الرأي

تغييب العدالة بالقضارف واحتمالات إشعال الفتنة

جعفر خضر
لا يزال رئيس الجهاز القضائي بالقضارف عبد الرحمن الجيلي هو نفسه الذي كان في الموقع منذ عهد المخلوع البشير، ولا يزال وكلاء النيابة المنسوبين للنظام البائد من أمثال مجدي حسن يتسنمون مواقعهم رغم أنهم كانوا يمثلون هيئة الاتهام التابعة لجهاز الأمن أيام محاكم طوارئ البشير.
لذلك ظلت ملفات الشهداء والجرحى معطلة بالقضارف، بل أن العدالة برمتها تعاني من اختلالات عميقة، وهنالك العديد من النماذج نتعرض لأحدها في هذا المقال.
اعتدى “مجاهد” على “كامل أحمد محمد الضو” يوم 22/8/2018 أمام باب بيته بقرية غريقانة محلية باسندة بولاية القضارف، على خلفية إشكال يتعلق بأرض، ويرى كامل أن أصل المشكلة حول بئر ماء موروثة، وتسبب الاعتداء في أذى جسيم، وتعطيله عن العمل منذ ذلك الوقت وإلى الآن .
ولكي يواصل كامل علاجه ويواصل تقاضيه اضطر لبيع ممتلكاته، فقد باع (سيخ، وأسمنت، وخرصانة، وطوب، وموتر، ودراجة، وعدد 2 خزان ماء، وبابور ماء، وبراميل).
تماطل وعبث المتحري بكنينة بأوراق القضية، وقام كامل بشكوى ضد المتحري للإدارة القانونية بالقضارف متهماًإياه بسحب التقارير الطبية لمصلحة المتهمين وتجاهلت الإدارة القانونية الأمر، ثم شكا المتحري ورئيس قسم كنينة لمدير الشرطة بالخرطوم ولا حياة لمن تنادي.
تجاهل القاضي كل المستندات الطبية التي أودعها كامل داخل المحكمة، وزعم القاضي أن ليس هناك تحويل طبي للخرطوم، وزعم أن الشاكي عجز عن دفع رسوم القضائية بخصوص التعويض، وفي حقيقة الأمر أن الموظفين لم يستلموا الرسوم عندما هم كامل بدفعها ظناً منه بأهمية الدفع. ثم حكم القاضي على مجاهد، لكن باعتبار أن ما جرى مشاجرة بالمادة 142، في حين أنه اعتداء جنائي بالمادة 139 حسب شهادات ووقائع.
اشتكى كامل – إدارياً – المساعد شرطة محمد بشير كنقريبة المتحري بقسم شرطة كنينة (رئيس قسم شرطة أم خراييت حالياً) بجريرة سحب أورنيك ٨ الحقيقي والإتيان بأورنيك من المتهمين، كما سحب تقارير طبية وغيّر أقوال شهود الاتهام !! وكذلك اشتكى عبد الله مايو بالمباحث، ومعتصم أحمد دقوش، وحسين زكريا، اشتكاهم لمدير شرطة القضارف في ذات العام ٢٠١٨، ولم يجد إنصافاً، ثم اشتكى لإدارة الشؤون القانونية بالقضارف في العام ٢٠١٩ ولم تحدث أية محاسبة.
اشتكى كامل الملازم هاشم آدم علي رئيس شرطة كنينة لرئاسة الشرطة الأمنية الخرطوم، حُولت الشكوى إلى الشؤون القانونية بالخرطوم، ولم يحدث شيء.
وشكا المتحري وهاشم والعقيد جاد الله مدير شرطة محلية باسندة لمدير شرطة الخرطوم ولم يتم النظر فيها وحفظت دون مبرر، وصعد شكواه لمجلس الوزراء ولم يتم الرد حتى الآن.
وفي المسار القضائي قدم كامل استئنافاً أمام محكمة استئناف ولاية القضارف التي أيدت حكم محكمة الموضوع! .
لم ييأس كامل فاستأنف للمحكمة القومية العليا بمدني (الولايات الوسطى والقضارف) والتي أعادت الأمور إلى نصابها، فقد حكمت لصالح كامل وضد مجاهد علي أحمد محمد، وقد فندت في حيثيات حكمها أسانيد محكمة استئناف القضارف.
وجاء في الحكم أن قول محكمة الاستئناف أن الشاكي ظل صامتاً طوال الوقت ولمدة تسعة شهور ولم يأت ليقول إن هنالك عجزاً ألم به، قول غير صحيح فهنالك مستندات وشاهد، وأردفت أن الدفاع لم يقل أن الطاعن تعرض لحادث غير الذي أصابه من المتهم ولم يأتِ ببينة لذلك.
وقد أكدت محكمة مدني أن نسبة العجز البالغة ٤٠٪ وقيمة فواتير العلاج تدخل في صميم عمل المحكمة الجنائية، ولا تحتاج لتسديد رسوم للحصول على التعويض، وقد أغفلت ذلك محكمة الموضوع ومحكمة الاستئنافوخلصت إلى إدانة المتهم والعقوبة وإلزام محكمة الموضوع بإعادة النظر في التعويض.
لا أدري، هل هنالك عقوبات إدارية تطال المحاكم الدنيا عندما تقع في أخطاء فادحة أو تحابي أو تتآمر؟ إن لم يكن فنحن موعودون بالمزيد من تدهور العدالة!!
وبالرغم من أن الأوراق قد أرجعت لمحكمة الموضوع بالقضارف (محكمة دوكة) ووجهت بتنفيذ الحكم لصالح كامل أحمد محمد الضو، ولكن مرت خمسة أشهر ولم تنعقد المحكمة حتى الآن،بل واختفى المدان مجاهد بعد أن تسرب إليه الخبر، وتم القبض عليه مؤخراً بعد لأي.
لم يستطع كامل أخذ حقه بواسطة المحكمة رغم مرور قرابة السنوات الثلاث على الجريمة، كما أن شكواه الإدارية ضد ضباط الشرطة تمترست في دهاليز مجلس الوزراء؛ إن تأخير العدالة هو حرمان من العدالة Justice delayed is justice denied”
وللأسف الشديد بدأت القضية الآن تنحو منحى قبلياً، بعد أن يئس أهل كامل من عدالة القضاء بالقضارف، الذي يماطل ويسوف تنفيذ حكم المحكمة العليا، كما يئسوا من مهنية الشرطة! فهل ترغب الأجهزة العدلية والشرطية في تفجير الأمر قبلياً! أم أن مصالحهم الضيقة تجعلهم لا يبالون وإن ضاع الوطن؟!
هذه واقعة من آلاف الوقائع التي تكشف تضييع العدالة، مما أدى إلى اهتزاز الثقة في المحاكم، وربما يؤدي بكثيرين للعمل بمقولة (لا تبحث عن محامٍ يعرف القانون، بل ابحث عن محامٍ يعرف القاضي)!!.
إن إيقاف المظالم وإصلاح الأجهزة العدلية هو أولوية قصوى لأن العدل هو أساس الحكم، وتوجد شبكات إجرامية من قضاة ووكلاء نيابة ومحامين وشرطة تعمل معاً، فلا بد من تطهير هذه الأجهزة من الفاسدين والإبقاء على الشرفاء، وإلا فإن الخراب الكامل هو المصير .
إن إصلاح الأجهزة العدلية الذي ينادي به الثوار ومنذ اندلاع الثورة، لا تنبع أهميته لأجل القصاص لشهداء وجرحى الثورة فحسب، وإنما لتحقيق العدالة في بقاع السودان المختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى