الرأي

تعليم ذوي الإعاقة (5): القضارف والتعليم الدامج

جعفر خضر

تناولنا في المقالات السابقة جانبا من تعليم ذوي الإعاقة بأنواعهم الأربعة بولاية القضارف. وذكرنا بأن شعار اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، لهذا العام، يحمل عبارة (إعادة البناء بشكل أفضل: نحو عالم شامل للإعاقة ويمكن الوصول إليه ومستدام بعد جائحة كوفيد – 19).
ولاحظنا أن معهد الأمل لتعليم الصم يضم عدداً أكبر من الأطفال مقارنة بمعهد النور لتعليم المكفوفين، وقد تم إغلاق معهد رؤى لتعليم ذوي الإعاقة الذهنية، ولا يوجد معهد حكومي خاص بتعليم ذوي الإعاقة الحركية.
إن وجه الشبه في تعليم الفئات الأربعة هو رداءة البيئة التعليمية، وانعدام أو توقف الترحيل، وقلة المعلمين المدربين، وانحصار المعاهد في حاضرة الولاية مع انعدام السكن الداخلي، كما تقتصر المعاهد على مرحلة الأساس فقط. كما أنهم يدرسون ذات المنهج العام بدون أي تكييف أو معينات تذكر.
ولاحظنا أنه يوجد أطفال صم من المحليات يدرسون بمعهد الأمل ويسكنون مع ذويهم، وعلى الأرجح أنه لا يوجد أطفال صم في المدارس العادية، ويتوقع وجود ضعاف سمع. ومع قلة الطلاب المكفوفين في معهد النور، إلا أنه يتوقع أن الذين يدرسون بالمدارس العادية عددهم أكبر .
في ظل هذا الواقع البائس بدأ مشروع تجريب التعليم الدامج بولاية القضارف. تم اختيار ولاية القضارف لتنفيذ المشروع من دون الولايات الأخرى، وقد فسّر مدير منظمة تنمية المعوقين العالمية ADD ـ في برنامج بقناة سودانية 24 ـ أن اختيار القضارف حدث لوجود منظمات محلية جيدة تملك إحصاءات. 
جدير بالتذكير أن الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها السودان في العام 2009 ـ تنص في المادة 24 الخاصة بالتعليم (تسلّم الدول الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم. ولإعمال هذا الحق دون تمييز وعلى أساس تكافؤ الفرص، تكفل الدول الأطراف نظاماً تعليمياً جامعاً على جميع المستويات وتعلمياً مدى الحياة موجهين نحو ما يلي: التنمية الكاملة للطاقات الإنسانية الكامنة والشعور بالكرامة وتقدير الذات، وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتنوع البشري؛ تنمية شخصية الأشخاص ذوي الإعاقة ومواهبهم وإبداعهم، فضلاً عن قدراتهم العقلية والبدنية، للوصول بها إلى أقصى مدى؛ تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من المشاركة الفعالة في مجتمع حُر.
وتحرص الدول الأطراف في إعمالها هذا الحق على كفالة ما يلي: عدم استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من النظام التعليمي العام على أساس الإعاقة، وعدم استبعاد الأطفال ذوي الإعاقة من التعليم الابتدائي أو الثانوي المجاني والإلزامي على أساس الإعاقة؛ تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الحصول على التعليم المجاني الابتدائي والثانوي، الجيد والجامع، على قدم المساواة مع الآخرين في المجتمعات التي يعيشون فيها؛ مراعاة الاحتياجات الفردية بصورة معقولة؛ حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الدعم اللازم في نطاق نظام التعليم العام لتيسير حصولهم على تعليم فعال؛ توفير تدابير دعم فردية فعالة في بيئات تسمح بتحقيق أقصى قدر من النمو الأكاديمي والاجتماعي، وتتفق مع هدف الإدماج الكامل… تكفل الدول الأطراف إمكانية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على التعليم العالي والتدريب المهني وتعليم الكبار والتعليم مدى الحياة دون تمييز وعلى قدم المساواة مع آخرين. وتحقيقا لهذه الغاية، تكفل الدول الأطراف توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة للأشخاص ذوي الإعاقة). على هذه الخلفية موّل الاتحاد الأوروبي مشروع التعليم الدامج بولاية القضارف.
عرفت اليونسكو الدمج بأنه منحى أو توجه أو عملية ديناميكية للاستجابة لتنوع المتعلمين، ونظرة للتنوع كفرصة لإثراء العملية التعليمية، وليس كعائق. ويشمل الإدماج الوصول إلى تعليم عالي الجودة دون تمييز من أي نوع سواء داخل أو خارج النظام المدرسي .
يركز التعليم الدامج على تغيير النظام ليناسب الطالب بدلا من تغيير الطالب ليناسب النظام. ويجب أن يكون الدمج مبدأ إرشادياً للسياسات التعليمية وبحيث يمكن أن يكون التعليم للجميع وليس للأغلبية فقط.
وقد أعدت الإدارة العامة للتربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم بالتعاون مع مكتب اليونسكو مكتب الخرطوم ـ أعدت دليل تدريب المدربين لمعلمي مدارس التعليم الدامج، وقد نص الدليل على أن التعليم الدامج يعني أن تستوعب المدارس جميع الأطفال بغض النظر عن أي ظروف بدنية أو ذهنية أو اجتماعية أو انفعالية أو لغوية أو غير ذلك. ويتضمن هذا الأطفال من ذوي الإعاقة والموهوبين وأطفال الشوارع والأطفال العاملين والأطفال من الأقليات اللغوية أو العرقية أو الثقافية والأطفال من السكان الرحل والمناطق النائية أو أي مجموعات أو مناطق محرومة أو مهمشة أخرى .
مول الاتحاد الأوروبي عبر منظمة تنمية المعوقين العالمية ADD مشروع تجريبي للتعليم الدامج للأطفال ذوي الإعاقة بولاية القضارف. بدأ المشروع في 30 يونيو 2015 باستهداف عدد 12 مدرسة بثلاث محليات ريفية، مناصفة بين الحواضر والقرى، وبين البنين والبنات .
ففي محلية القلابات الشرقية تم اختيار مدرستين في حاضرة المحلية دوكة (مدرسة الزهراء بنات + مدرسة الفاروق بنين)، ومدرستين في قرية قريب (مدرسة مصعب بن عمير بنين + مدرسة الشهيد بخيت يوسف بنات).
وفي محلية القريشة تم اختيار مدرستين في حاضرتها القريشة (مدرسة عثمان بن عفان بنين + مدرسة الزهراء بنات)، ومدرستين في قرية بربر الفقراء (مدرسة بربر الفقراء بنين + مدرسة بربر الفقراء بنات).
وفي محلية قلع النحل تم اختيار مدرستين في حاضرتها قلع النحل (مدرسة أبوبكر الصديق بنين + مدرسة الزهراء بنات) ، ومدرستين في قرية بلوس (مدرسة بلوس بنين + مدرسة بلوس بنات). 
يهدف المشروع إلى تحسين فرص حصول الأطفال ذوي الإعاقة على تعليم الأساس وإعادة إلحاق المتسربين منهم بالمدارس بالمحليات المستهدفة بولاية القضارف. كما سيقوم المشروع بخلق مناخ إيجابي داخل النظام التعليمي الحكومي بمرحلة الأساس يساعد الأطفال ذوي الإعاقة من التعلم وجعل المجتمعات المحلية أكثر دامجية وشمولية للأشخاص ذوي الإعاقة .
وسنحاول التعرف على مدى نجاح التجربة في المقال القادم. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى