تحقيقات

بالمستندات .. فساد بيع مشروع أبونعامة

تقع بلدة أبونعامة جنوبي سنجة حاضرة ولاية سنار، على الضفة الغربية للنيل الأزرق، في أرض وافرة الخصوبة واعدة بالعيش الرغيد. منتصف سبعينيات القرن الماضي نالت حظاً من الشهرة بقيام أول مشروع زراعي صناعي لإنتاج محصول الكناف، عرف بمشروع مصنع كناف أبونعامة لصناعة الخيش والجوالات والدبارة. أسس المشروع في مساحة (35) ألف فدان، ضمت (9) قرى في المنطقة.

الديمقراطي – أم زين آدم

زمن الخصخصة

مصنع جوالات الكناف – أبونعامة

وقت أن شرع النظام البائد في خصخصة المشروعات في سنوات حكمه الأولى، خصخص المشروع في العام 1992، وقامت على أنقاضه شركة الكناف السودانية العربية بذات أهداف المشروع القديمة، وكانت شركة مساهمة خاصة مكونة من الشركة العربية للاستثمار المحدودة وعدد أسهمها (45) سهماً، وشركة الدالي والمزموم الوطنية المعروفة بشركة هاشم هجو وعدد أسهمها (45) سهماً، وشركة دلة البركة القابضة بعدد عشرة أسهم وصاحبها الشيخ صالح الكامل.

لاحقاً حدثت تنقلات للأسهم وخرجت من الشركة الدالي والمزموم، تحول اسمها إلى الشركة العربية للاستثمار الزراعي المملوكة لرجل الأعمال السعودي الراجحي. واستمرت حركة الأسهم بالبيع داخل الشركة إلى أن تنازلت الشركة العربية عن أسهمها بالبيع لصالح حكومة ولاية سنار، بموجب عقد بيع وتنازل عن أسهم سددت الولاية قيمته كاملة بمبلغ وقدره (2.600.000 دولار). ثم تنازلت مجموعة الراجحي لصالح حكومة السودان عن أسهمها البالغ قدرها (80) سهماً تمثل (80 بالمئة) من مجمل أسهمها في شركة الكناف السودانية العربية المحدودة، ممثلة في وزارة المالية الاتحادية.

ثم لاحقاً تنازلت وزارة المالية وتم منح المشروع لحكومة ولاية سنار بغرض تأهيله، وبعد أيلولة المشروع للولاية، بعد أن عرضت الولاية المشروع للاستثمار وحتى يعود بالنفع لكامل أهل الولاية، كما وضع في الخطة الاستثمارية للمشاريع المروية في الولاية. وبذلك أصبحت ولاية سنار تمتلك كامل أسهم شركة الكناف السودانية العربية المحدودة.

أصل الحكاية

قرار المجلس التشريعي بالاستثمار في عدد من المشاريع من بينها الكناف وليس بيعها

جملة أراضي المشروع مسجلة بنظام الحكر باسم حكومة السودان، وملكية الحكر مخصصة لشركة الكناف السودانية العربية، والذي جدد في العام 1999م ولمدة (22) عاماً انتهى الحكر في 2021 لم يجدد حتى تاريخه، ولم تقم سلطات الولاية بنزع أرض المشروع أو إعادة تخصيص الحكر لجهة أخرى، وترك المشروع لينتفع به معاوية البرير دون أن يسدد جنيهاً في تجديد حكر الأرض، وهو ما يعكس تواطؤ سلطات ولاية سنار وحكومتها ومحاباتها لمعاوية البرير بما يخالف القانون، وضد مصالح أهل وإنسان ولاية سنار.

في العام 2008 قررت ولاية سنار استثمار المشاريع القائمة بالولاية، وفي جلسة مغلقة حسب المستندات استمع المجلس التشريعي بالولاية في اليوم الثاني عشر من أغسطس 2008 إلى تنوير من والي الولاية وقتها المهندس أحمد عباس، تحدث فيه عن الاستثمار في مشاريع الولاية، والتي شملت: مشروع غرب أبوحُجار، مشروع بستنة نهر الدندر، مشروع كناف أبونعامة، مشروع سكر النيل الأزرق، ومشروع سكر الرماش. على أن يراعى وضع المزارعين من حيث التعويضات، وكتب في الشهادة الملحقة في محضر الجلسة أنه “بناء على نص المادة (1/10) من لائحة تنظيم أعمال مجلس ولاية سنار التشريعي لسنة 2005، أشهد بأن القرار (141) لسنة 2008 هو القرار الصحيح الصادر من مجلس الولاية التشريعي”. أي إن القرار صدر بالاستثمار في عدد من المشاريع بالولاية من بينها مشروع الكناف، وليس بالبيع لأي من المشروعات، ووقع على القرار رئيس المجلس التشريعي، أسامة عبد الكريم.

وزارة المالية والاقتصاد ولاية سنار-1

بيد أن حكومة الولاية ممثلة في الوالي، وفقاً للمستندات المرفقة، شرعت في تأسيس شركة مع بعض الأشخاص بعد إعلان منشور في وسائل الإعلام، وحددت أن الغرض هو الاستثمار وليس البيع. وأسست شركة أبونعامة للإنتاج الغذائي المحدودة، ومؤسسوها أصبحوا لاحقاً مساهمين في الشركة وهم: ولاية سنار، شركة الثاقب المحدودة المملوكة لسعود البرير، معاوية البرير بشخصه، وشركة الرويان للحفريات والتي يشغل فيها الوالي أحمد عباس محمد سعد منصب عضو مجلس الإدارة والمدير العام، كما شغل فيها الأمين العام السابق لمنظمة الدعوة الإسلامية المحلولة بموجب لجنة التفكيك، والذي استهدفته اللجنة المجمدة بتفكيك إمبراطوريته العقارية بمدينة ربك، محمد علي الأمين محمد، رئيس مجلس الإدارة.

شغل أحمد عباس محمد سعد منصب مدير عام لشركة خاصة وعضو مجلس إدارة، وأصبح هذا الشريك لاحقاً مساهماً في شركة خاصة، كان الغرض من إنشائها السيطرة والاستيلاء على مشروع الكناف، يؤكد تضارب المصالح الواضح الذي يعلمه الوالي حينها أحمد عباس، ويؤكد الرغبة الرئيسية من أن إنشاء مشروع أبونعامة هو الاستيلاء غير المشروع عليها لاحقاً، وهو أمر لا تخطئه أي عين فاحصة وأي شخص حصيف.

وزارة المالية والاقتصاد ولاية سنار-2

لاحقاً حدثت تنازلات داخل شركة أبونعامة، ودخل مساهمون جدد، منها تنازل شركة الرويان عن أسهمها إلى السيد أمين عبد اللطيف، وأصبح معاوية البرير يمتلك (42) ألفاً من أسهم الشركة، وشركة الثاقب (42) ألف سهم، ويوسف أحمد يوسف قبل بيع أسهمه يمتلك (48) ألف سهم، وشركة الرويان للسفريات (30) ألف سهم، والولاية (38) ألف سهم، أي بنسبة (19 بالمئة).

وبلغ رأس مال الشركة عند التأسيس (20) مليون دولار، فيما تم تقييم أصول المشروع بـ (13433800) دولار في أبريل 2007.

الأحجية

بالرغم من أن نسبة مساهمة الولاية (19 بالمئة)، وهي سددت ما يعادل (7.600.000) مليون دولار (سبعة مليون وستمائة ألف دولار)، سددت كذلك الولاية قيمة تنازل أسهم الشركة العربية في شركة الكناف مبلغ (2.600.000) مليون دولار، وهي عبارة عن نسبة أسهم الشركة العربية للاستثمار الزراعي حتى تتمكن الحكومة من امتلاك كافة أسهم شركة الكناف السودانية. ووفقاً للمستندات فإن حكومة الولاية سددت دفعة ثالثة من مبلغ تقييم أصول المشروع المشارك مبلغ (240) ألف دولار عبارة عن تسوية حقوق العاملين في شركة الكناف السودانية العربية المحدودة.

ويظهر جلياً في إفادة وزير المالية الولائي وقتها، شرف الدين هجو، خلال الرد على المسألة المستعجلة بالمجلس التشريعي حول مشروع أبونعامة، أوضح أن الولاية دفعت أكثر من (50 بالمئة) في الشركة بالرغم من مساهمتها بكل تلك المبالغ، إلا أنها منحت أسهماً في حدود (19 بالمئة). وكان الغرض الرئيسي من ذلك هو إبعاد رقابة المراجع القومي عن شركة أبونعامة الذي منحه قانونه سلطة مراقبة ومراجعة أي شركة تساهم فيها الدولة بما يعادل (21 بالمئة).

قبض الريح

ومن ثم حدثت تنازلات في الأسهم أدت إلى خروج الولاية من الشركة بتنازلها عن (38) ألف سهم دون أن تحصل على مقابل حقيقي سوى قبض الريح. ووفقاً لاتفاقية التسوية التي تمت ما بين معاوية البرير وشركاته وأدت إلى خروج الولاية من مساهمتها في شركة أبونعامة للإنتاج الغذائي وشركة الكناف السودانية التي كانت مجحفة، خرجت الولاية من الشركة لصالح مجموعة معاوية البرير مقابل تنازل معاوية البرير عن (81 بالمئة) من أسهمه في شركة جوهرة سنار، وتلك قصة أخرى من قصص خسائر الولاية المرئية.

الشركة جوهرة سنار قامت بمساهمة من الولاية بالأرض (100) ألف فدان، ودخلت كضامنة لدى بنك أم درمان الوطني لتمويل الشركة عبر وزارة المالية الاتحادية بمبلغ (40) مليون دولار، ومع ذلك تنازلت الولاية عن أسهمها لصالح معاوية البرير في شركة أبونعامة دون أي مقابل، بل قضت اتفاقية التسوية بسداد قيمة تمويل شركة الجوهرة لدى بنك أمدرمان، ونشير إلى أنه لم يتم أي إجراء لتقييم أصول شركة الجوهرة، والتي بعد تنازل معاوية البرير عن أسهمه فيها تمت تصفيتها بعد ستة أشهر بموجب قرار من أحمد عباس، مع الأخذ في الاعتبار أن عمر شركة الجوهرة من التأسيس إلى التصفية لم يتجاوز العامين أو ثلاثة، ولم ير لها طحناً.

سحب الثقة

قرر المجلس التشريعي بالولاية سحب الثقة من الوالي أحمد عباس بسبب تداعيات بيع مشروع أبونعامة وتعريفه فيه بما يخدم مصالح معاوية البرير، وحدد جلسة لذلك، فماذا جرى؟!

أفاد المصدر بأن أحمد عباس بمعاونة جهاز الأمن اعتقل عدداً من نواب المجلس ومنع بعضاً منهم من مغادرة منازلهم ورشى آخرون. ونتيجة لذلك لم يكتمل النصاب لسحب الثقة عن الوالي، وكانت تلك آخر جلسة في دورة المجلس التشريعي برئاسة أسامة عبدالكريم، ولاحقاً أبعد أسامة وكل النواب المناوئين لأحمد عباس من الولاية.

معضلة معاوية

ازالة التمكين تسترد اسهم مشروع ابو نعامة ومحلج كساب

أفاد مصدر موثوق، أن معاوية البرير باعتباره مساهماً في الشركة، كان يزرع ويحصد، ومع ذلك تسجل الشركة خسرانة في حسابات العام الختامية، وكان يبيع المحاصيل من فول الصويا والقطن والذرة إلى شركاته دون سداد أي نصيب للولاية. وبموجب قرار لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، استردت أسهم شركة أبونعامة ومحلج كساب الذي منح لمعاوية البرير في التسوية، ولم يكن ضمن مشروع أبونعامة والمؤسسات الخاضعة للتسوية، أي إنه ذهب لمعاوية دون أي مقابل.

بتاريخ الثالث من نوفمبر 2020 أبلغ مقرر لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال العامة، نيابة إزالة التمكين وفق عريضة دعوى جنائية بأن المتهمين من الأول أحمد عباس إلى الخامس بوصفهم موظفين عموميين تصرفوا بالبيع في مشروع كناف أبونعامة لشركة أبونعامة للإنتاج الغذائي، بالرغم من أن المشروع يعتبر من المشاريع الحيوية والاستراتيجية في الولاية، ويعتبر التنازل عنه والتصرف فيه إهداراً وإهمالاً لحقوق الولاية.

انتهت المحكمة إلى إدانة أحمد عباس بجريمة خيانة الأمانة من القانون الجنائي لسنة 1991، وتم تأييد القرار من محكمة الاستئناف بولاية سنار، وتأييد الإدانة في المحكمة العليا دائرة الولايات الوسطى والقضارف بمدينة ودمدني حاضرة ولاية الجزيرة. وبحكم بلوغ أحمد عباس سن السبعين من العمر أمرت المحكمة بتسليمه إلى الرعاية والإصلاح. وكانت محكمة الموضوع في حيثيات القرار قد ذكرت أنه إذا لم تسترد لجنة التفكيك المشروع كانت المحكمة ستنظر في أمر استرداده.

انقلاب البرهان

تم استرداد المشروع وتسمية إدارة جديدة له، بيد أن انقلاب البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، أعاد المشروع إلى مربع معاوية البرير. كوّن البرهان لجنة لمراجعة قرارات لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو 89، فكتب معاوية البرير خطاباً في ورقة مروسة وختم شركة أبونعامة للإنتاج الغذائي، في اليوم الثاني عشر من يناير الماضي، قال فيه إن مجلس إدارة شركة أبونعامة للإنتاج الغذائي فوض محمد أحمد رحمة ليكون ممثلاً له في المشروع.

ووقت تحرير معاوية للخطاب كانت الشركة مملوكة لوزارة المالية الاتحادية، ولم يكن مساهماً باعتبار الشركة مستردة، وبالتالي تنتفي صفته رئيساً لمجلس الإدارة، ولا يملك الحق في استخدام ورق الشركة الرسمي واستعمال أختامها. وهو أمر يعرض معاوية البرير للمساءلة القانونية، ولجنة المراجعة بدلاً عن مساءلة البرير لانتحاله صفة رئيس مجلس إدارة لشركة مستردة شكلت لجنة باستلام المشروع من الإدارة السابقة التي عينت من الولاية. تم تشكيل لجنة بموجب قرار من لجنة مراجعة قرارات لجنة التفكيك، شمل تشكيل اللجنة كل من وزارة المالية والزراعة والمراجع العام وجهاز المخابرات العامة، بيد أنه بدلاً من أن يتم تسليم المشروع للجنة سُلّم لمندوب معاوية البرير.

وفي الرابع من أبريل الماضي، صدر قرار بتوقيع وكيل النيابة الأعلى، ماهر سعيد، بإيقاف إجراءات التسليم والتسلم، وإيقاف مدير المشروع رحمة، وخاطب وزارة المالية بتعيين إدارة جديدة، وأرسل القرار إلى حكومة الولاية عن طريق وزارة الحكم الاتحادي، وتم تسليم وزارة المالية الاتحادية، ممثلة في لجنة الأصول المستوردة برئاسة عبدالحفيظ صورة قرار النيابة بإيقاف إجراءات التسليم إلى الإدارة التي عينها معاوية البرير، لا زالت وزارة المالية الاتحادية لم تعمل على تنفيذ القرار ولا ولاية سنار ولا لجنة المراجعة الولاية. تقاعس هذه الجهات أدى إلى حادثة اشتباك بين المزارعين بالمنطقة وإدارة المشروع، وانتهى بمقتل ثلاثة منهم وجرح آخرين، وتلك قصة سنعود إليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى