الرأي

القيامـة وأحوالها

القس/ موسى كودي كالو

[email protected]

مصادر كتابية:

  1. وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ. 3وَالْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ الْجَلَدِ وَالَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى الْبِرِّ كَالْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ الدُّهُورِ. (دا 12: 2-3).
  2. لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، 29 فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ (يو5: 28-29).

يحتفل المسيحيون في هذه الأيام، في جميع أرجاء المسكونة بذكرى قيامة السيد المسيح من بين الأموات! وأنتهز فرصة هذه السانحة المجيدة لأهنيء المسيحيين في السودان وفي العالم أجمع بهذه المناسبة التاريخية المهمة، التي ترتبط بواقع ومدلولات عديدة متعلقة بالواقع السياسي الحالي وبأحوال القيامة العتيدة أن تأتي على الجميع في مقبل الأيام الأخيرة حسب توقيتات الله الأزلية التي يجهلها الجميع. ويليق بناء كمسيحيين في السودان أن نهنئ حكومة الثورة بهذا العيد، وعلى فرحة الإجازة الرسمية التي منحت للمواطنين السودانيين، كفرصة للتفرغ للإحتفال بهذه المناسبة الدينية الخاصة بهم. إنها من باكورات ثمر نجاح الحكم المدني، مع علمنا بأن بعض إخوتنا المحبوبين، لا يسرهم هذه الحرية الدينية المطلوبة للجميع، إذ ونحن نحتفل اليوم (4 ابريل 2021)، نرى بعض المدارس الخاصة تعمل بصورة عادية، الأمر الذي ينقص من إكتمال فرحة هذا العيد على بعض الطلبة المسيحيين في تلك المدارس.

إن معنى القيامة لغةً ومصدراً يأتي من كلمة قام قوماً وقومةً وقياماً وقامةً. وفي مقام مقالنا هذا، فالقيامة تعني غلبة شوكة الموت والعودة إلى الحياة من جديد وهذا ما أحدثه المسيح بإقامة نفسة من بين الأموات حسب وعده “لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً” (يو18:10)! وفي السياق المدني والسياسي هي مثل القول: القومة للسودان أي الرفعة والنهضة والإحياء للسودان بعد الممات والدمار الذي حل به بفعل فاعل.

وللقيامة في المجال الروحي معانٍ متعددة. فللذين يؤمنون بالحياة ما بعد الموت، يؤمنون بأن رقاد أو موت الأجساد في هذا الدهر ليست هي النهاية، بل ستعقبها قيامة الأموات للدينونة الأخيرة أمام الله الديان. ويتفق معظم الناس على هذه الحقيقة الإيمانية بغض النظر عن إختلاف تفسيراتهم في بيان كيفية حدوثها! أما النوع الثاني المتفرد، والذي لا يتفق فيه الناس فهو قيامة السيد المسيح من بين الأموات وصعوده إلى السماء، المكان الذي سيأتي منه أيضاً في آخر الأزمان لمحاسبة الجميع أمام عرشه في اليوم الأخير: “لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً” (2كو5: 10). وأيضاً: ” وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ. وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. 13وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. 14وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هَذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي”. 15وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. (رؤ20: 12-15)

المعني الثالث للقيامة يأتي بمعنى إماتة الجسد وشهواته، والانتقال إلى حياة القديسين، التي يطلبها الله من الجميع لأنها هي الحياة الوحيدة التي تمجد الله وتنصر الإنسان على شهوات ومخططات إبليس الشريرة، والتي ستقود حتماً من جعلوا منها منهاجاً لحياتهم الدنيا، إلى الجحيم الأبدي حيث الشيطان حبيبهم الذي أحبوه أكثر من الله. يقول الكتاب: “وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي” (رؤ8:21).

في ذلك اليوم وبعد فوات الأوان، سيدرك الأشرار بأن الدنيا فانية وإن كل ما فيها باطلٌ وقبض الريح حيث “أَنَّ يَوْماً وَاحِداً عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ.9لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ. 10وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا. 11فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ 12مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَالْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ (2بط3: 11-12). ومن جهةٍ أخرى، لن يكون كذلك حال الأبرار القديسين، بل  سيكونون في عزاءٍ ونعيمٍ أبدي أمام الحضرة الإلهية حيث الوعد: “وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ” (رؤ21: 4).

ففي القيامة رجاء وتعزية إلهية لجميع التعابى، وضحايا شر وظلم الإنسان عبر كل العصور، وليس أروع وأضمن من أن يكون الله شخصياً، هو الذي سيعزي ويعوض أولاده وبناته في وقت إنقلاب الموازين الأبدية، وكل عام والجميع بألف خير بإذن الله!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى