الرأي

جنرالاتنا وخارطة طريق جزر قمر الأسوانية

محمد أحمد الفيلابي
لكأنها عدوى التثاؤب، وذلك الاستسلام الكامل لشهوة الصدر، ثم تلك الطريقة في عبّ الهواء، والفم مفتوحٌ على آخره، قد تتحرك الكف لتغطيته منعاً لدخول الشيطان، وقد لا.
هذه الحالة التي نعيشها من الاستسلام للأسى، وربما الغبن، تتفاقم يوماً بعد يوم في ظل توفر مضخّات ذرات التثبيط والإحباط في الصدور والعيون، وعلى الصحائف والشاشات الكبيرة والصغيرة، الخاصة و(الرسمية). آلاف من الأقلام والأفواه والحلاقيم، ومثلها وأكثر من الأصابع التي تزحف على لوحات الهواتف والحواسيب، وبلا رقيب، تضخ غلاً وحقداً، كذباً وتدليساً.
كل الحشرات التي كانت تزحف في العتمة أغراها ما شهدته وخَبِرته من تكاسل وتباطؤ في هشها، للخروج علناً، إذ ها هي تزحف في كل مكان، حول الكراسي وتحت سور القصر وظلاله، وبقرب الأحذية العسكرية دون خوف من دهسها وتحطيمها. خرجت تبث فحيحها وصريرها وطنينها، و(هترشتها)، تفجعنا بدبيبها و(حترشتها).
بين الركام استطاعوا أن يضعوا لنا رسالتهم.. (لن يأتي أفضل مما مضى.. لكن قد يحدث ما هو أسوأ مما حدث، ويحدث الآن).. هكذا بعثروا المقولات التي كنا نعرف، وأعادوا صياغتها لعلمهم أن البسطاء في لهثهم، باتوا لا يفرقون بين رائق الكلام والآسن منه، بين الحديث القدسي ومقولات منظري السلطة الكذبة المنافقين، وبينهم من يعترف بكذبه. أولئك الذين اجتزأوا من الآيات ما يصادف هواهم، ويفتح عليهم بركات القنوات المفتوحة على رزق الآخرين.
منظروهم دسوا بين ثنايا رسالتهم ما يشبه التهديد من مصير وصل إليه سوانا في الإقليم، وحاولوا أن يقولوا لنا إن الأمر يشبه بعضه.. ألم تأتِ (رابعة العدوية) إلى ساحة القيادة العامة بذلك السيناريو المماثل؟.. وانفتح لهم الطريق بتوجيه من الكبار. ألم يظن هذا أنه يشبه ذاك حتى في الاسم؟ ألم يعترفوا بضلوعهم في الأمر الكارثة بما لا ينسينا كذبهم حين (نكروا)، ثم (مكروا).. ونسوا أن الله (خير الماكرين)، وأنه جل وعلا (خير الحافظين)؟ وأن المكر الرباني لم يأت إلا بعد مكر الخلق، بيد أن في مكره إحقاق للحق، ونصرة للمظلوم، وإخراج للنور المبين، فيما كان مكرهم قتلاً وسحلاً وإغراقاً لأبناء جلدتهم، واغتصاباً وفظائع ما عرفناها إلا معه.
فيم يتسابقون؟ وعلام يتدافعون؟ هل يخافون حدثاً ما؟ لماذا نراهم يسابقون الأيام ليفعلوا ما لا يجوز فعله عبرهم وفقاً للتواثق على تلك الوثيقة، وإن امتدت إليها الأيدي؟ ثم ما هذا القصور في الرؤية حين الاعتراف بالفشل من قمة هرم السلطة؟ ألم يدرك بعد أنه المسؤول الأول؟ ولماذا محاولة إلقاء اللوم على الشريك؟ ثم ألم يدر بخلده أو (يظن ظناً) أنه قد يكون مساقاً إلى مثل هذا القول تمهيداً لحرق أوراقه والتخلص منه مثلما فعلوا قبلاً مع عرابهم الكبير؟ هل يأمن مكائدهم، أم أنه جزء من المكيدة على غرار (اذهب إلى القصر رئيساً، وسأذهب إلى السجن حبيساً)؟
غالبت قبل أيام وكابدت لمتابعة حوار (فج) في القناة الرسمية (جداً) في العهد الديمقراطي تأتي بالرأي كله، وبالقليل من الرأي الآخر (إن كان رأينا آخراً). كان الحوار حول مجلس الشركاء مع ضيف (لم أتعرف على اسمه)، وقد كان المحاور يناديه بالسيد اللواء، وهو في جلبابه الذي ينوء بجسده، وحمدت الله أنه عاجلني بما جعل إصبعي يدوس (لا إرادياً) على زر الانتقال إلى قناة أخرى، فقد طفرت منه صفة (رئيس الجمهورية)، وهو يعني السيد البرهان، تلعثم وصحح خطأه، إلا أنه كان في الأمر برهان على أن هناك من يعد لإلصاق هذه الصفة به. الضيف يخطئ في وصف البرهان بأنه رئيس الجمهورية على القناة الرسمية، ويمر الأمر كأنه لم يحدث. وحتى أكون أكثر دقة لم أجد أحداً يشير إلى الأمر حتى الآن.
الوصية النادرة التي خطها الأسواني (المصري اليوم 8 مايو 2011) باتت هي خارطة الطريق غير المعلنة للجنرالات في المجلس السيادي في بلادي، ولعلهم لا يدركون أن من تداولوها على منصات التواصل الاجتماعي من عامة الشعب يحسبون عليهم الخطوات، ويصححون الأخطاء (ساخرين) من قصر النظر. الأسواني يا سادتي كتبها (ساخراً) لأنه ليس قلماً من أقلام السلطان. أو قل كتبها (قصداً) ومنحها (سراً) للعسكر في مصر، فهل يصلح ما حدث هناك ليحدث هنا (طبق الأصل) وبالتفاصيل المُملّة؟
كتب الأسواني مخاطباً الجنرال خطوات الاحتفاظ بالسلطة.. احتفل بالثورة والعن الديكتاتور المخلوع.. واحتفظ بالنظام القديم كاملاً، واترك أحوال البلد تتدهور حتى تصل إلى الحضيض، ثم اضرب وحدة الثوريين وفرّق بينهم، حاصرهم وشوّه سمعتهم، ثم وجه ضربتك القاضية. وكان قد بيّن وفصّل كل خطوة في مقاله ذاك، وذيّل بملحوظته..
“خطرت لي فكرة هذا المقال وأنا أقرأ عن تاريخ الثورات في جمهورية جزر القمر، وبالتالي لا علاقة للمقال بما يحدث الآن في مصر بتاتا.. الديمقراطية هي الحل”. وإن كان جنرالاتنا ومسانديهم من المدنيين هنا يظنون أن جزر القمر تعني السودان.. فهذه تصبح المصيبة الكبرى التي تستدعي إعادة هؤلاء لفصول الدراسة وحصص الجغرافيا والتاريخ. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى