استنارةصفحات متخصصة

د. عمر القراى : شيخ الأزهر ومأزق الفهم السلفي !!

(عمر القراى)

شيخ الأزهر ومأزق الفهم السلفي !!

د. عمر القراى

(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)

صدق الله العظيم

( شيخ الأزهر: الأوروبيون سيدخلون الجنة بغير حساب)

أفتى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بأن الاوروبيين ينطبق عليهم حكم “أهل الفترة” لن يعذبهم الله لأن دعوة النبي محمد “ص” بلغتهم الآن بطريقة ” مغلوطة ومغشوشة ومنفرة” … الطيب أوضح في برنامجه الذي يذاع على التلفزيون المصري وقنوات فضائية أخرى “الناس في أوروبا الآن لا يعرفون الإسلام إلا ما يرونه على الشاشات من قتل وغيره ولذلك ينطبق عليهم ما ينطبق على “أهل الفترة” لأن العلم لم يحصل عندهم فكيف يعذب الله – سبحانه وتعالى- شعوباً مثل الشعوب الأوروبية وهي لم تعرف عن محمد “ص” أي صورة صحيحة وكذلك الحال مع الوثنيين في أدغال أفريقيا الذين لم تبلغهم الدعوة أو بلغتهم بصورة مشوهة ومنفرة وحملتهم على كراهية الإسلام ونبي الإسلام. وأشار شيخ الأزهر الى أن “هناك تقصيراً من علماء الإسلام في تبليغ رسالة الدين السمح الى غير المؤمنين به أو الوثنيين وهذا التقصير من ناحيتين حين سكت عن توصيل الرسالة للناس ومن شاء فليؤمن بعد ذلك ومن شاء فليكفر وحين تم تصوير الإسلام بصورة رديئة مجزأة وملفقة)( صحيفة المصريون 27 يونيو 2016م)

لا شك أن رأي شيخ الأزهر، الذي جاء في الحديث المنسوب إليه، فيه جرأة، وشعور بالمشكلة، لم تتأتى لكثير من الفقهاء، ورجال الدين، وجماعات التطرف والهوس الديني.. وهي محاولة ليخرج بها عما يحسه، من المأزق الذي وضعت فيه ” داعش” وأمثالها، من الجماعات المتطرفة، المسلمين، حين أظهرتهم للعالم كسفاحين، ومهووسين، ومعتدين على البلاد والعباد.. على أن المشكلة أكبر مما تخيل شيخ الأزهر.

إن علم شيخ الأزهر قد قصّر دون ثلاثة إعتبارات أساسية :

الإعتبار الأول هو أن ” أهل الفترة” لا يسامحون عن كل ما فعلوا، حتى يدخلوا الجنة بغير حساب، كما يفهم من حديث شيخ الأزهر.. وذلك لأن كل إنسان محاسب، وهو إما أن يكون ناجياً أو هالكاً، قال تعالى (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)!! ولكن “أهل الفترة” إنما يسامحون بأن لا يحاسبوا على أساس أي دين، لم يبلغهم بلاغاً مبيناً.. ولكن إذا لم يبلغهم الإسلام، فإنهم محاسبون على أساس ما عرفوا من دين، هل هم ملتزمون به ؟! وإذا كانت هناك مجموعة بشرية، لم يبلغها إي من أديان التوحيد، فإن أفرادها يحاسبون على دين التعدد الوثني، الذي يدينون به، وإذا صح أن هناك مجموعة، ليس لها أي دين، وهو إفتراض لمصلحة الجدل، فإن أفرادها يحاسبوا على كل خطأ، ينتج عن مخالفتهم للأعراف الحسنة، لتلك الجماعة .. قال تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) فإذا وضح هذا، فإن الأوروبيين وغيرهم من غير المسلمين الحاضرين، لن يدخلوا الجنة دون سؤال، لأن ما بلغهم لا يمثل الإسلام وإنما هو صورة شائهة، كما قال شيخ الأزهر.. ولكنهم سيحاسبون على ما آمنوا به من المسيحية، أو اليهودية، أو البوذية، أو الهندوسية، أو غيرها، هل هم مطبقون في حياتهم، لما يدعون الإيمان به من أديانهم ؟

الإعتبار الثاني هو أن الأزهر مؤسسة تعليم إسلامية، تعتمد في ما تقدمه لطلابها، على الفهم السلفي للإسلام، وتقوم مناهجها، الآن، على ما ورد في متون وحواشي الفقهاء، قتل الكفار، وبيع الرقيق والجواري، وعتق الرقبة المؤمنة .. وهي لهذا، لا تختلف في فهمها، عن الحركات الإرهابية والتكفيرية، وحركات التطرف الإسلامي، التي عكست الصورة المتخلفة للإسلام، حتى جعلت الأوروبيين، وكأنهم “أهل فترة” كما قرر شيخ الأزهر.

لقد درج الأزهر، على تكفير كل من يتجه إلى التفكير والإجتهاد، مخالفاً فهم السلف .. فقد قام بتكفير الدكتور طه حسين، حين أخرج كتابه “في الشعر الجاهلي”، واشتكاه الى السلطة، وتم التحقيق معه، وإجباره على التنازل عن بعض ما جاء في الكتاب !! كما قام الأزهر بتكفير الشيخ علي عبد الرازق، وطالبه أشياخ الأزهر بإرجاع شهادة “العالمية”، التي منحه لها الأزهر، فأعادها إليهم في ظرف، وقد طنب على ظهرها (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) !! كما قام بعض أئمة المساجد، من خريجي الأزهر، بتكفير الكاتب المشهور نجيب محفوظ، فقام إليه شاب وطعنه، تنفيذاً لتلك الفتوى الجاهلة .. كما أفتوا بكفر الكاتب فرج فودة، فنفذ شابان حكم الاعدام عليه، أمام باب بيته !! وكان الأزهر منذ وقت بعيد، قد كفر الشيخ محمد عبده، رغم أنه من خريجي الأزهر، لأنه نعى على رجال الدين التزمت، والتمسك بالنصوص دون تفكير.. وقام الشيخ محمد عبده مرة بنقد مناهج الأزهر، فقال له أحدهم (ألم تتعلم أنت في الأزهر ؟ وقد بلغت ما بلغت من طرق العلم وصرت فيه العلم الفرد؟ فأجابه الإمام: إن كان لي حظ من العلم الصحيح الذي تذكر فإنني لم أحصله إلا بعد أن مكثت عشر سنين أكنس من دماغي ما علق فيه من ” وساخة” الأزهر وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريده له من النظافة)( محمد عمارة : الإمام محمد عبده ص55-56)

وبالإضافة الى التكفير، درج علماء الأزهر، على إصدار الفتاوى الغريبة المنفرة، التي أساءت إليهم، كما نفرت الشباب من الدين، مثل فتواهم ب”إرضاع الكبير”، أو فتوى شيخ الأزهر الأسبق، جاد الحق علي جاد الحق، في مطلع عام 1995م، بأن خفاض الإناث واجب ديني، وعلى المسلمين مجاهدة أي قبيل من الناس، يمتنع عن ممارسة الخفاض !! ولقد ثارت الحركات النسوية في مصر ضد هذه الفتوى، وهاجمت شيخ الأزهر في الصحف.. أما منظمة حقوق الإنسان المصرية، فقد رفعت شكوى للقضاء ضد شيخ الأزهر، واضطر مفتي الجمهورية، الشيخ طنطاوي، أن يخرج فتوى معارضة لشيخ الأزهر، يقول فيها أن ختان الإناث، ليس واجباً دينياً!! وخرجت مجلة روز اليوسف، بعدد ساخر، جاء عنوانه في الغلاف ( من يصدق الشعب: شيخ الأزهر أم مفتي الجمهورية ؟!) هذا نذر يسير مما سماه الإمام محمد عبده “وساخة” الأزهر ولهذا فإن شيخ الأزهر يجب ان يصلح مؤسسته أولاً قبل أن ينشغل بالاوربيين وهل هم “أهل فترة” أم لا لأن الأزهر يخرج سنوياً الالاف من العلماء والوعاظ الذين ينفرون عن الإسلام.

الإعتبار الثالث وهو الأهم، هو أن التبشير بالإسلام، في مستوى الإسماح، والدعوة بالتي هس أحسن، والسلام والمحبة، واحترام الآخرين، قد جاء في القرآن المكي، قال تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).. ومن هنا، كانت الدعوة في أول العهد بمكة، بالكلمة الطيبة، وعدم الأذى للمعارضين .. وقد أعطى الإسلام، في ذلك المستوى، الذي يمثل أصل ديننا، الحق لكل إنسان، في قبول الإسلام أو رفضه، قال تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). ولكن القرشيين لم يرتفعوا الى ذلك المستوى الإنساني من الدين، فرفضوا الدعوة الطيبة، والحرية الواسعة، التي قدمتها لهم، بل تآمروا على النبي صلى الله عليه وسلم، ليقتلوه، فأمره الله بالهجرة الى المدينة، وكان ذلك إذاناً بنسخ أصول الإسلام الرفيعة، وإحكام فروعه التي كانت مناسبة لمستوى البشرية في ذلك الوقت، وهو ما عبر عنه حال القرشيين .. وجاء القرآن المدني يعطي الفرصة في قتال المشركين، فكان أول ما نزل في ذلك قوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، ثم تدرج الإذن بالقتال، حتى وصل إلى التوجيه الواضح، بقتال المشركين بسبب شركهم، قال تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )، وبناء على هذه الآية، التي عرفت عند المفسرين بآية السيف، والتي نسخت آيات الإسماح، والصبر على الكافرين، جاء الحديث النبوي الشريف ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وأمرهم الى الله). ثم توالت آيات الفروع، من القرآن المدني، تحث المسلمين على العنف والغلظة، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).. ولقد قام قرآن الفروع، بدعوة المسلمين ليكونوا إرهابيين، حتى يخشاهم أعداء الله، قال تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ )، وأن يكثروا من قتل الكفار، حتى يشفوا صدورهم، مما بها من غيظ، قال تعالى ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ* وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)!!

ولقد ساقت حروب الإسلام، الى الأسر، والاسترقاق، قال تعالى( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) وكان الأسرى من الرجال يجعلون عبيداً للمحاربين من المسلمين، والنساء الأسيرات، يوزعن سبايا، على المجاهدين المسلمين، فتقع للواحد العدد من النساء، يعاشرهن دون زواج، ويمكن أن يبيع منهن من شاء، كما ان من يشتري هذه المرأة بماله، من سوق الجواري، يمكن يعاشرها فترة دون زواج، ويمكن ان يبيعها أيضاً.. وهذا المستوى هو ما تطبقه الآن ” داعش” وغيرها من الحركات المتطرفة، وهو المستوى الذي نفر الناس عن الإسلام، كما أشار شيخ الأزهر. ولكن ما لم يستطع شيخ الأزهر أن يرتقي إلى فهمه، ومن ثم مواجهته، هو أن هذا المستوى الذي أعابه، قد جاء به الإسلام، وهو الذي نزل آخراً بالمدينة، ونسخ المستوى الرفيع، الذي نزل أولاً في مكة.

أما الأستاذ محمود محمد طه، فقد قرر بأن النسخ ارجاء، وليس إلغاء .. وهو لا يمكن أن يكون إلغاء سرمدياً، لسببين : الأول إنه لو كان إلغاء دائماً، أصبح تغيير رأي، وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً. والثاني أن المستوى الأرفع في ديننا، قد نسخ بما هو دونه –الأصول نسخت بالفروع -ولا يمكن أن يكون هذا الوضع مستمراً بصورة دائمة، لأن ذلك ينافي الحكمة، ويعارض قوله تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)، فلم يبق إلا أن قرآن الأصول، قد أدخر بالنسخ، ليبعث في وقتنا الحاضر، ويقوم عليه التشريع الإسلامي الجديد، على مستوى الإسماح والسلام .. فإذا صح ذلك، وهو صحيح دون أدنى ريب، فإن السبيل الوحيد لشيخ الأزهر، وغيره من المسلمين، للخروج من المأزق، وتقديم الإسلام بصورة لا تنفر عنه الناس، هو أن يدعوا إلى بعث أصول الإسلام، التي نسخت في الماضي بفروعه، لتكون هي صاحبة التشريع اليوم، بدلاً عن الفروع، التي أصبحت دون قامة العصر الحاضر.. وهذا ما أسماه الأستاذ محمود تطوير التشريع الإسلامي، بالانتقال من فروع القرآن الى أصوله، وهو السبيل الوحيد لتقديم المستوى الإنساني من الإسلام، وهو ما سوف تلتقي عليه البشرية جمعاء.. وفي هذا المستوى، لا يحتاج شيخ الأزهر، أن يعتبر الأوروبيين ” أهل فترة”، حتى ينجوا من العذاب، لأن كل من يؤمن بالله، وباليوم الآخر، ويعمل الخير، يعتبر في هذا المستوى الإنساني، ذو درجة رفيعة عند ربه.. قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) إقرءوا إن شئتم ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ).

د. عمر القراي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى