الرأي

العون الإنساني بين النظرية والتطبيق

القس. موسى كودي كالو
مصادر إنسانية مسيحية وإسلامية:
1. مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا (الإنجيل)
2. من كان عنده فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زادٍ فليعد به على من لا زاد له (حديث شريف)
مقدمة: توجد في الإسلام والمسيحية قواسم أخلاقية وإنسانية مشتركة، التي نستطيع من خلالها أن نتعرف على أنفسنا بأننا لسنا ببعيدين عن بعضنا البعض، بل إن التركة الأخلاقية السودانية السمحة هي متجذرة ومتأصلة في متون كتبنا الدينية التي ننشد من خلالها الفلاح في حياتنا الحاضرة والمستقبلية، بل الأبدية أيضاً.
نجد في الإسلام الدعوة إلى ممارسة أعمال الرحمة والعون الإنساني، بين شعب المجتمع الواحد بغض النظر عن تعدد الأديان والملل أو الطوائف الدينية. فقد جاء في الإسلام في الحديث الشريف القول: ” من كان عنده فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زادٍ فليعد به على من لا زاد له”. هذه الدعوة التكافلية والإنسانية الجميلة نجدها طبق الأصل شكلاً ومضموناً لدعوة الإنجيل على لسان النبي يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا – حسب الإسلام) عند القول: ” مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هَكَذَا”! (إنجيل لوقا 3: 11). يجب أن نلاحظ هنا إن دعوة المسيحية والإسلام إلى تعضيد ومساعدة الأغنياء للفقراء، لا علاقة له بالدين حتى لا نخطئ فنميز بين الناس في هذا الأمر، أي في المساعدات الإنسانية بسبب الدين! إن الأمر كله يتعلق بإنسانٍ يمتلك من احتياجات وضرورات الحياة لدرجة الفيض والتخمة، مع وجود إنسانٍ آخر لا يمتلك شيئاً. إذاً وبحسب الإسلام والمسيحية، فإن الكل يحتاج لأعمال الرحمة بغض النظر عن اللون أو الدين أو الجنس. إن الأمر هنا سيكون أوجب وألزم على المؤمنين بهذه الدعوة (مسلمين ومسيحيين)، كونها من الواجبات العملية لأتباع هذه الأديان (الإسلام والمسيحية).
إذا أجرينا إحصاءً أو مسحاً ميدانياً في سبيل معرفة أحوال فقراء وأغنياء هذا البلد، وغيرها من الدول، سنجد تخوت (دواليب الثياب)، وأهراء الأغنياء من المخازن والأرصدة البنكية ممتلئة لدرجة الفيض والتخُمْة. ومن جهةٍ أخرى، نجد في نفس تلك الدول نجد هنا وهناك أُناساً أتعبهم شظف العيش رغم كدهم وجهادهم اليومي الشريف، مع ذلك لا يمتلكون حتى قوت يومهم! نجد معظم هؤلاء الفقراء يعملون في بيوت ومؤسسات هؤلاء النخبة من الأغنياء وأمام عيونهم، ولا يعيرون انتباهاً لأوضاعهم المعيشية، ومع ذلك يدعون الإيمان! أي نوع من الإيمان هذا؟!
أخبرتي أحد الشابات بأنها عملت حديثاً في إحدى أرقى المؤسسات التجارية بالخرطوم. فسألتها كم هو راتبك الشهري؟ فقالت ستة آلاف جنيه. فسألتها مجدداً، هل تحتاجين لمواصلات، وهل يوفرون لكم الإفطار في مكان العمل؟ فردت لا يوجد إفطار، وإن تكلفة المواصلات لليوم الواحد ولخط واحد مئتان جنيهاً ذهاباً وإياباً!!! إن مثل هذا العمل غير مجدٍ بالمرة، بل ليس إلا تسخيراً للفقراء من الناس. إن الإيمان الحقيقي يجب أن يكون ملموساً ومطبقاً على أرض الواقع وإلا لصار ميتاً أو كلا شيْ! يقول الكتاب: “14 مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَاناً وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ 15 إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، 16 فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: “امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟” 17 هَكَذَا الإِيمَانُ أَيْضاً، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ”! (يع 2: 14 – 17). أو ألم يعلم الإسلام أيضاً بهذا المبدأ؟: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه كما يحب لنفسه”؟ أليست هي نفس تعليم السيد المسيح القائل: ” تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” ؟! (مت 22: 39). إن القريب المذكور هنا لا يُقصَد به مجرد ابن العشيرة أو القبيلة ولا حتى الأخ الشقيق بل القريب الذي يعنيه السيد المسيح هو أي إنسان (بني آدم)، بمعنى أي أخ أو أخت في الإنسانية بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين. إذاً الإنسان غير المؤمن بحسب هذه التعاليم المسيحية والإسلامية، هو الإنسان الذي لا يحب قريبه (أخيه في الإنسانية). إن المحبة الحقيقية، تظهر في أعمال الرحمة من خلال تقديم العون والخير للآخرين، لا في الأقوال الجميلة غير المطبقة على أرض الواقع!
إن المؤمن الحقيقي هو الذي يحب أخيه كما يحب نفسه، فلا يبخل عليه بل يحب له ما يحب لنفسه! هذا الأمر مجمعٌ عليه في الإسلام والمسيحية، وإن ممارسة الرحمة والإنسانية عملياً، تحقق المطلوبات الدينية والوطنية معاً، إلى جانب الفوز الأكبر في إرضاء وطاعة لله. وبممارسة أعمال الرحمة والإنسانية العملية يستطيع المرء أن يبرهن بأنه من المؤمنين الحقيقيين لا المزيفين. دعونا نفتح لا أفواهنا، بل كنوزنا ومخازننا الممتلئة، لنعطي ونوزع بالعدل لأهلنا الفقراء من خيرات بلدهم الغني. لنُفَعِلُ عملياً الآيات والأقوال الإنسانية التي نؤمن بها فنفلح في فعل الخيرات، فيرضى عنا الله فيكون الجميع بخير، ولا شيء غير الخير الآني والآتي.
[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى