حوارات

رئيس اللجنة الوطنية للتعاون والتنسيق مع (يونيتامس) السفير عمر الشيخ لـ(الديمقراطي):

المجتمع الدولي لن يقبل بانتكاس التحول الديمقراطي

يونيتامس أتت لتنفذ ما يطلبه السودان

البعثة شريك أساسي في إنجاح الانتقال

الواجب حتم على حمدوك الاستعانة بالأمم المتحدة

لابد من ابتداع وسائل جديدة لاستقطاب الدعم
———–

بعد شهر من وصول المعزول عمر البشير للسلطة تم فصل السفير عمر الشيخ عن وزارة الخارجية في طليعة ضحايا حملات الفصل التعسفي الذي أطلقها نظام الإنقاذ البائد، الشيخ الذي كان سفيرا في نيروبي التحق بعد شهرين ببرنامج البيئة بالأمم المتحدة، التي عرفته جيدا خلال عمله الدبلوماسي الطويل في الخارجية السودانية والذي تركز على الأمم المتحدة وإدارة المنظمات الدولية. تخرج الشيخ في جامعة الخرطوم كلية القانون قبل أن يعمل بالقضاء لفترة لم تتعد الأربع سنوات ليلتحق بالخارجية، وإبان عمله في الخارجية شارك عمر في أربعة عشر دورة من دورات الأمم المتحدة، وكان خلال ذلك رئيساً للمجموعتين العربية والأفريقية، قبل أن يعمل مساعدا لرئيس بعثة الأمم المتحدة وممثل الأمين العام الشخصي في الصحراء الغربية، الشيخ اختير من قبل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لتولي مهمة رئاسة اللجنة الوطنية للتعاون والتنسيق مع البعثة المتكاملة للأمم المتحدة (يونيتامس)، فقبل بالتكليف كمهمة وطنية أكثر من كونها وظيفة.. في هذه المساحة نلقي عليه عددا من التساؤلات عن البعثة الأممية وطبيعة عملها في السودان، فإلى مضابط الحوار:
<<<<
حوار- محمد عبدالعزيز
تصوير- شالكا
<<<<
• ما المقصود بالبعثة الأممية السياسية؟
في الأمم المتحدة توجد إدارة باسم حفظ السلام تتولى مهمة حفظ السلام في العالم، في يناير 2019 أجرى الأمين العام تعديلات أساسية في عمل الأمم المتحدة تضمنت توزيع مهام حفظ السلام بين إدارتين، الأولى معنية بعمليات حفظ السلام التقليدية (DPKO) عبر نشر قوات في مناطق النزاع ويترأسها الفرنسي لي جان بيير لاكروا، أما الثانية فباتت معنية بإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام (DPPA) تحت رئاسة الأمريكية روزميري دي كارلو، وهذه التعديلات الأساسية في هيكلة الأمم المتحدة لم يستوعبها الكثيرون، بل إن البعض تصور أن البعثة الأممية ستأتي للسودان مدججة بالسلاح والقوات وهذا خطأ. بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) تتبع للإدارة السياسية وبناء السلام، وهناك حاليا نحو 10 بعثات أممية من هذا النوع في القارة الأفريقية (ليبريا وسيراليون ورواندا) كلها تعمل تحت الفصل السادس الذي يمثل معالجة ناعمة يُعنى بتدخل الأمم المتحدة في فض النزاعات المهددة للأمن والسلم الدولي (بالطرق السلمية) والدبلوماسية الوقائية وقرارات مجلس الامن هنا تكون بمثابة توصيات، على عكس الفصل السابع الذي يسمح لمجلس الأمن باستخدام القوة لوقف تهديد الأمن والسلم بما في ذلك فرض العقوبات وقراراته تكون ملزمة، وفي هذه الحالة لا يكون للدولة خيار كما حدث مع السودان في القرار الأممي 1769 الذي فرض بعثة يوناميد في العام 2007، اما البعثات التي تأتي بموجب الفصل السادس فتكون بطلب من الدولة كما حدث مع يونيتامس التي طلبها السودان.
• هذا يقود للجدل الذي أثير حول طلب رئيس الوزراء “يونيتامس” لدعم الحكومة الانتقالية في السودان؟
في 27 يناير 2020 قدم رئيس الوزراء خطابا باللغة الإنجليزية للأمين العام للأمم المتحدة لمساعدة السودان في الفترة الانتقالية، هذا الخطاب أثار جدلا ودعاوى حول جلب الاستعمار والوصاية الدولية بجانب سوء الفهم من البعض، كنت أول المتصدين لعملية الشرح بحكم خبرتي في العمل الأممي وأشرت إلى أنه ليس من حق رئيس الوزراء ولكن من واجبه أن يستعين بالأمم المتحدة لإنجاح الفترة الانتقالية استنادا على المادة 16 في الوثيقة الدستورية الفقرة 2 المتعلقة بتحقيق السلام، والسلام لا يتحقق بالتوقيع فقط بل يحتاج لتنمية…
• (مقاطعة) ولكن حتى العسكريين في السلطة أبدوا تخوفهم من هذه الخطوة؟
نعم وهذا دفع حمدوك لإرسال خطاب ثانٍ بتاريخ 27 فبراير بموافقة أطراف عملية التغيير من مدنيين وعسكريين (المجلس السيادي، والوزراء والقوى السياسية) وهو ما تأسست عليه البعثة لمساعدة السودان لتجاوز تحديات الفترة الانتقالية عبر 8 محاور هي توفير الدعم والمساندة لمفاوضات السلام، والمساعدة في حشد المساعدات التنموية والاقتصادية، وتنسيق المساعدات الإنسانية ودعم جهود بناء القدرات وإصلاح الخدمة المدنية، وتقديم التقني والمادي وتسهيل عمليات نزع السلاح والتسريح وإدماج المقاتلين السابقين في المجتمع، المساعدة في توطيد المكاسب التي تحققت في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق من خلال جهود بناء السلام، ودعم عودة النازحين واللاجئين وإعادة إدماجهم وتحقيق المصالحات بين المجتمعات المحلية ودعم برنامج العدالة الانتقالية، والمساهمة في الانتقال من برامج العون الإنساني لدعم برامج السودان لتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير الدعم لعمليات الإحصاء والسكان والانتخابات.
• هل هناك فرق بين الخطابين؟
فرق بسيط يتعلق بشرح الطلب وفقا للمحاور السابقة، وبموجب الخطاب الأخير أحال الأمين العام للأمم المتحدة الخطاب لمجلس الأمن، ليتم تكوين مجموعة عمل من 80 مؤسسة ومنظمة إقليمية وفرعية لتضع تصورا لعمل البعثة، وبناءً عليه صدر القرار 2524 في الثالث من يونيو 2020 المؤسس للبعثة، وقد تم إدماج المحاور الثمانية في أربع أهداف استراتيجية خرج بها تفويض يونيتامس، وهي دعم التحول الديمقراطي، دعم عملية السلام، والمساعدة في بناء السلام، ودعم تعبئة المساعدات الاقتصادية والتنموية، ليأتي لاحقا فريق لتنسيق عمل البعثة من حيث الوصول وكيفية تحقيق الأهداف.
• كيف ستتعامل البعثة مع بعض الأفكار المسمومة التي تسعى بعض الجماعات لزرعها، مدعية أن البعثة تشكل استعمارا جديدا وأن فولكر سيكون حاكما عاما جديدا للسودان؟
أنا تصديت لهذه الدعاوى منذ فبراير قبل حتى أن أتولى رئاسة اللجنة بحكم خبرتي في المنظمات الأممية، من المهم هنا الإشارة إلى أن القرار الأممي نص في الفقرة الثانية على: “أن تكون البعثــة المتكــاملــة، جزءا من هيكــل متكــامــل وموحــد للأمم المتحدة وبما يتفق تماما مع مبادئ تولي القوى الوطنية زمام الأمور”. إن ملكية البعثة تعود للسودان بمعنى أنها تنفذ ما يطلبه السودان وليس العكس، وهو ما يبعدها عن الإملاء من أي جهة أخرى، وهي تنفذ ما تطلبه من الآلية الوطنية، ونسعى عبر الإعلام لتوضيح الحقائق للرأي العام، أما من يسعى إلى لي عنق الحقيقة فهو في الأساس ضد نجاح عملية التحول الديمقراطي.
• ما هي طبيعة عمل اللجنة الوطنية للتعاون والتنسيق مع البعثة؟
تأسست اللجنة التنفيذية للتنسيق مع يونيتامس بالقرار 228 من مجلس الوزراء بعد يومين من صدور القرار الأممي القاضي بتكوين البعثة، ومكونة من 16 ممثلين لوزارات ومفوضيات وجهات ذات صلة، وتعنى اللجنة حسب التفويض بالتنسيق المباشر بين الحكومة والبعثة الأممية على المستوى الاتحادي والولائي في مجالات عملها المختلفة، وقد آلت إليها مهام الآلية الوطنية للتنسيق مع يوناميد بما في ذلك عملية تصفيتها ومتابعة انسحابها، كما تتولى مهمة التفاوض حول مسودة اتفاق وضع البعثة SOMA ومتابعة تنفيذها، كما إنها تتولى مهمة متابعة إجراءات التجديد السنوي للبعثة من قبل مجلس الأمن وترفع التوصيات للحكومة، اللجنة هي قناة الاتصال لتعاون الأمم المتحدة مع السودان ويمكن تشبيهها بضابط الإيقاع.
• ماذا عن هيكلة اللجنة الوطنية؟
هيكلة اللجنة تتكون من أربع إدارات: السياسية، السلام وبناء السلام، إدارة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وإدارة الدعم (مالي، إداري، معلوماتي، مراسمي)، كما يمكن للجنة تكوين لجان مساعدة حسب مقتضى الحاجة.
• لماذا أغفلتم تمثيل الحرية والتغيير ومنظمات المجتمع المدني والحركات الموقعة علي السلام من لجنتكم؟
عمل البعثة ونجاحه لا يتحقق فقط بالوزارات والهيئات الحكومية، وفي تصوري أن اللجنة منسقة حيث سيتم الاستعانة بالخبراء في مختلف المجالات لوضع الأسس ضمن ورش مشتركة مع خبراء الأمم المتحدة خاصة حول الدستور والإحصاء والانتخابات لتخرج بأفكار العمل الأساسية، والقوى السياسية والحركات والمجتمع المدني ولجان المقاومة كلها تشكل جزءا مهما لنجاح عمل البعثة خاصة فيما يلي بناء السلام.
• كيف يمكن للبعثة الأممية المساعدة في تحقيق السلام الشامل؟
إلى الآن تم التوصل لاتفاق جوبا للسلام، لدرجة ما الأمم المتحدة ساعدت في بعض الأشياء، لكن المطلوب تحقيقه هو اتفاق سلام شامل وهو ما يتطلب مزيدا من الجهود لإقناع عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور وأي أطراف أخرى ليكون اتفاق السلام شاملا، وهو أمر مهم لتحقيق بقية متطلبات الانتقال الناجح، أما عملية بناء السلام كما قلت لك تستلزم عملا جماعيا كبيرا من المجتمع المدني والأحزاب والنساء والشباب وبقية قطاعات المجتمع لبناء السلام.
• هل من الممكن في ظل عدم وجود برنامج محدد تجتمع عليه كافة القوى الفاعلة في الساحة السياسية تحقيق انتقال سلس؟
هذا أمر مهم، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار إن البعثة الأممية ليست معنية بأن تملي على أطراف عملية التغيير ما يجب القيام به، مهمة البعثة تنفيذ المهام الاستراتيجية الأربعة المنصوص عليها في التفويض، ولكن أعتقد أن الأهداف الأربعة متفق عليها من الجميع ولا أعتقد على سبيل المثال أن أحد يعترض على دستور يعكس الواقع الجديد.
• هناك اختلاف في التصورات لمسار عملية التغيير والترتيبات المتصلة بها؟
هذا أمر لا أسأل منه أنا أو البعثة في الأساس بل أطراف عملية التغيير، يونيتامس أتت للمساعدة ما هو إسهاهم، مهمتنا الأساسية كلجنة وطنية التنسيق وتقريب وجهات النظر عبر التشاور السياسي الواسع والاستعانة بخبراء محليين ومن الأمم المتحدة، ونأمل في أن تسهم هذه الجهود في توحيد وجهات النظر لتحقيق الأهداف الاستراتيجية وهو ما سيسهم في نجاح السودان في تجاوز تحديات الانتقال الديمقراطي.
• ما هو تصور البعثة لإعادة الثقة بين المكونين المدني والعسكري وإنهاء حالة التجاذب بينهما؟
بالنظر للأهداف الاستراتيجية الأربعة للبعثة لابد من توافق الرؤى بين الجهاز التنفيذي والسيادي والقوى السياسية، والعمل على تقديم رؤية مشتركة حتى يتثنى للمجتمع الدولي مساعدتنا عبر البعثة الأممية.
• ماذا سيحدث في حال حدوث انتكاس لعملية الانتقال السياسي عبر الانقلاب العسكري أو غيره؟
في ظل المعطيات الدولية الحالية، بات من الواضح جدا أن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة لن يقبل بأي انتكاسة للعملية الديمقراطية في العالم، خاصة بعد وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للسلطة وتصريحاته الأخيرة بعد انقلاب مينامار خير شاهد.
• هل يمكن القول إن يونيتامس ضامن لنجاح التحول الديمقراطي في السودان؟
هي ليست ضامن ولكنها شريك فعلي لمساعدة السودان لإنجاح عملية التحول السياسي عبر إعداد الدستور وإجراء الإحصاء وإقامة الانتخابات.
• التحدي الرئيسي حاليا لنجاح الانتقال في السودان يرتبط لحد كبير بتجاوز الأزمة الاقتصادية، إلى أي حد تشعر أن المجتمع الدولي سيلتزم بدعم الانتقال ودعم تمويل يونيتامس؟
هذا يأتي ضمن الهدف الاستراتيجي الرابع، وتشمل التعاون مع المؤسسات المالية الدولية لحشد المســــــاعدة الاقتصــــــادية والانمائية الدولية، ودعم وتيسير وصول المساعدات الإنسانية، بجانب ضمان التعاون الفعال مع وكالات الأمم المتحدة وبرامجها مع الصناديق الدولية والمانحين لتنفيذ أهداف البعثة وهو أمر لم يعد سهلا في ظل الظروف الماثلة وتأثير جائحة كورونا المستجد على الاقتصاديات العالمية، وكما تعلم في وقت سابق احتاجت بعثة يوناميس لتنفيذ اتفاق السلام الشامل في العام 2005، وبحسب وثيقة تحديد الاحتياجات الأساسية للسودان وتم عقد مؤتمر مانحين في أوسلو وبلغت تبرعات الدول نحو 12 مليار دولار، هذه البعثة لديها نفس الهدف لكن الظروف الاقتصادية أسوأ، لذلك ستواجه تحديات أصعب، لكن هناك مدخل جديد للشراكة مع الدول بدلا عن المنح كما حدث في برلين والرياض وباريس مستقبلا، كما إن خروج السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب سيساعد كثيرا في تسهيل عملية التعاون الاقتصادي مع دول العالم، كما أن المؤسسات الدولية باتت أكثر انفتاحا، لابد من ابتداع وسائل جديدة لاستقطاب الدعم سواء من خلال الشراكات أو من خلال اتفاق دولتين أو أكثر لتمويل مشروع أو قطاع بعينه، وأعتقد أن تعيين فولكر بريتس الألماني الجنسية الذي تم بعد مشاورات طويلة يمثل تأكيدا على التزام المجتمع الدولي بنجاح البعثة استنادا لخبرته الدبلوماسية الطويلة كما أن دولته واحدة من دولتين تقدمتا بمشروع قرار البعثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى