اقتصاد

جذب الاستثمار الأجنبي: نحو استراتيجية أنجع لتعظيم المردود المنشود! (1)

د.علي موسي علي

إشادة واجبة:

الإشادة بالجهد المقدر العظيم الذي قامت به اللجنة الفنية المصغرة المكلفة بإعداد قانون الاستثمار الجديد وسعيها الحثيث لمعالجة بعض الهنات التي تضمنها قانون الاستثمار السابق للعام ٢٠١٣م. كما نثمن الجهود المقدرة التي تقوم بها وزارة الاستثمار والتعاون الدولي رغم ضعف الميزانية فالقصد هنا ليس الانتقاص من جهودهم المبذولة بل التنبيه لبعض مواطن الخلل ومكامن القصور من أجل ابتكار الحلول والمعالجات فالهم واحد والهدف مشترك والغاية الوطنية مقصدنا وما أسماها من غاية.

تقديم:

يقال السياسة علم الواقع والاقتصاد علم البدائل والركيزة الأساسية في الفكر الاقتصادي هي الفاعلية وتعظيم الفوائد اقتصادية كانت أم مجتمعية، إذن العبرة ليست في تحقيق النتائج المنشودة فقط بل في “تعظيم المردود” وهذا هو بيت القصيد في هذه المقاربة عن حال الاستثمار في السودان فالعبرة ليست في جذب المستثمرين بل في جذب شركات الاستثمار العالمية المرموقة “ذات الجودة العالية” التي تمتلك القدرات الفنية والتقنية المتطورة والنظم والمهارات الإدارية الحديثة في إدارة المشاريع بمهنية واحترافية وكفاءة وفاعلية عالية المستوى بما يعظم من المردود الاقتصادي ويضاعف من قيمتها المضافة المتوقعة المتوافقة مع هدف الدولة الاستراتيجي في تحقيق التنمية المتوازنة المستدامة Sustainable Development Goals (SDGs)

أنواع الاستثمار الأجنبي:

بصفة أساسية هناك نوعان من الاستثمار الأجنبي هما:

١. الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment-FDI

٢. الاستثمار في الأوراق المالية Portfolio Investment

حديثنا هنا يقتصر على النوع الأول أي الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يطلق عليه اختصارًا FDI

لماذا الاستثمار المباشر؟

الأهداف الخمسة الرئيسية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر FDI هي تحقيق الفوائد التالية:

 جذب التدفقات النقدية من العملات الصعبة.

 خلق الفرص الوظيفية في الدولة المضيفة.

 تطوير المهارات الفنية والتقنية المحلية.

 جلب التقنيات الحديثة المتطورة.

 اكتساب المهارات الإدارية الحديثة.

أيضًا هناك فائدة أخرى إن كان بدرجة أقل هي إحلال الواردات ولكن هذه عادة تتعلق بالبلدان ذات الكثافة السكانية العالية ومستويات الدخل المرتفعة لذلك هذه النوعية من الاستثمارات يقوم بها بالعادة القطاع الخاص الوطني وليس الأجنبي في بلدان مثل السودان.

تحليل بيئة الاستثمار في السودان:

يعمل الاستثمار في بيئتين متداخلتين لا انفصام بينهما هما البيئة الداخلية والبيئة الخارجية خاصة الإقليمية لتأثيرها المباشر على البيئة الداخلية ونعني تحديدًا المنافسة الشرسة على جذب الاستثمارات الأجنبية وتوجيه رؤوس الأموال نحو الدولة المضيفة -Host Country ففي ركاب عالم العولمة والاتصالات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لا يمكنك تجاهل البيئة الخارجية -خاصة الإقليمية – وعدم أخذها في الحسبان عند مناقشة وتقييم سياسات جذب الاستثمار الحالية في السودان.

بحكم التخصص في هذا المضمار والخبرة المهنية الممتدة والشغف الشخصي والمتابعة اللصيقة لشأن الاستثمار في البلدان عامة وفي وطني السودان بصفة خاصة وفوق ذلك “شيل الهم الوطني” لا أملك إلا أن أشعر بالحزن لما أعتري شأن الاستثمار في السودان طوال العقود الخمس الأخيرة حيث لازمت سياسات الدولة لتشجيع وجذب الاستثمار الأجنبي سبع سمات ظلت تكرر نفسها لنحو خمسة عقود متتالية هي:

١. اعتلال عملية إدارة جذب الاستثمار من الناحية الفنية البحتة.

٢. اختلال استراتيجية جذب الاستثمار بالتركيز المفرط على منح الحوافز.

٣. تدني الطموح الرسمي للدولة بالاكتفاء بالحد الأدنى على حساب النوعية والجودة دون النظر إلى المردود خاصة في ناحية خلق الوظائف والقيمة المضافة أي المردود الاقتصادي من الإضافة النوعية وتنويع القاعدة الإنتاجية حيث إن جل الاستثمارات الزراعية كانت في زراعة البرسيم!.

٤. ضعف الجهد الترويجي وانكفائه على آليات الترويج التقليدية التي ما عاد لها من أثر يذكر في عالم “الرقمنة” والثورة الرقمية التي تنتظم دول العالم قاطبة خاصة في مجال التسويق/الترويج.

٥. البطء الشديد في إصلاح بيئة الاستثمار خاصة الإجراءات الحكومية.

٦. عدم الاهتمام بالقدر اللازم بتأهيل القطاع الخاص السوداني والشركات الوطنية وتهيئتها بالمستوى اللائق استعداداً لخوض غمار المنافسة أو المشاركة مع جهات الاستثمار الأجنبي.

٧. عدم توظيف السياسات الرسمية بالقدر الكافي لتشجيع ودفع الاستثمار المشترك في المشاريع بين المستثمر والأجنبي والقطاع الخاص الوطني Joint Ventures بطريقة طوعية دون أي إملاء من الدولة عن طريق منح حوافز ومزايا إضافية خاصة لمشاريع الاستثمار المشترك وذلك لتطوير ورفع مستوى كفاءة أداء شركاتنا الوطنية.

البيئة الخارجية:

البيئة الخارجية (من منظور المستثمر الأجنبي) تتعلق بثلاث عوامل رئيسية هي:

١. المؤشرات الاقتصادية الكلية للاقتصاد السوداني.

٢. المنافسة الإقليمية على الاستثمارات الأجنبية.

٣. الصورة الذهنية عن البلد المضيف (أي البيئة الداخلية).

العامل الأول من وجهة المستثمر الأجنبي البحتة فأن المؤشرات الاقتصادية الكلية الحالية للسودان تعتبر جيدة لحد ما نتيجة للإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي قامت بها الحكومة الاقتصادية بعد ٣٠ سنة من الخراب المنظم والتدمير الممنهج، لكن يبقي أكبر هاجس لدى أي مستثمر وهو معدل التضخم (حاليا فوق ٤٠٠%) الذي يعتبر عدو الاستثمار الأول وكما يقال في دوائر الاستثمار (إذا دخل التضخم من الباب خرج الاستثمار من الشباك)، لكن الحكومة الانتقالية مدركة لهذه المعضلة وتسعى جاهدة للسيطرة أولاً على معدل التضخم ثم السعي بعدها لخفض هذا المعدل الفاحش.

العامل الثاني قل ما يتم الإشارة إليه عندنا وهو المنافسة الأقليمية علي جذب الاستثمارات الأجنبية فلسنا الدولة الوحيدة في القارة التي تملك الماء والأراضي الخصبة غير المستغلة خاصة في إقليم شرق إفريقيا فهناك أوغندا وتنزانيا، والثانية خرجت هذا العام من ضيق الدولة ذات الدخل المنخفض إلى رحاب الدولة ذات الدخل المتوسط المنخفض وتطمح إلى الارتقاء إلى مصاف الدولة ذات الدخل المتوسط خلال السنوات القليلة القادمة، ولعله من المدهش حقا أن يتم عندنا وضع قوانين وسياسات لجذب الاستثمار دون الأخذ في الاعتبار ما يحدث في الإقليم من منافسة على ذات الاستثمارات!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى