الرأي

حركة طالبان وليل النساء الطويل

رؤى مغايرة

صباح محمد آدم

بعدعقدين من حرب العصابات والكر والفر عادت طالبان الأصولية إلى السلطة مستفيدة من قرار أمريكي بالخروج النهائي من أفغانستان (فيإطار اتفاق أمريكي)، وهم على أعتاب كابول هرب الرئيس أشرف غني وسط دهشة المجتمع الدولي ذلك قبيل ساعات من إعلانه عبر التلفزيون بأنه سيبقى محارباً ضد طالبان، مبرراً هروبه مؤخراً بأنه حقن لدماء شعب أفغانستان (وهو بالأصح أراد حقن دمه)،كذلك يوضح أنه لايمكن أن تصنع الزعماء ولا تفرض التغيير على الشعوب لمجرد أنك تريد أن تؤسس نظاماً جديداً حتى لو رفع شعارات الديمقراطية، وذلك اتضح أن طالبان دخلت كابول دون مقاومة تذكر من الجيش أو المجتمع المدني الذين لم يدافعوا عن بلدهم وحقهم كشعب فيحياة تتوفر لهم فيها الكرامة والإنسانية، وذلك يدل على أن العلاقة الهشة بين الحكومات التي حكمت أفغانستان بعد سقوط طالبان في ٢٠٠١ وشعوبها فهي حكومات قادتها متهمون بالفساد، لم يتمكنوا من بناء مجتمع مدني قويأو دولة مؤسسات بل ظلوا جميعاً رؤساء وشعباً رعايا تحت حماية حلف الناتو والعلم الأمريكي .

طالبان عادت من جديد أطلقت وعوداً المقصود بها ليس الشعب الأفغاني بل تريد أن تطمئن الغرب وأمريكا تحديداً لتكسب شرعية وجودها،فكان أبرز وعودها أنها تريد السلام وأنها لن تسمح بأن تكون أرض أفغاستان مكاناً لعمل عناصر أجنبية (إرهابية). وعود أخرى تتعلق بالسماح بتعليم وعمل النساء ولكن بشروط الشريعة الإسلامية وأنها ستسمح بالحريات أيضاً دون المساس بالإسلام وإلا سيتم طرد الصحفيين وإغلاق تلك المؤسسات، تلك الوعود التيأطلقوها ربما سيصدقها الغرب والمجتمع الدوليإلى أن يثبت العكس ولكن يصعب على المجتمع الأفغانيأن يصدقها بدليل تدافع الآلاف من الرجال من مختلف الأعمار إلى مطار كابول تعلق بعضهم بالطائرة، في مشهد مؤلم سيظل عالقاً في ذهنك لسنوات والطائرة على وشك الإقلاع بعضهم مات جراء ذلك وبينهم لاعب كرة مشهور. ترى ذلك الخوف من عودة طالبان في عيون الناس المتكدسين على أبواب السفارات الغربية شباب وكهول في منظر مهين ومحزن حتى أنك تتساءل كيف لنظام حكم أن يبني وجوده في ظل كل ذلك الرعب والخوف، رعب سبق أن اختبروه في ظل حكم حركة طالبان الذي حرم كل شئ، حطم تماثيل ظلت ترقد لقرون وهي تشكل حضارة الشعب الأفغاني لأنهم قد رأوا فيها مجرد أصنام، أمروا النساء بعدم الخروج مطلقاً من المنزل حتى لو كان ذلك لقضاء الاحتياجات المنزلية، فلن تخرج للشارع إلا برفقة محرم، حرموا الاستماع إلى الراديو ومشاهدة التلفار أصبحت جريمة، كيف لأحد أن يصدق أن مثل هؤلاء يمكن أن يتغيروا. لقد قضوا ٢٠ عاماً وسط الجبال يحاربون، لأن التغيير يحدث بالتعليم والتعلم وتبادل التجارب، كيف يستوي ذلك مع حركة الطالبان وهم من تلقوا تعليماً دينياً متزمتاً مؤمناً بأن الآخرين المخالفين كفار يجب قتلهم…الإسلامويون يطلقون الأكاذيب لأن قناعتهم بأنهم يريدون أن يصلوا عبره إلى غايتهم وهو فرض رؤيتهم المتزمتة، فهم يدركون أن الناس لن ينصاعوا لهم وسيقاومون لذا الكذب والتزوير غاية لهم للوصول إلى السلطة، لقد اختبرنا ذلك طيلة ٣٠ عاماً في حكمهم في السودان.

عشرون عاماً مضت على سقوط طالبان ولا أنسى لحظة السقوط في ٢٠٠١ ومشهد الفتيان وهم يهرعون إلى صوالين الحلاقة لحلق اللحى التي فرضتها طالبان بالقوة، كما فرضها الإسلامويون في بداية عهد الإنقاذ في السودان، ورأينا كيف أن ضباطاً في الجيش ومعلمين وغيرهم أطلقوا لحاهم حتى أطلق البعض تهكماً على اللحية عبارة دعونيأعيش …لذا أرى أن دعوات العالم لطالبان بأن تحترم حقوق الإنسان والنساء ستكون محض هراء.

يعرف الطالبان أن ٢٠ عاماً مضت على إبعادهم وأنهم لابد أن يهادنوا العالم طمعاً في القبول بنظامهم وأيضاً تلقي المساعدات ولكنهم لن يسمحوا بالحريات،إلا فيإطار ضيق ووفقاً للشريعة من منظورهم الخاص كمتشددين .

الآن حركة طالبان مواجهة بجيل مختلف عن السابق نساء وفتيان تلقوا تعليماً عالياً امتهنوا مهناً مختلفة نساء أصبحن يعملن في مجال الإعلام الطب الفنون العلوم الحديثة، صحيح أن هنالك الآلاف يرغبون في مغادرة أفغانستان ولكن ستظل الغالبية موجودة داخل أفغانستان، البعض بلاشك سيتحمل المخاطر وسيقاوم حركة طالبان وقراراتها التعسفية ورؤيتها الأحادية. وقد بدا ذلك في جلال أباد وغيرها من المدن حيث رفض المتظاهرون استبدال علم أفغانستان بعلم حركة الطالبان حيث أن الحركة أول شئ فعلته عند دخولها البلاد عملت على إنزال علم البلاد، مايدلعلى اختزال دولة في حركتهم. ووفقاً لذلك يصبح الناس ملزمين شاءوا أمأبو تحية علم الطالبانتلك إشارة غير جيدة للمجتمع الأفغاني وللمراقبين الذين يعولون على أن طالبان اليوم ليست قبل ٢٠ عاماً ..وسط كل ذلك تظل النساء هن الحلقة الأضعف فهن الأكثر تعرضاً لكل أشكال العنف وهن اللواتي ستضيع حقوقهن. الآن بدأت هنالك مقاومة من بعض نساء أفغانستان لحركة الطالبان ولكنها ستظل مقاومة يمكن قمعها مالم تجد مساندة من المجتمع المحلي والدولي ومن المجتمع المدني الأفغاني، فإذا كانت طالبان تعلن بأنها ستمنحهن الحقوق الأساسية كالتعليم والعمل وتظهر ذلك كنوع من حسن النوايا تجاه حقوق المرأة، ماذا عن الحقوق الأخرى من الحق في الزواج والاختيار والحق في الخروج للفضاء العام دون محرم. كوابيس ستمر بها النساء والشعب الأفغاني من سلوك أفراد الحركة المتزمتين ما يتعلق بفهمهم لمسألة الحريات، وصعوبات أيضاً ستواجهها حركة الطالبان تتمثل في كيف تتحول إلى دولة مؤسسات، وكيف ستقنع المجاهدين المتزمتين بالحقوق المدنية للمواطنين الأفغان بمن فيهم النساء اللواتي ينتظرهن ليل طويل حالك السواد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى