الأصول دون علم المفوضية، وليست للجمعية أصول حتى يتم بيعها. تم بيع دراجة نارية (موتر) في العام 2021، وذلك بموافقة مفوض العون الإنساني السابق، أحمد إبراهيم البشير، “مرفق المستند من المفوضية”. وتم فتح بلاغ ضدي في نيابة الأموال العامة، مثلت أمام النيابة، وتم إطلاق سراحي بالضمان، بعد أن فندت كل الادعاءات. ونسأل: لماذا يكذب المسجل المسؤول؟

*ما هي الإجراءات التي تمت لمقاومة القرار، وما هو رد فعل مجلس حماية المستهلك العالمي.. وكرئيس للجمعية، ما هو سبب الإيقاف الحقيقي؟

في اليوم التالي من استلام قرار الإيقاف، ذهبنا إلى المفوض حسب ما ينص قانون العمل الطوعي 2006. استأنفنا القرار على أن يتم الرد بعد أسبوعين، وحتى تاريخ الحوار لم يصلنا الرد. المجلس منزعج جداً، حتى المجلس العربي استنكر القرار، مع العلم أن الجمعية السودانية لحماية المستهلك هي الوحيدة التي تم اختيارها لتمثل الشرق الأوسط وأفريقيا.

أرى أن هنالك سبباً أساسياً، ولكن جمعية حماية المستهلك غير مرغوب في نشاطها، والقضايا التي أثارتها في الفترة الأخيرة كانت مزعجة لمجموعات مؤثرة. مثال لذلك الورش المغلقة التي أقامتها الجمعية عن مجتمع غير نقدي (cashless society)، والتي لم تجد طريقها للإعلان، وبدأت نشرها على صفحتي الخاصة في الفيسبوك، وقد تمت دعوة (31) بنكاً في السودان للورشة، بالإضافة لعضوية جمعية حماية حقوق المستهلك. الحضور كان (22) بنكاً، والمخرجات أكثر من (33) توصية.

وأيضاً ورشة مغلقة لشركات الاتصالات، ووزارة الاتصالات، وجهاز تنظيم الاتصالات والمصادقة الإلكترونية، ووزارة الداخلية، ووزارة النفط، والمالية، والمخرجات كانت توصيات قوية جداً. وأخيراً ورشة ثالثة لكل الشركات التي لديها تطبيق إلكتروني، وتعتمد الدفع الإلكتروني في معاملاتها. الورشة كانت مغلقة، وتم ختامها بندوة مفتوحة في جامعة المستقبل.

اكتشف مركز النيل، المسؤول من التحصيل الإلكتروني (أورنيك 15)، أن هنالك ضابطاً قد ألغى (100) إيصال إلكتروني في شهر واحد، بعد استلام المبالغ المادية نقداً، وبعد إنهاء المخالصة يلغي العملية، لذلك أقامت الجمعية الورش السابقة. طالبنا أن يدفع المواطن للحكومة عن طريق بطاقة بنكك، أو أي تطبيق إلكتروني. وأيضاً طالبنا بقانون للدفع الإلكتروني، وقانون للتحول الرقمي، وقوانين حماية البيانات.

الحرب القادمة حرب بيانات ومعلومات، وبالتالي من واجبنا تنبيه الجهات ذات الاختصاص، ولكن يبدو أن الفساد أكبر من طاقتنا. كذلك تحركنا مع الجهاز القومي لحماية المستهلك ونيابة حماية المستهلك، وكشفنا عن شركات كبيرة تحمل ماركات عالمية كبيرة، تريد أن تغير تاريخ صلاحية المنتجات (المعجون، والصلصة، والمرقة.. إلخ)، وهذه الجرائم هي اليرقات البيضاء التي تموت بين النيابة والشرطة.

*هذه القضايا وعمل الجمعية بعد انقلاب 25 أكتوبر، هل واجهتها صعوبات، وهل هنالك فرق في الحريات المتاحة والتحركات منذ الفترة الانتقالية؟

في ديسمبر 2021، تم إخلاء مقر الجمعية لعدم قدرة الجمعية على الإيفاء بحق إيجار المقر، والآن الجمعية مستضافة من قبل جمعية حماية البيئة. بعد قرار إلغاء تسجيل الجمعية، تمت دعوتنا من أكثر من (10) جهات وتبرعت لنا بمقر.

إبان فض الاعتصام، حركت الجمعية قضية ضد إغلاق الإنترنت، وفي فترة الامتحانات. بالإضافة إلى قضية زيادة تعرفة الاتصال، وأن جهاز الاتصالات والبريد لا يحاسب الشركات، وهذه من القضايا التي من الممكن أن تؤدي إلى إصدار قرار بإلغاء تسجيل الجمعية، رغم أن القانون ينص على التحقيق إذا كانت هنالك مخالفة، والإنذار ولفت النظر. الآن هنالك حملة للتعديل في القانون، بألا يسمح لشخص واحد بإلغاء تسجيل منظمة.

*هل لقرار حل الجمعية دلالة معينة لها علاقة بالدور الذي لعبته الجمعية إبان إغلاق الإنترنت بعد فض الاعتصام؟

القضايا لا تنفصل، هناك من لهم يد في القرار، مثال، لدينا بلاغ عن الأغذية المحورة منذ عام 2014، تدخل فيه وزيران (وزير العدل السابق محمد بشارة، والوزير عوض حسن النور).

أرى أن الجمعية لم تقم بأي مخالفة تتسبب في الإغلاق، منظمات حماية المستهلك في كل العالم شركات خيرية غير ربحية، ولكن في السودان آثرنا أن تسجل في مفوضية العون الإنساني.

العالم المتحضر يعلم جيداً أن مثل هذه المنظمات يجب أن تكون شركات غير ربحية، نحن لا نبيع ولا نشتري. وفي دول كثيرة، يتم دعم منظمات حماية المستهلك من قبل الحكومات، مثال لذلك في هونغ كونغ، الحكومة تدعم جمعية حماية المستهلك بما يقارب (2) مليون دولار أمريكي سنوياً، ومبنى مكون من (4) طوابق.

مهمة الجمعية عمل البحوث لمساعدة الحكومة في اتخاذ القرار الصحيح، ولكن للأسف في السودان نحن غير مرغوب في وجودنا، لأن الرأسمالية الطفيلية المتوحشة هي الوحيدة الثابتة، والحكومات تتغير. نفس الأشخاص هم الذين يتحكمون في الاقتصاد السوداني، ويعبدون الكراسي.

*بعد القرار الأخير، بشكل جاد، هل فكرتم في تسجيل الجمعية كشركة غير ربحية؟

نعم، والآن نطالب كل (10) أشخاص بتسجيل شركة خيرية غير ربحية لتوعية المستهلك. معركتنا معركة استنارة ووعي، يجب ألا نسمح لأي شخص أن يقف حائلاً دون تحقيق هذا المطلب.

ومن الأسباب التي أدت لإغلاق الجمعية، أننا تحدثنا عن مصالح متضاربة. وقد وصلت الجرأة أن يتم تصديق مدرسة خاصة ليس لديها حوش لعمل الطابور، ويتم عمله في الشارع الرئيسي في مدينة الخرطوم، ويتم إغلاق هذا الطريق الرئيسي بأربعة رجال مرور. هذا فساد، ولا يمكن أن يحدث في أي دولة.

*خلال الفترة الانتقالية، هل أحدثت الجمعية أي اختراقات في أي من الملفات، وهل كان هنالك تجاوب من الجهات الرسمية دون التعرض لمضايقات في العمل؟

نعم، أحدثنا اختراقاً في قانون التعاون وقانون التجارة وغيرها، لكن وصلت القوانين مجلس الوزراء ولم تجز رغم أنها تخطت كل المراحل من النائب العام ووزارة العدل والقطاع الاقتصادي. وأول قانون في السودان يسقط في مرحلة الإجازة، هو قانون التجارة.

إبان حكومة الفترة الانتقالية، وقبل الانقلاب، كان هنالك تعاون محدود بيننا والجهاز التنفيذي. طلبنا من الوزير “مانيس” وبعده “خالد عمر”، توفير مقر للجمعية عبر المراسلات الرسمية، وتم الرد بعد شهرين بأنه لا توجد مقرات، وكانت الجمعية قد استلمت إنذاراً بالإخلاء.

شرحنا لوزير شؤون مجلس الوزراء، باشمهندس “خالد” أن الجمعية محكومة بسياق أخلاقي، ولا يمكن أن تقبل تبرعاً إلا من الحكومة خوفاً من تضارب المصالح مع القطاع الخاص. خلال الـ (10) سنوات السابقة عرضت على الجمعية تبرعات مليارية من القطاع الخاص، تم رفضها. وكنا حريصين على أن تكون مواقفنا متطابقة مع الميثاق الأخلاقي لحماية المستهلك، وأن السودان واحد من (13) منظمة تدير (120) منظمة في (80) دولة حول العالم.

*بعد الثورة، ظهرت منظمة (زيرو فساد) على السطح، وبدأت تمارس نفس نشاط جمعية حماية المستهلك، هل بينكم وبينها أي تقاطعات؟

بعد الثورة، تواصل “نادر العبيد” من منظمة (زيرو فساد) مع الجمعية، طلب التعاون، فوجهناهم بتسجيل المنظمة في الملكية الفكرية، ولكن فوجئنا بالنائب العام يصدر بياناً بخصوص (زيرو فساد) ويقبض على المدعو نادر، وبعدها سمعنا ادعاءات من نادر عبيد بأن الجمعية تتقاضى أموالاً. وعليه، تم تقديم شكوى لنيابة المعلوماتية.

الجمعية حساسة جداً تجاه الفساد، وأي لقاء يمكن أن تكون خلفة فائدة مادية تكون الجمعية حساسه تجاهه. وأي فرد يمثل الجمعية في أي لجنة في المواصفات أو غيرها حافزه المالي فيه نصيب للجمعية.

في كلمة أخيرة، أنا شاكر جداً للإعلام المسموع والمرئي والمقروء، لأنه له الفضل الأول في قيام جمعية حماية المستهلك.

لمشاهدة المقابلة كاملة على يوتيوب عبر الرابط أدناه:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى