الرأي

الكُتلة الديمقراطية.. هل تصح التسمية؟

استعان العسكر بحركات مسلحة وشخصيات تنتمي للعهد البائد وأُخرى استفادت من مكتسبات ثورة ديسمبر للظهور إلى السطح، بغرض الانقضاض على الحكومة المدينة في النصف الأخير من العام 2021. فكان ما عُرف حينها بـ (اعتصام الموز) أو (اعتصام الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية) المُناهض للحكومة المدنية والغطاء السياسي الذي مهد للانقلاب.
وللمفارقة، فقد كان من أبطال هذه المجموعة الداعية لعودة الديكتاتورية (العسكر – إخوانية) إلى السلطة وتقويض الانتقال، حركتان موقعتان على اتفاقية سلام جوبا التي أقرتها الوثيقة الدستورية الحاكمة آنذاك فصارت جزءاً منها، هما حركتا جبريل ومناوي، وأصبحت هذه المجموعة جزءاً من سلطة الانقلاب الذي ترزح تحته البلاد حالياً، ولا زالت تستميت في محاولة إغراق الفترة الانتقالية القادمة بأعداء الانتقال بعد أن تبين أنها لا تستطع كبح جماحها.
اليوم تضم ما يُسمى بـ (الكتلة الديمقراطية) – بعد أن خسرت معركة التلبيس في الاسم (الحرية والتغيير)، تمسحاً بمسوح الثورة – ذات الحركتين، بالإضافة لـ (الحزب الاتحادي الأصل) بقيادة (جعفر الميرغني) كرئيس للكتلة، وشخصيات تنتمي لنظام الإنقاذ البائد مثل الإخواني (محمد الأمين ترك)، بالإضافة لأبطال (اعتصام الموز).
وكان (قميص عثمان) الذي رفعته هذه المجموعة ما قبل انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر يتعلق بضرورة توسيع قاعدة المشاركة في شأن الانتقال لتشمل (جميع السودانيين) بمن فيهم أعداء الانتقال نفسه ممن قامت عليهم الثورة. وهو ما لا يقول به عاقل، لكنهم عادوا ليؤكدوا على ذات المعنى بعد الانقلاب، على الرغم من واقع توسعة الاتفاق الإطاري الحالي ليشمل آخرين تحت مسمى قوى الانتقال.

قادة الانقلاب في ٢٥ اكتوبر

وقفوا بالمرصاد أمام أي حل سياسي لتجاوز الأزمة الحالية والعودة إلى المسار الانتقالي، وكانت لهم مواقفهم المشهودة وتصريحاتهم الموثقة التي تقلل من شأن الاتفاق الإطاري بعد رفضهم له، وتأكيدهم على استحالة توقيعهم عليه.
الغريب أنه كان هنالك إصرار دؤوب من جانبهم على تسمية هذا الخليط غير المتجانس بـ (الكتلة)، قادهم هذا الإصرار لمحاولة فرضها على الجميع. ومن نافلة القول الحديث عن أنه ليس من مصلحة الاتفاق نفسه أن يكون بين هكذا (كُتل)، تكونت في ظرف صراع سياسي شديد التعقيد شيمته التحول والتغيير. وإن من الأفضل أن يكون الاتفاق بين كيانات سياسية حزبية تلتزم بما تم التوقيع عليه في كل الظروف والأحوال، وخلال كامل الفترة الزمنية التي يقرها الاتفاق.
جاء في تصريح من الناطق الرسمي باسم العملية السياسية الأربعاء، أن اجتماعاً مفصلياً انعقد ببيت الضيافة، ضم الفريق البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، والقوى المدنية الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري، بحضور سفراء وممثلي الآلية الثلاثية والرباعية والاتحاد الأوروبي. أمنت فيه الأطراف العسكرية والمدنية على “توافقها على أسس ومبادئ الإصلاح الأمني والعسكري”، وعلى “عزمها الأكيد على تجاوز ما تبقى من نقاشات فنية في هذه القضية الجوهرية”. و”الفراغ من عقد مؤتمري العدالة والعدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري قبل بداية شهر رمضان”، و”الدعوة لانعقاد آلية سياسية تبدأ عملها بصورة عاجلة لصياغة مسودة الاتفاق السياسي النهائي”.
وكلفت الأطراف الموقعة اللجنة التنسيقية المشتركة مع الآلية الثلاثية بصياغة جدول زمني للمهام المتبقية، والتي تشمل استكمال النقاش في القضايا المتبقية، تحديد ميعاد توقيت الاتفاق النهائي، تشكيل هياكل السلطة المدنية الانتقالية التي تنشأ على أساسه، وإجازة هذا الجدول في الأيام القليلة القادمة. كما أكدت الأطراف الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري – بحسب التصريح – استشعارها كامل المسؤولية حول الأوضاع في البلاد، ورغبتها الأكيدة في الوصول للاتفاق النهائي في وقت وجيز.
وعليه، فقد بات التوقيع على الاتفاق النهائي بوصول العملية السياسية الجارية الآن إلى غاياتها مسألة وقت، في ظل واقع يُرجح توقيع حركتي (جبريل ومناوي)، و(الحزب الاتحادي الأصل) على الاتفاق، لتصير الكتلة المزعومة برمتها أثراً بعد عين. وهو الأقرب للمنطق، باعتبار أن الكتلة نشأت على طريقة (الإخوان) القديمة في صناعة التجمعات، ولو تناقضت مصالحها موضوعياً، لتُصبح جماعات لا تصلح إلا للعرض الواحد، أو لعروض المناسبات على أحسن تقدير. كونها لم تضم سوى مجموعة من (الغاضبين) على تحالف قوى الحرية والتغيير وعلى (لجنة تفكيك التمكين)، وكل ما يرمز للحكم المدني في عهد حكومة الشراكة، وأولهم الفلول.
بالتوقيع على الاتفاق النهائي، والعودة إلى المسار الانتقالي، تكتب ثورة ديسمبر فصلاً آخر من فصولها، على طريق دولة المواطنة والعدالة والحقوق، وإن اختلفت الظروف والأحوال، وتنوعت السبل والأدوات. لتبدأ بالطبع معركة جديدة مع أعداء الانتقال المدني الديمقراطي، حال توقيع الاتفاق.
حفظ الله السودان وشعب السودان..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى