الرأي

الصحافة المهنة التي طال اختطافها

رؤى مغايرة /

صباح محمد آدم

عندما كان المسؤول الأمني الذي عينه جهاز الأمن والمخابرات في العهد البائد رقيباً على الصحف وكان يحمل مقصه ليقتطع بعض الأخبار من الصحف، وخلال ذلك كان يرسل رسائل تهديد مبطنة للصحفيين والصحفيات، وفي نفس الوقت يجتهد فيأن يكون ودوداً وذلك بأن يعبر عن أسفه للجوء بعض الصحفيين /ت إلى الإثارة عبر التركيز على نشر أخبار معينة تهدد أمن وسلامة البلد على حد قوله، وكان الجميع يدرك أن البلد لم تكن تعنيه في شئ وإنما كان يدافع عن نظام ينتميإليه ويخدم مصالحه .
ثلاثون عاماً اختطفوا الصحافة وقطعوا الطريق أمام الصحفيين ليتعلموا أصول المهنة وأخلاقها وقيمها تلك القيمة النبيلة التي تتركز في نشر الكلمة وإبداء الرأي السديد، حرموا المجتمع السوداني من بناء مجتمع تتوفر فيه القيم الحقيقية وينتشر فيه الوعي وفاضل الأخلاق، وفي المقابل باتت الصحافة مرتعاً للجهلة والانتهازيين حيث احتشد اتحاد الصحفيين بالآلاف من الأرزقية من ضباط الأمن وموظفي العلاقات العامة محدودي الأفق الذين لا علاقة لهم بالصحافة، بل يتوقف عملهم على تجهيز مظاريف تحتوي على بعض الجنيهات الإكرامية لمن سقطت أنفسهم، واستغلالاً لأوضاع صحفية بائسة هي جزء من سياسات الدولة التي تمثلت فيإفقار الصحفيين ليرضخوا ويبيعوا أنفسهم قبل أقلامهم، فكان أن سطا محدودو الفكر على المؤسسات الصحفية وأصبح بإمكان أي شخص إذا امتلك المال أن يصدر صحيفة أو ينشئ قناة ليس لتحقيق طموح مهني أو رغبة في تقديم خدمة عالية الجودة،بل أراد بها البعض تقرباً من السلطة ودعما لبرامجها البائسة فأصبحت بعضها منابر لتشويه السمعة والإساءة وتقديم أخبار كاذبة، ومقابل ذلك يصبح لهم نصيب الأسد من إعلانات الحكومة تتبعها إعفاءات من الضرائب ورسوم مدخلات الإنتاج الصحفي والإعلامي،فاغتنى البعض من المتملقين وتضخمت كروشهم من أكل مال السحت .
وعرفت الصحافة طريقها إلى الأخبار المفبركة والمخدومة عبر بعض الصحفيين والصحفيات من من تمت صناعتهم وتلميعهم ليقوموا بهذا الدور الكريه، فيكتبوا أو يكتبن عن ما لا يفقهون بعيدين عن هموم الناس وقضاياهم، وأصبحوا معتمدين لدى جهاز الأمن ..في حين ابتعد أو أبعد قسراً كثير من الصحفيين المهنيين وتمت محاربتهم في رزقهم وألقي بهم بعيداً في ظل أوضاع مزرية فلجأ بعضهم إلى ترك المهنة والبعض انخرط في مهن أخرى يبحثون عن لقمة عيش نظيفة …لذلك غابت المهنية وكثر الدجل فأصبحت بعض الصحف تحاور الدجالين وقصيري النظر وفتحت القنوات الفضائية أبوابها لمن أطلق عليهم علماء ومفكرون.
إن تشويه السمعة كان مسألة مقصودة من النظام البائد لخلق الرعب وسط الناس خاصة أن العمل أصبحت تديره منظومة أمنية كاملة، سخرت أموال الدولة التي كان يحتاج لها المرضى في المستشفيات ولبناء المؤسسات التعليمية، فكان يتم إنفاقها في عمليات جمع المعلومات ومراقبة المعارضين ومتابعة ما يدور فيأروقة المجتمع المدني الذي كان يصارع جاهداً لرفع وعي الناس، ولرتق النسيج الاجتماعي الذي قضت عليه الإنقاذ بآلياتها وجبروتها. كل ذلك للحصول على معلومة صغيرة لينسج حولها قصصاً وحكاياتٍ ويقبض ثمن تقرير مزور ملئ بالأكاذيب تعتمده الجهات الأمنية لتنسج حوله قصة وحكاية يدفع ثمنها أبرياء وأسر طالها ذلك التشويه المتعمد، وإثارة الشك حولها يجعل الناس معها دوماً في حالة تبرير وهو أمر لايجدي نفعاً لأن تبرر لمن تعمد أن ينشر أكاذيب أو يلفق لأن هدفه لم يكن نشر الحقيقة وإنما إثارة الشكوك وتغبيش الوعي.
الآن تغير الوضع ولكن لم يختلف الخطاب الإعلامي كثيراً وظل خطاباً تقليدياً وفطيراً في ظل نظام ديمقراطي يمكن من مفهوم حرية التعبير ويرسخ لحرية الصحافة. المطلوب من الحادبين على مهنة الصحافة أن يؤسسوا لعمل نقابي يعيد للصحافة التي طال أمد اختطافها هيبتها وللصحفيين مهنيتهم التي قضت عليها ممارسات الإنقاذ الفاسدة، وإذا عملنا على ذلك سنجد أمامنا صحافة حرة مستقلة تقدم الجيد وتحترم عقول القراء فيحترمها الناس وتعمل على خلق رأي عام إيجابي وموضوعي، يساهم في دعم التحول الديمقراطي لأن الصحفيين من أكثر المستفيدين من وجود مناخ ديمقراطي،فيستمتعون خلاله بكامل حقوقهم في الحصول على المعلومة وممارسة حقهم في حرية التعبير وحرية الصحافة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى