الرأي

خَشْمَك خفيف ..!

سفينة بَوْح – هيثم الفضل

منذ الصغر تربينا على أن أسوأ ما يمكن أن تتميّز به بين زملاءك وأصدقاءك أو حتى إخوانك أن تكون (قوَّالاً)، أي كثير الفتنة سريع البوح بأسرار من تتبعهم وبالأخص في المواضيع التي تتعلق بالخطايا التي تستوجب العقاب من الكبار والمعلمين وغيرهم، وكنا في الصغر نستاء أن يُنعت الواحد منا بالفتَّان والجبان والسريع الإذعان في الاعتراف بالأخطاء والتجاوزات التي نرتكبها أثناء ممارستنا اللعب في الشارع أو ساحات المدرسة أو أثناء مغامراتنا المتفَّلتة كصبية، وباختصار مطلوبٌ منك إذا وقعت في أسر أبيك أوعمك أومعلمك تحت طائلة خطأ جسيم أحدثته مع رفقائك أن تعترف على نفسك ولا تبوح بأسماء شركائك في الجريمة، فهذا في حد ذاته يُعد نوعاً من البطولة التي ترفع من مقامك في خليّتك التنظيمية أو (الصبيانية)، هذا ناهيك عن حالة الوشاية ضد زملاءك بالتبَّرُع من تلقاء نفسك لدى الكبار أو المعلمين في المدارس، والتي عادةً ما يكون ثمنها أن تحصل على مكانةً مقربة عند الكبار أو للنجاة من العقوبة مقابل فكرة الاعتراف بالذنب أو لمُجرَّد الانتقام إذا كنت على خلاف مع زملاءك، وللحقيقة فإن (القوَّال) يُعاني أشكالاً مختلفة من العقوبات التي تفرضها عليه مجموعة الزملاء وهي أنواع مختلفة من الضغوطات التي تمارس داخل المجتمع الصغير لمجموعة الزملاء أو الأصدقاء، أول هذه العقوبات أن يصير لقب (قوّال) شارتك الأساسية في النداءات والإيماءات التي تأتيك بغتةً، وتارةً عبر القصد والترصُّد، بالإضافة إلى عزلك بعيداً عن دائرة المعلومات والخطط والبرامج خصوصاً تلك التي تحتوي على المخالفات والمغامرات الصبيانية غير مضمونة العواقب، في هذا الاتجاه يُعامل (القوّال) من مُنطلق كونه صغير العقل غير مضمون التصرُّفات، فضلاً عن عدم ارتقائه لمستوى (شرف) مُجازفات ومُشاكسات الصبيَّنة، كل هذا يولِّد لديك إذا كنت (قوّالاً)، شعوراً بقِلة الحيلة والدونية والعُزلة والسجن داخل زنزانة (عدم ثقة زملائك وأصدقائك فيك)، غير أنه من ناحية أخرى قد لا يكون فعل الاعتراف بالخطأ الشخصي أو المقترف بمشاركة آخرين في مخيلة الأطفال والصبية مُصنَّفاً تصنيفاً مُطلقاً على أنه مذمة، فأنت في هذا الاتجاه تجد أن عدم البوح أو المراوغة أو حتى الكذب يتنافى أصلاً مع مجموعة القيَّم التي يحاول الكبار والمعلمون أن يرفعوا من مكانتها في أخلاقياتك النظرية والعملية، مثال ذلك (أن الكذب حرام وأن التستُّر على الجُرم ومن ارتكبه مذَمة، وغير ذلك من القيِّم التي تصُب في هذا الاتجاه)، ولما كان المتخصصون في علم النفس يؤكدون أن شخصية الإنسان وتوجهاته وانتماءاته النفسية إنما تتكوَّن منذ عهد الطفولة فمن الطبيعي أن بعض الكبار ينشأون أيضاَ وفيهم بعضٌ من علامات الانتماء إلى عالم (القوالة)، غير أن الكياسة والدبلوماسية الاجتماعية تقوم بتعديل المصطلح حتى يصبح مستساغاً كأن تقول (فلان والله كلامو كتير)، أو (حاجة فلانة خشمها خفيف)، أو (أعمل حسابك من فلان ده زول ربراب وبتكلم ساي)، أنا شخصياً كلما تنَّحى بي أحدهم جانباً وقال لي (سأقول لك سراً)، أُبادر فوراًبالاعتذر بكل أدب وأقول له بكُل بساطة معليش (أنا خشمي خفيف)، صدقوني أنا أكره (الأسرار) جداً رغم إيماني بأهميتها في حياتنا ولطالما أوقعني الوضوح في الكثير من المشاكل والإحراجات ولكن هذا طبعي ولله في خلقهِ شؤون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى