الرأي

القادمون من المستقبل يقولون: التغيير ٢—–٢

الرأي اليوم

صلاح جلال
الإنقاذ نظام شيطاني قطعنا رأسه، لكن سياسته ما زالت طويلة الأمد وتتفاعل في رحم المجتمع.
انتهجت الإنقاذ منذ يومها الأول سياسة الإضعاف والتفكيك، أسست لذلك وزارة متخصصة لإعادة صياغة المجتمع بقيادة رجل الإنقاذ القوي علي عثمان، لتفكيك قطاعات المجتمع ذات التأثير، منها التأثير الديني.
أذكر أن الترابي قال: “سياستنا أن نؤسس مسجداً في كل حي، ليس من أجل عبادة الله فقط، لكن لكي لا يحتاج أي مواطن الذهاب إلى مسجدي المهدي أو الميرغني”، وقد حدث ذلك الآن للاحتشاد لأداء الفرائض.
قالوا: “نريد تغيير الأيدي لملاك الثروة التقليدية: الأراضي، والحيازات الزراعية”، وقد أصابوا نجاحاً في ذلك، وظهرت نخبة تجارية طفيلية جديدة أمثال: السوباط، كرتي، ودعة، ود المأمون، عبد الباسط حمزة، الخواض، وغيرهم.
رحم الله الرأسمالية المنتجة: أبو العلا، وعثمان صالح، وعبد المنعم محمد، والكوارتي. تبع ذلك تغيير في مفاتيح الثروة بدرجة أقل في الأقاليم وهجرها سكانها ليطفوا على هوامش المدن.
تغيرت وسائل الإعلام بشكل كامل، وأصبحت لكل مواطن صحيفته الخاصة، يسيطر على سياسة تحريرها وينشر انحيازاته. ومؤسسات إعلامية شعبية بلا حصر وعدد تنشر ما تريد وتضلل الرأي العام.
توسع التعليم العام والعالي بلا نوعية، فخرج مئات الآلاف من أنصاف المتعلمين من مؤسسات تعليمية معطوبة، الذين لا يعلمون أنهم لا يعلمون، يتدافعون الآن إلى مقاعد قيادة المجتمع بلا عِلم وكتاب منير.
تفجرت حروب أهلية أدت إلى نزوح ولجوء كثيف، خلقت متغيرات اجتماعية بدرجة (8) ريختر، وأضافوا إليها التصفيات العرقية Genocide.
الخلاصة: الإنقاذ خلال ثلاثين عاماً خلقت حالة تسييل كاملة لكل الممسكات الوطنية، بما فيها الأحزاب السياسية، لكنها فشلت في إعادة تركيبها كما خططت لها عند التفكيك.
يمكننا القول إن الإنقاذ نجحت في تحضير العفريت وأخرجته من القمقم، وذهبت مع الريح، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة وحروب أهليه وانفجارات إثنية على الهويات الثانوية والقبلية المفخخة، وتركت لنا عبء إعادته إلى القمقم لاستعادة الطمأنينة للمجتمع بتعاقدات اجتماعية جديدة تعالج هموم الثروة والهوية والسلطة المتفجرة.
كل ما حولنا تغير، لم يترك لنا خيار غير أن نتغير لاحتواء هذه المتغيرات الضخمة.
علينا استخدام كل هذا المتغيرات بطريقة مبدعة وخلاقة لصالحنا وصال المجتمع أو الخسران المبين Use it or lose it.
إذا أردنا المستقبل في ظل محيط وواقع متغير، فخيارنا الوحيد أن نتغير نحن في أنفسنا.
التغيير والإصلاح هو الثابت الوحيد المتاح للعبور إلى المستقبل على مستوى الأسر والقبائل والنخب، كل الذين حضروا من المستقبل حدثونا عن الإصلاح والتغيير المطلوب في اللحظات التاريخية المفصلية كالتي يعيشها السودان عامة الآن، وحزبنا على وجه الخصوص.
نحن لا نحتاج إلى تغيير بالقطاعي، بل نحتاج تغييراً بالجملة في الثقافة السياسية، والآليات والمقاربات والخطاب، تغيير شامل في المعاني والمباني.
ما نحتاجه عمليات جراحية أكثر عمقاً من مؤتمرات عامة في شكل مظاهرات، تغيير تكتل جالس على مقاعد القيادة بتكتل يرغب في الجلوس مكانه، فالإقصاء القائم بالإقصاء المضاد لن يحل أزمة حزب أو كيان.
أتمنى أن تكون فكرة إعادة التأسيس الرابع التي كان يتحدث عنها الحقاني العالم المحيط الصادق المهدى قد اتضحت، فهو قادم من المستقبل بالتأكيد، رغم عبوره إلى الضفة الأخرى، فهل لنا أذن صاغية وعقل راجح وقلب منيب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى