الرأي

بداية السنة وسعادة المستقبل

جاكسون يوكي
“روحُ الربِّ عليَّ، لأَنَّهُ مَسَحَني لأُبشِّرَ المَساكين؛ وأَرْسَلَني لأُناديَ لِلْمَأْسورينَ بالتَّخْليةِ، ولِلعُمْيانِ بالبَصرِ، وأُطْلِقَ المُرْهِقينَ أَحْرارًا، وأُعلِنَ سَنَةَ نِعْمةٍ للرَّبّ (لوقا 4: 18، 19)
البحث عن السعادة ومطاردتها في المستقبل سراب يصعب إدراكه، فالمرء لا يملك غير الحاضر.  إذا أعلن لأحدهم وتأكد بأن ما تبقى من حياته في الأرض عام واحد فقط..! وأتيحت له في هذا الفترة من السنة كل الإمكانيات والقدرات التي تجعله سعيدا بطريقة لن تتحقق في حياته الطبيعية حتى إذا بلغ المائة..! في هذه الحالة غالبا ما يوجه المرء فكره وتركيزه لنهاية العام أكثر مما يجب تحقيقه في الفرصة المتبقية من حياته. فالإنسان برغم اهتمامه عن ما يريد تحقيقه إلا أنه بشكل عام لا يحب أن تكشف له كل تفاصيل المستقبل خاصة فيما يتعلق بنهاية حياته. يؤدي ذلك إلى إرهاق وأسر لمخاوف نفسية تقيده وضعف بصيرته ولا تسمح له بالنظر إلى أبعد من هواجسه، مما يؤدي إلى استنزاف الطاقة الإيجابية ويسلبه سعادة الحاضر. هذا الوضع يؤدي إلى صراع وفقر الروحي الذي يسعى السيد المسيح لتحريره: طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، الذين يعانون من الفقر الروحي؛ ولديهم أفكار وضيعة عن أنفسهم وبرهم الذاتي، انكسرت قلوبهم ندمت وتقيدت بإحساس الخذلان. ولكن لا يملك أحد سلطة إلا بعد الانتصار على النزاع. الصراع هو الفصل الدراسي حيث يتم تعلم القوة والشجاعة. هذا المبدأ واقعي في العالم المادي وفي عالم العقل. الألم والعزلة يؤدبان الروح.
تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الأكثر اهتمامًا بالمستقبل يؤجلون السعادة الحالية باسم السعادة المستقبلية يقومون بعمل أفضل في الحياة وفقًا لمعايير النجاح القياسية. هذا لا ينفي وجود اختلاف في الواقع عن أهمية التخطيط بالمستقبل لأن طبيعة الإنسان تميل إلى القلق هذا ما يميزه عن الحيوان والسيطرة على الطبيعة. تختلف الآراء عن من يقولون: ” ليس من الصواب أن تكون قصير النظر وضيق الأفق وتعتقد أن المستقبل غير مهم على الإطلاق، وتهتم بالحاضر فقط. غالبا ما يكون فئة المخططين من رجال الأعمال المثقفين نجحوا أكاديميا وعمليا ودخلهم أكثر من المتوسط، يتوزع وقتهم ما بين رسائل البريد الإلكتروني المتزايدة باستمرار والمحادثات الهاتفية والمشاركة في الاجتماعات والمحادثات المهمة، نفتقر لمثل هؤلاء لأنهم قلة في مجتمع العالم الثالث. بينما الذين يفضلون عدم القلق بشأن المستقبل يخسرون حاضرهم، لأنهم إذا فعلوا ذلك، لن يكونوا سعداء أبدًا في الوقت الحاضر، الفئة المركزة للحاضر معظمهم من ذوي الدخل المحدود قد يجبرهم واقعهم المادي على التركيز في رزق اليوم. المجموعة الأولى تفتقر إلى الاجتماعيات وقلة الترفيه الجماعي أما الفئة الثانية تفتقر إلى قلة النوعية (محدودية) في الترفيه التي تحتاج إلى صرف مالي. كل من المجموعتين قد يفتقرون لمعنى السعادة، هل هي تتحقق من خلال ما نمتلكه من ماديات؟
من أجل تحقيق توازن بين التركيز على الحاضر والمستقبل خير الأمور أوسطها أولا الاهتمام بالاجتماعيات فلقد أثبتت العديد من الدراسات أننا نسعد كثيرًا بقضاء الوقت مع أصدقائنا وعائلتنا، واتضح أن هذا النشاط  يمكن اعتباره استثمارًا في رأس مالنا الاجتماعي. ثانيا أظهرت دراسات أخرى أهمية الحفاظ على هواية، خاصة النوع الذي يتضمن التفاعل مع أشخاص آخرين، نشاط رياضي مثلا. فتفعيل الهوايات تعمل على تحسين رضانا الحالي والمستقبلي. أخيرا السعادة الحقيقية تكمن في داخل الإنسان وليس في الخارج. لذا إذا كنت تستمد إحساسك بالذات، أو تعزز فكرك عن السعادة من خلال ظروف حياتك، وظيفتك، أمنك المالي أو علاقاتك فسيكون الأمر مؤلمًا عندما تتغير أو تتلاشى هذه الأشياء. وكل عام وأنتم بألف خير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى