الرأي

حتى لا نعود ونلعن أبو البلد

من منكم لم يتلفظ سرا وجهرا بكلمة (يلعن ابو دي بلد) ويكررها يوميا ومنذ أن كان طفلا ربما وحتى هذه اللحظة أيا كان عمره، وتستقبل البلد يوميا الكثير من اللعنات بعدد سكانها ليل نهار، أتعلمون لماذا؟ لأن أي مواطن لديه ألف سبب يجعله (يلعن أبو البلد) التي أهدرت سنوات عمره بسبب الفقر والجهل والمرض والعطالة وكثرة المعوقات التي تسد أمامه الطريق وتحبط همته، أغلب دول العالم وصلت قمة التقدم وجعلت شعوبها تتمتع بقمة الرفاهية، ودولتنا ما زالت كسيحة تعيش حياة القرون الوسطى، لا شيء يعزي به الكثيرون أنفسهم غير أن يلعنوا أبو البلد واليوم الذي أوجدهم فيها ثم يسعون الى الهروب كخيار أخير، وليس هناك أحد لديه شيء للبلد ويظهر هذا في سلوك المواطنين الذي وصل منتهى التخلف والبربرية والأنانية إلا من رحم ربي.
وصلت الدولة السودانية الى هذا الحال بسبب الحكومات الوطنية التي تعاقبت على حكم السودان دون فرز، فهي كلها لم تقيم المواطن ولذلك لم تهتم بتأسيس دولة تلبي حاجات الشعب وأحلامه وطموحاته، فالعسكر والأحزاب ظلوا يتصارعون على حكم البلد ولا زالوا دون أن يكون لهم هدف واضح غير إرضاء رغباتهم وخدمة مصالحهم، متجاهلين أن هناك شعب يحتاج دولة مكتملة الأركان من خلال بناء مؤسسات فاعلة، ولكن لا حياة لمن تنادي. 65 سنة والحال يسوء بشكل مستمر ووصل قمة السوء في عهد النظام المخلوع الذي اختطف الدولة واستفرد بها وسخرها لخدمته، وهو بذلك انتهى حتى من أدائها الضعيف الموروث من الاستعمار الإنجليزي.
لم تنفجر ثورة ديسمبر إلا لأن الشعب لم يعد يرى دولته وشعر أنه أصبح يعيش في غابة وحشها المفترس هو الدولة نفسها، حتى عاد الناس الى التكتلات البدائية لحماية وجودهم ما أدى إلى ظهور الكراهية والعنصرية وغيرها، وطبعا كل هذا لا ينفي أن هذه البلد (الملعون أبوها) تمثل وطنا يلبي رغبات أبنائها ويزرع الأمل في داخلهم بأن يأتي اليوم الذي تعود فيه الدولة إليهم حتى ولو من خلال معجزة غير متوقعة، فالتاريخ لم يذكر أن قهر الشعوب يدوم، وهذا ما فجر ثورة ديسمبر التي استردت الدولة السودانية فعلا وأعادتها الى الشعب الذي أصبح المطلوب منه بناءها والمحافظة عليها من خلال القيام بواجباته تجاهها ودفعها هي لتقوم بواجباتها تجاهه دون تراخٍ، وأعتقد أن الحكومة التزمت ببناء الدولة، ولكن بعض المواطنين ما زالوا يعيشون في حالة انفصال عنها كما كانوا قبل الثورة غير قادرين على استيعاب التغيير الذي أحدثته ومن ثم عجزوا عن تغير سلوكهم تجاه الدولة، وهؤلاء يتم استغلالهم من قبل كوادر النظام المخلوع لإيقاف مشروع الدولة الماضي الآن حتى يسهل له اختطاف الدولة مرة أخرى.
لقد حان الوقت ليتحمل المواطنون المسؤولية ويتغير سلوكهم تجاه دولتهم التي افتقدوها سنين طويلة، وذلك من خلال بناء علاقة قوية معها واحترامها والالتزام بالواجبات الوطنية تجهاها ودعم قيم الخير والتعاون والسلام والمطالبة بالحقوق دون التسبب في إيذائها أو إيذاء الآخرين، فلا يمكن للدولة أن تحقق عظمتها إلا إذا توصلت مع المواطن إلى فهم راشد للعلاقة بينهما، فالدولة القوية تستمد قوتها من المجتمع وهي بذلك تضمن له الأمن والاستقرار، وحتى لا نعود ونلعن أبو الدولة يجب أن نفهم أن العلاقة بين المواطن والدولة مهمة جدا حتى لا تختطف الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى