الرأي

المندســــــون

القس موسى كودي كالو

مصادركتابية:
1. “فَرَاقَبُوهُ وَأَرْسَلُوا جَوَاسِيسَ يَتَرَاءَوْنَ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ لِكَيْ يُمْسِكُوهُ بِكَلِمَةٍ ، حَتَّى يُسَلِّمُوهُ إِلَى حُكْمِ الْوَالِي وَسُلْطَانِهِ. 21فَسَأَلُوهُ قَائِليِنَ:” يَا مُعَلِّمُ ، نَعْلَمُ أَنَّكَ بِالاِسْتِقَامَةِ تَتَكَلَّمُ وَتُعَلِّمُ ، وَلاَ تَقْبَلُ الْوُجُوهَ ، بَلْ بِالْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ. 22أَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نُعْطِيَ جِزْيَةً لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟” 23فَشَعَرَ بِمَكْرِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ: “لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ 24 أَرُونِي دِينَاراً. لِمَنِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟” فَأَجَابُوا وَقَالُوا : “لِقَيْصَرَ” . 25فَقَالَ لَهُمْ: “أَعْطُوا إِذاً مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ”. 26فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ بِكَلِمَةٍ قُدَّامَ الشَّعْبِ، وَتَعَجَّبُوا مِنْ جَوَابِهِ وَسَكَتُوا”. (لوقا 20: 20- 26)
2. مت7: 15-20 ؛ 2كو 11 : 13-15 .
من هم المندسـون؟ المندسون جمع كلمة مندس وهو من الفعل (دَسَ)، ودَسَ الشيء في الشيء: أدخله فيه؛ أي خدعه وكذب عليه، وهذا المعنى الأخير، هو الذي يعنينا عند حديثنا عن المندسين. يعتبر المندسون من أخطر أعداء المجتمع وهم آفة كل كل العصور التي تدمر المُثُل والأخلاق النبيلة! ومن طبيعة عملهم ينطبق عليهم معظم الأسماء الكريهة في المجتمع. فهم الكذبة، المحتالون، المزروعون، الزوان، المتظاهرون بالبر، المرائين، الثعالب، الذئاب الخاطفة، رسل الشيطان، أصحاب الكلام المعسول، خدام البطون، وعاظ السلاطين، عابدي قيصر، وغيرها من الأسماء والصفات السيئة التى تعبر عن معدنهم الرخيص. يعتقد هؤلاء المندسون أنهم من أعلم وأحكم الناس في المجتمع بسبب مكرهم، ولم يمر عصر لم يكن فيه هذا النوع الضلالي من البشر. فقد بدأ عصرهم منذ وجود الإنسان على الأرض، وتلقنوا ونهجوا بهذا النهج من جنة عدن على يد مؤسس المكر والخداع الأول (الشيطان) فانتقل هذا الداء الأخلاقي من إبليس إلى قايين(قابيل) إلى الآن وإلى أن ينتهي الزمان لهؤلاء موضع رجلٍ في كل زمان ومكان، ويصعب علينا تغطية كل المجالات الحياتية فى هذا المقال الضيق، ومع ذلك يمكننا مواجهة نفوسنا كمواطنين سودانيين، بالتأمل المخلص في المجالات التالية:
1.في عالم السياسة: في عالم الأنظمة السياسية، نجد العجب العجاب من الحقائق المؤذية للوطن والشعب. فكل المتواجدين فى داخل هذه المنظومة السياسية، والمحفظة القومية، جاءوا باسم الشعب والوطن، ومع ذلك ليسوا على السواء بسبب اختلاف أجندتهم السياسية المتباينة. فأصبح الولوج في العالم السياسي ليس من أجل الشعب بل من أجل الألوان الحزبية والسياسية المتناحرة. فكل ما نجد تشويشاً وتناطحاً بين قادة الوطن والشعب الواحد، فلنعلم بأن هنالك مندسون! مندسو الأحزاب، مندسو القبائل، والتجمعات العرقية، مندسون يعملون من أجل الشعوب الأخرى، لا لشعوبهم، مندسو البطون والمصالح الشخصية لا الوطنية. هذا ومع وجود كل هذه الميول المتناحرة علناً وفي الخفاء، نجد الجميع يدعون وطنيتهم، ويقولون إننا بخير قلباً وقالباً والكل على قلبِ رجلٍ واحدٍ، ولكن هيهات، فلا دخان بلا نار و” مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ “! إن وضع السودان الحالي ليس بحاجة إلى مندسون ومندسين، بل إلى أبطال وطنيين حقيقيين، يعملون لا لأنفسهم أو لغيرهم، بل للوطن الواحد الذي يخدم الجميع.
2- فى عالم الشؤون الدينية: ويظهر هذا فى المعابد من الجوامع والكنائس وكل التجمعات التي تعمل باسم الدين. وكما سبق وذكرتُ في مستهل حديثي بأن منهج الغش والخداع، والدخول خلسةً، بدأ به إبليس الملعون ضد آدم وحواء، عندما خدعهما متظاهراً بمحبته لهما أكثر من الله، فحصدا، وحصد أولادهما أمر الثمار إلى يومنا هذا. إن المكر والخداع ما زال ممارساً بنفس هذا المنهج الشيطاني إلى يومنا. وتظهر هذه الممارسات لا من قبل البسطاء والجهلاء فحسب، ولكن من رجالٍ ونساءٍ، كان من المفترض أن يكونوا قدوةً حسنة للآخرين من بسطاء الشعب، الذين حتماً، وبكل يقين سيسألنا الله (نحن القادة السياسيون والدينيون) عنهم فى يوم الدينونة كما سأل الله قايين (قابيل) قديماً: “أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟… مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ” (تك4: 9-10).
فيا رجال الدين، الذين أنا منهم، هل نخدم الله وشعبه أم نخدم الناس وبطوننا؟!
ختام الأمـــر: ما يمكن أن يُقال عن حقيقة أمر المندسين في مجالي السياسة والدين، يُمكِن أن يُقال عن كل المندسين في المجالات الأخرى، من عالم التجارة ، الرياضة، وغيرها من العوالم. أما ختام الأمر، وبغض النظر عن عموميات الكلام، لماذا لا نفكر ملياً، وبكل صدق مع أنفسنا وأمام الله، ونحن في مواقعنا الحالية، دعونا نحاول كأفراد أن نمتحن أنفسنا من خلال الأسئلة التالية:  
– ماذا تفعل هنا في موقعك؟
– هل أنت مندس؟!
– لأجل من، ولأجل ماذا تعمل؟!
– إن أوجاع وآلام أخوك السوداني صارخٌ الآن إلى الله، فماذا أنتَ فاعلٌ بها؟!
– مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟! (مت 26:16).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى