حوارات

رئيس اللجنة الاقتصادية بالأمة القومي الصديق الصادق المهدي لـ(الديمقراطي): ورثنا تركة مثقلة من النظام المباد وفقدنا البترول بـ(جرة قلم)

حوار – ناهد أوشي
تصوير– يحيى شالكا
***
أشار رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الأمة القومي، المهندس الصديق الصادق المهدي، إلى أن الحكومة الانتقالية ورثت تركة مثقلة من النظام المباد، كانت السبب الأساسي في المشكلة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والحالة المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطن، فالسياسات الخاطئة في الثلاثة عقود الماضية أدت للاعتماد على الإنتاج “الدخل الريعي” وإهمال الإنتاج الحقيقي إهمالاً كبيراً، حيث أهملت القطاعات الإنتاجية مما أدى لانهيارها، كما نعيش تبعات الخطر نتيجة لانفصال جنوب السودان والتوقف المفاجئ لصادر البترول، وكان القطاع الخارجي “الصادر” يعتمد تماماً على دخل البترول، إذ يورد للخزينة سنوياً ما بين “8 ــ 10″ مليارات دولار، ما يوازي قيمة الاستيراد، لكن وبـ”جرة قلم” فقدنا هذا الدخل الكبير ودخلنا في عجز أكبر.
واعتبر المهدي الدعم السلعي حيلة لجأ إليها النظام المباد ليسكت الأفواه عن المطالبات وليحافظ على السلطة فقط. وقال إن وضع النظام المباد كان ضعيفاً سياسياً ولا يجد تأييداً شعبياً، لذا لم يكن باستطاعته التعامل مع ملف السلع والخدمات ومخاطبة المواطن لحل المشاكل الاقتصادية.
وربط خطوة تعويم الجنيه بالإصلاحات الاقتصادية. وقال إن الخطوة لابد أن تتم وفقاً لمنظومة الإصلاحات المتكاملة تتكامل مع الاختراق الخارجي الذي تم، وتُكَمَّل بإصلاح داخلي متعلق بإدارة الاقتصاد والإنتاج المحلي وفتح قنوات الصادر، وقفل أبواب التهريب، ووضع رصيد نقدي في بنك السودان المركزي، حينها سيتقر سعر الصرف عملياً، كما تطرق للكثير من الملفات الاقتصادية خلال الحوار التالي.
****
*كيف تنظر للوضع الاقتصادي الراهن للاقتصاد السوداني؟
للحديث عن الوضع الاقتصادي الراهن لابد في البداية من الحديث عن تركة النظام المباد، على الرغم من أن الكثيرين يتحججون بأن مصطلح تركة النظام المباد استهلكت وأصبحت شماعة؛ ولكن في حقيقة الأمر أن تركة النظام المباد ثقيلة جداً، فهي السبب الأساسي في المشكلة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، والحالة المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن الآن، فالسياسات الخاطئة في الثلاثة عقود الماضية أدت للاعتماد على الإنتاج أو “الدخل الريعي” وإهمال الإنتاج الحقيقي إهمالاً كبيراً، حيث أُهملت القطاعات الإنتاجية مما أدى لانهيارها، وهذا خطر نعيش تبعاته نتيجة لانفصال جنوب السودان. والتوقف المفاجئ لصادر البترول وكان القطاع الخارجي “الصادر” يعتمد تماماً على دخل البترول، حيث “يورد” للخزينة سنوياً ما بين “8 ــ 10″ مليارات دولار، وهو ما يوازي قيمة الاستيراد، وبـ”جرة قلم” فقدنا هذا الدخل الكبير ودخلنا في عجز أكبر .
أيضاً من إشكالات النظام المباد تركيزه على التنمية والخدمات في مركز السلطة “الخرطوم”، وأدى ذلك إلى تهميش وإهمال الأرياف والولايات الأخرى، وبالتالي تكدس سكاني كبير في العاصمة، إلى جانب المقاطعة الدولية والعقوبات التي فرضت إدخال السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب والضعف المؤسسي، كلها تركة ضخمة لا يمكن تجاوزها. حقيقة هي أصبحت ماضٍ لكن لابد من البداية من الواقع المرير الذي ورثه سودان الثورة، حيث كان يتطلب التعامل مع هذا الوضع بتغيير جذري وجوهري في هيكل وبنية الاقتصاد والموازنة “طريقة الصرف والإيراد وإدارة الدولة”.
الملف الذي حدث فيه اختراق خلال الحكومة الانتقالية ولابد من الإشادة به هو الملف الخارجي، حيث إن التواصل الدولي الذي تم، وإزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، والاتجاه لإزالة كافة العقوبات المفروضة على البلاد، رغم أنه أتى متأخراً و”رغم العتب” على الإدارة الأمريكية السابقة، إلا أن سودان الثورة كان يستحق إزالته من قائمة الإرهاب بعد شهر واحد من الثورة. كذلك لابد من الإشادة بالتعاون المثمر من شركاء السودان، والترحيب الدولي بالسودان الجديد، والتعاون كذلك مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والصناديق التنموية الدولية والعربية، التي حدث فيها تقدماً كبيراً.
ولكن في المقابل المطلوب هيكلة قطاع الإنتاج المحلي بحيث يحتاج إلى “نفضه” لحل المشاكل الهيكلية المعروفة، فالمنتج محروم ولا يتم تمويله بل يمول نفسه بمعادلات صعبة جداً ويستفيد من عائدات الإنتاج الوسطاء والسماسرة والآخرون غير المنتجين، لذا لابد من تحقيق العدالة والانصاف للمنتجين الحقيقيين ولابد من “قلب” المعادلة بحيث يستفيد المنتج ويتم تمويل الإنتاج .
ما زال أمامنا عمل كبير في الإدارة الداخلية للاقتصاد ودعم المنتج وتأهيل بنيات الإنتاج المحلي، وإصلاح هيكل الموازنة لحل المشاكل الاقتصادية وتحسين الحالة المعيشية للمواطن وتلبية متطلبات الوطن .
*ما رأيك في تشكيل الحكومة الجديدة والمطلوبات خلال المرحلة؟
تحمل الحكومة الجديدة نقاط قوة على رأسها أنها تمثل قاعدة عريضة من الطيف السياسي السوداني، وتم تشكيلها بعد توقيع اتفاق السلام الجزئي، حيث أشركت الموقعون على اتفاقية السلام في السلطة وأتت بعد عبور “مطب الإرهاب” والقيود الدولية ولذلك نجد هنالك ميزات ونقاط قوة صاحبت تشكيل الحكومة الجديدة .
مسألة التعامل مع الأوضاع في السودان خاصة الاقتصادية هي مسألة كبيرة، وتتطلب أن تقف عليها كافة مؤسسات الحكم الانتقالي والمكونات السياسية، فلا تختزل ملفات الاقتصاد في وزارات القطاع الاقتصادي فقط بل المهمة كبيرة ويجب أن تكون هنالك رؤية شاملة من كل المؤسسات والمكونات الفاعلة في الساحة السياسية “مؤسسات الحكم الانتقالي بمكوناته المختلفة والمكونات السياسية في الساحة والأجسام الفاعلة الشبابية والمدنية” لابد من أن تتوافق على عقد اجتماعٍ جديد يحدد من ينتج وكيف ينتج وكيف يوزع عائدات الإنتاج على أهل السودان. هذا يتطلب توافقاً مجتمعياً .
من أوجه الخلل ما ورثناه من النظام المباد مسألة الدعم السلعي، وهي خطوة لجاء إليها النظام المباد ليس لأجل دعم المواطن السوداني؛ بل هي في حقيقتها أن النظام المباد وجد دولة “في عهد الديمقراطية الثالثة” كانت تسمى دولة الرعاية الاجتماعية، حيث كان هنالك دعم للمواطن السوداني، ومنذ العام 1992 تحررت الأسعار ورفع الدعم الكامل عن كل القطاعات “الصحة، التعليم، العلاج”. الدعم الذي نشأ وورثناه الآن كان عبارة عن الفرق في سعر الصرف، خاصة بعد انفصال الجنوب، والخلل الذي حدث في النظام المباد أنه لم يخطط ويحضر البلاد واقتصادها لانفصال الجنوب لأنه اعتماد على “الدخل الريعي” من البترول وبـ”جرة قلم” نفقده، كان لابد من خطط للتعامل مع هذا الفقد الكبير في الدخل والإيراد، لذلك حدثت صدمة لاقتصاد البلاد بانفصال الجنوب وأصبح هنالك عجز في الإيرادات. ووضع النظام المباد كان ضعيفاً سياسياً ولم يحظَ بأي تأييد سياسي، وكان نظاماً معزولاً وضد الشعب، لم يكن باستطاعته التعامل مع ملف المنتجات والسلع وأن يخاطب المواطن بالمشاكل الاقتصادية وتوعية الشعب بالإصلاحات الاقتصادية، لذلك مضى في الدعم السلعي ليسكت الأفواه من المطالبات للحفاظ على السلطة واستقرار النظام في وقتها. يظل الدعم القائم هو نظام غير عادل يستفيد منه أهل المدن والفئات الأكثر اقتداراً “المستهلكون للسلع المدعومة” أما الفئات الأكثر هم أقل استفادة من الدعم، فأكثر من 80% من الدعم يذهب لغير مستحقيه، و20% يذهب للمستحقين وهذا توزيع غير عادل. فمثلا الدعم الذي يذهب للكهرباء نجد أن خدمة الكهرباء يحظى بها حوالي 36% من سكان البلاد من يستفيد من الدعم، أما الـ64% البقية لا يتمتعون بالخدمات، وهذا ليس من العدالة أن تدعم شريحة وتترك البقية بدون خدمات، كذلك في خدمة المياه حيث إن 40% من الشعب السوداني لا يحظى بمياه شرب نقية، لذلك نجد أن هنالك تفاوتاً كبيراً .
كما وأن الحكومة تدعم بطباعة النقد وليس بموارد حقيقية، والطباعة لها آثار تضخمية تتمثل في ضعف القوى الشرائية وتدهور قيمة العملة وزيادة الفقر، كما أن الشرائح الضعيفة هي الأكثر معاناة، أي أن منظومة الدعم نفسها هي سبب من أسباب تدهور المعيشة واستشراء الفقر، وهي من أوجه الخلل الذي يقع على الاقتصاد وعلى المواطن .
*كيف تنظر لسياسة إعادة هيكلة الدعم؟
هنالك تفاوت في الحالة المعيشية ومستوى الفقر، ولكن معظم الشعب السوداني هم من الفقراء، حيث لا تقل نسبة الفقر عن 80%، وشريحة محدودة من الشعب السوداني هي مقتدرة، لكن معظم الشعب محتاج “مع تفاوت درجات الاحتياج” وبالتالي نقدر الصعوبة في الحديث عن رفع أو إزالة الدعم بدون رؤية جوهرية أو إصلاحات جوهرية تؤدي إلى آثار سياسية أو تؤدي إلى اضطرابات، لذلك فإن استمرار الدعم بالشكل الحالي سيؤدي إلى زيادة الفقر ويؤدي إلى الانهيار الاقتصادي ورفع الدعم بـ”جرة قلم” دون تحضير ودون خطط واضحة، كما سيواجه بمشاكل أولها مشكلة سياسية تؤدي للاضطرابات والاحتجاجات السياسية إلى جانب أن رفع الدعم دون احتياطات لن ينتهي، ونصبح كأننا نلاحق السراب لأن الدعم كما ذكرنا هو في سعر الصرف، والفرق الآن ما بين سعر الصرف الرسمي “٥٥” جنيهاً، والموازي حوالي “٤٠٠” جنيه، وكلما رفعنا الدعم سينشأ دعم آخر، وكما حدث في رفع الدعم عن المحروقات سرعان ما غادر السوق الموازي السعر القديم، ونشأ دعم جديد، وكلما طاردنا السوق الموازي دون إصلاحات جوهرية فإن السوق الموازي سيقفز إلى أعلى الأسعار، لذا لابد من وضع رؤية شاملة يتوافق عليها المجتمع السوداني، وإصلاح داخلٍ لإدارة الاقتصاد لدعم وتمويل وإزالة التشوهات التي تعيق الإنتاج المحلي، إلى جانب دعم وتمويل وإزالة التشوهات وفتح القنوات لقطاع الصادر وإيقاف التهريب لأنه “علتنا” الحقيقية في سوء الإدارة، والتهريب الآن من إنتاج البلاد للذهب لا يقل عن “١٠٠ طن” عائدها السنوي حوالي “٦ مليارات دولار” إلى جانب سلع تنتج في الظروف الصعبة والموارد المحدودة والقدرات المحدودة لا تقل عن “ملياري دولار” يعني أن عائد الصادر لا يقل عن “٨ مليارات دولار” وهذا يؤدي إلى معالجة المشكلة واستقرار الاقتصاد من مواردنا الحالية المتاحة.
* أين المشكلة إذن؟
إذن مشكلتنا الأساسية في سوء الإدارة والكبيرة هي التهريب الذي يعاني مشاكل الرقابة والمتابعة ومشاكل السياسات وضلوع الفئات وجهات لديها القدرة على التهريب، وهي فوق المراقبة والمحاسبة وهذه هي “علّات الاقتصاد” لذا لابد من أن تتكامل الأدوار في هذه الجوانب، كذلك لابد من وجود رصيد نقدي لأنه بدون الرصيد فإن أي إصلاحات في سعر الصرف أو ترشيد الدعم سيؤدي إلى قفز سعر السوق الموازي ويصبح الأكثر جذباً لعمليات التحويل ويسحب البساط من تحت السعر الرسمي، لذلك نرى أن كبح هذه المزايدة يتم برصيد نقدي لا يقل عن “ملياري دولار” توضع في خزينة الدولة لكبح الزيادة، يتبعها إصلاح قنوات الصادر لرفد الخزينة بعائدات الصادر، وبهذه الإجراءات سنكون قد خرجنا من “الحلقة الشريرة” وأصلحنا القطاعات الإنتاجية وتم سد عجز الموازنة الكبير، وسينعكس إيجاباً على حياة المواطن، وهذا العمل ليس عمل وزارات بعينها أو حتى وزارات القطاع الاقتصادي؛ بل هو عمل دولة بكل مكوناتها ومؤسساتها المختلفة.
المطلوب من وزارة الخارجية أن تستكمل العمل في الموقف الخارجي المتوازن الذي يمضي فيه السودان بدون أي محاور ودون أي انطلاق لا فائدة لنا منه، والتواصل يتم مع الأطراف التي لنا معها مصالح وفوائد لتحقيق المصلحة الوطنية العليا للبلاد ومصلحة الشعب السوداني .
* تعويم الجنيه السوداني برأيك كيف يمكن أن يحقق الاستقرار الاقتصادي ويكبح جماح الدولار؟
مسألة تعويم الجنيه مربوطة بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة التي هي عنوانها الرئيسي هي تعويم الجنيه، ولكن إذا تمت الخطوة دون منظومة الإصلاحات المتكاملة تتكامل مع الاختراق الخارجي الذي تم ويكمل بإصلاح داخلي متعلق بإدارة الاقتصاد، والإنتاج المحلي، وفتح قنوات الصادر، وقفل أبواب التهريب، ووضع رصيد نقدي في بنك السودان المركزي، وبدون قرار التعويم عملياً سعر الصرف سيسير نحو سعر معقول يؤدي إلى توازن الاقتصاد، ولذلك نرى أن الحديث عن تعويم الجنيه أو حتى اعتماد الخيار الآخر سعر الصرف المرن، فإن أي عمل دون رؤية وخطة متكاملة، والتوجه بسعر الصرف نحو التوازن بين الصادرات والواردات ضمن منظومة الإصلاحات المتكاملة، سنكون وقتها كمن يطارد “السراب” وستصبح تبعات رفع سعر الصرف انعكاساً على الأوضاع المعيشية، ولا يحسن الاقتصاد جانباً آخر، إصلاح سعر الصرف توحيداً وإقراراً لسعر واقعي كما وأن توازن الاقتصاد وإدارة المشاكل الهيكلية فيه من مطلوبات التعاون الدولي الذي بيده مساعدات كثيرة تساعد البلاد في عدة جوانب مهمة على رأسها إعفاء ديون السودان المتراكمة والمساعدات للأسر السودانية، وإزالة الفقر وجذب الاستثمار الخارجي، وهو مهم لجلب تقنيات الإنتاج الحديثة، واستحداث وإنشاء مشروعات جديدة في تشغيل العمارة المحلية وتخفيض نسبة البطالة العالية، وهو من أهم المطالب ومقومات استقرار الأوضاع، لأن الشباب يمثلون ثلثي السكان في السودان، وهم الشريحة الأكثر معاناة من النظام المباد، وهم الشريحة التي صمدت وواجهت النظام المباد وساعدت المجتمع السوداني في إزاحة وتغيير النظام السابق، لذلك هم “من ناحية أخلاقية” أولى بالمساعدة وتشغيلهم وانتفاعهم بخيرات بلادهم، كذلك من ناحية اجتماعية واقتصادية وسياسية فإن تشغيلهم هذا مردود كبير، فشريحة الشباب في السودان إذا تركت مهملة فإنه سيؤدي إلى اضطراب الأوضاع السياسية ولكن حال الاهتمام بها، واستغلال الطاقات الكبيرة في الإنتاج مما يساعد الاقتصاد والدولة السودانية في القفزة الكبيرة بالإنتاج والاقتصاد، وبالتالي يستفيد الشباب والاقتصاد والمجتمع والدولة، وهذا عمل مهم لابد من القيام به إلى جانب مشروعات مكافحة الفقر المختلفة، فإن الأسرة الدولية لديها الخبرة الفنية والمقومات والموارد لمكافحة الفقر ويمكن أن نستفيد منها، لذلك التعاون مع المجتمع الدولي والصناديق الدولية هو أمر مهم للسودان وسيجني فوائد كبيرة مع مراعاة أوجه الخلل والأخطاء التي تمت في الفترة فيما يلي التفاهات مع صندوق النقد الدولي المتعارف عليها (البرنامج المراقب من الصندوق) من خلال الاتفاق الذي حدث مع الحكومة ممثلة في وزارة المالية والصندوق حيث لم تكن هنالك شفافية من جانب الحكومة عن هذا الاتفاق وتم تحاشي الحديث عنه مما جعل جهات سياسية كثيرة تهاجم التعامل مع الصندوق هجوماً غير مبرر وواجه نقداً كبيراً، والنقد متاح ومباح لكن يجب أن يكون موضوعياً، فالشاهد أن التعامل مع الصندوق هو من مرجعيات البرنامج الإسعافي لقوى الحرية والتغيير الذي سلمته للحكومة والذي يتضمن التعامل والتعاون مع الصناديق الدولية لإعفاء ديون السودان والاستفادة من عونها، حيث إن اقتصاد البلاد يحتاج إلى الاقتراض والتعاون الدولي والصندوق مهما ذكر من “علات” التعامل معه، فإن أي تعامل بلا ثمن وليس مبراء وبلا عيب يظل هو أفضل مصدر للقروض التنموية الميسرة، وهي ما يحتاجها السودان بشكل كبير بعد الوضع المزري الذي ورثناه من النظام المباد، مواجهة اقتصادنا ويجب أن يفتح هذا الموضوع بشفافية ووضوح، كما وأن عقب المؤتمر الاقتصادي قد تم نقاش هذا الموضوع بأكثر هدوء وأكثر موضوعية وعلمية، ولكن التداول داخل المؤتمر شهد تهريجاً ومزايدات أثرت سلباً على مخرجات المؤتمر، ولكن تظل مخرجاته مبينة على الورش العلمية الرصينة “١٦ ورشة” التي تم إعدادها بشكل جيد قبل المؤتمر، وتكونت عدة لجان بين وزارة المالية وقوى الحرية والتغيير ممثلة في اللجنة الاقتصادية وحدث نوع من التوافق وتقريب وجهات النظر والتوافق على السياسات والتفاهمات التي يجب أن تتم مع الصندوق فيما يلي السياسات وترشيد الدعم وفي جانب سعر الصرف، والتفاهم ممكن عبر فتح قنواته والاتفاق أفضل من الانفراد بالموقف، لأن الموقف له تبعات سياسية ويتطلب توافقاً مع جهات كثيرة أسميها (مؤسسات الحكم الانتقالي المختلفة والمكونات السياسية والمدنية والشبابية) ولابد من إنزال السلام على الأرض ليستفيد منه المواطن وهذا يطلب مشاركة جامعة من الأطراف المعنية من شركاء السلام، وأن توضع لعملية استكمال السلام فترة محددة. وإشراك دول الجوار “جنوب السودان، تشاد”. المجتمع الدولي على رأسها أمريكا التي لها تأثير على عملية السلام وعلى الأطراف المعنية .
* برأيك ما هي الإصلاحات المطلوبة الآن للعبور بالاقتصاد إلى بر الأمان؟
لابد من إصلاحات اقتصادية على رأسها تحقيق ولاية المالية على المال العام، وهي من أبرز تركات النظام المباد، حيث كان هنالك إهدار وتجنيب للمال العام ونافذة للفساد المؤسسي الذي كان متعمداً لأجل التمكين. الآن علينا عمل كبير في تقوية مؤسسات الدولة واستعادة الهيبة لها وتقوية ديوان المراجع القومي واستعادة كل أجهزة الرقابة “المشتريات الحكومية، المخازن والمهمات، النقل الميكانيكي” يجب أن تقوى وتعود للدولة السودانية لإحكام إدارة المال العام ورقابة الدولة على المال العام، إلى جانب أهمية أيلولة شركات القطاع العام لوزارة المالية، وهنالك شركات يجب حلها بشفافية ودون تغطية للفساد الذي تم، كذلك أيلولة شركات القطاع النظامي “الشركات المطلعة بأعمال مدنية غير عسكرية” لوزارة المالية، المطلوب أيضاً الشفافية في كل الأعمال ومخاطبة الرأي العام بالأوضاع والخطط والبرامج ليكون مطلعاً على الموقف مما يجعله مقتنعاً بالخطط والبرامج والجدية والحزم في تنفيذها ويصبر على المعاناة والضيق الذي يعيشه، وفي إطار إصلاح الدولة السودانية علينا أن نستفيد من العون الدولي، الآن الدول الغربية وبعد الإدارة الأمريكية الجديدة سنشهد تعاوناً من أمريكا ودول مساعدة للسودان وللتحول الديمقراطي بخلاف الإدارة السابقة .
وستكون هنالك فرصة لسودان الثورة في التعاون الاقتصادي مع الغرب، فقط علينا توافق مؤسسات الحكم الانتقالي والحفاظ على الشراكة بين المكون المدني والعسكري وفقاً للمعادلة التي تم التوافق عليها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى