الرأي

(بصيرتنا) أم حمد !

عبد المنعم سليمان
لا علم لي بالسيدة الفاضلة “البصيرة أُمْ حمد” التي يتم حفر الموروث الشعبي من أجلها واستدعاء قصتها كلما أدلهمت الخطوب، ولا أعلم هل هي حقيقة أم محض صورة خيالية من خيالاتنا الشعبية الكثيرة، التي ومن فرط التكرار الشفاهي الشعبي الوثوقي أصبحت حقائق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، والتي تقول حكايتها المعادة المستعادة: إنها امرأة سودانية كانت تعيش مع عجل تربيه في منزلها، وحدث ذات مرة أن أدخل العجل رأسه في الجرة (الزير) واجتمع القوم لمساعدتها و إيجاد حل يخرجون به رأس العجل بأقل تكلفة ممكنة، وانعقد إجماع القوم على كسر الزير، ولكنها هبت واقفة قائلة: “لا تكسروا الزير بل أذبحوا العجل”، وصارت قصتها مثلاً تسير به الركبان يُستدعى كلما تطابق الزمن وعطب العقل وتدنت الفكرة والمعالجة!
أكتب هذه السطور على خلفية رسالة أرسلتها شركة الاتصالات صباح يوم أمس، يقول نصها:(بتوجيه من الجهات العدلية سوف يتم قطع الإنترنت يومياً خلال جلسات امتحان الشهادة الثانوية من الساعة الثامنة صباحاً حتى الحادية عشرة صباحاً)! ولا أعرف حقيقة ما هي تلك الجهة العدلية التي تفتّقت عبقريتها إلى هذه الحدود الأسيفة، وهل تعلم هذه الجهة العدلية مدى الخسارة التي يسببها مثل هذه القرار الذي أقل ما يمكن وصفه به: الرعونة وعدم المعرفة وفقر الإبداع!
المصيبة أن تكون هذه الجهة العدلية مثلها مثل جهات عديدة، رسمية ومجتمعية وشعبية، لا ترى في خدمة الإنترنت أكثر من أنها مُشَغِل “واتس آب” و”فيسبوك” يتم استخدامها في اللهو والهزل وتناقل النميمة، وبالتالي لا بأس من إيقافها وتعطيل الضحك والهزل لثلاث ساعات، خصوصاً و أنه لا توجد سابقة وفاة بسبب توقف الضحك! ولغاية الأسف هذه النظرة الموغلة في البدائية يتم تعميمها والتعامل معها بكل وثوقية وبصورة مرعبة، ولا شيء يسبب الخوف والذعر أكثر من تعميم الجهالة رسمياً وشعبياً!
أتفهم قلق السلطات وخوفها من تسرب الامتحانات وكشفها بسبب فارق التوقيت بين الخرطوم وعواصم الدول الأخرى التي تقام فيها مراكز امتحانات الشهادات السودانية، كالصين مثلاً التي يصل فيها فارق التوقيت إلى 6 ساعات، ولكن الذي لا أفهمه معالجة هذه القضايا الكبيرة والخطيرة بحلول خطيرة ومدمرة، إذ كان بإمكان وزارة التربية والتعليم التحوط لهذه المشكلة وإيجاد المعالجات المناسبة لها، مثل توحيد زمن الجلوس للامتحانات داخلياً وخارجياً، حتى لو أدى ذلك إلى كسر قاعدة الزمن – غير المقدسة – وجلوس الطلاب/ات للامتحان عصراً، وأمّا المعالجة بقطع الإنترنت، بخلاف أضرارها المادية الضخمة وتأثيرها على حركة المال والأعمال ومناخ الإستثمار العام، فهي أيضاً تدعو للسخرية وتعود بنا إلى عهد الدفاع بالنظر- لا أعاده الله!
إن من أهم الأسباب التي عجلت بسقوط نظام الفساد البائد هي قراراته السهلة الكسولة في أواخر عهده، بعد أن فقد قدرته على اجتراح وسائل عبقرية جديدة، وأصبحت قراراته تصدر بطريقة هزلية ومضحكة حولته إلى أكبر منتج للفكاهة والسخرية في البلاد، وكان أن فقد هيبته الاعتبارية حتى أمام سدنته وأنصاره.
ومن سقطت هيبته سقط!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى