الرأي

السياسات الثقافية هل من أفق؟

 

ميسون عبد الحميد

يرى الكثيرون من العاملين في الشأن الثقافي والمفكرين السودانيين أن الصراع الثقافي المستمر منذ الأربعينيات وإلى اليوم مرتبط بالثقافة ومصدره الأساسي ناتج من الغبن الثقافي، مما خلق تيارات الهامش والمركز التي تشعل الصراع بصورة متصاعدة. هذه الاستمرارية في الصراع في الحقيقة تتطلب منا وقفة جادة وحقيقية وبمسؤولية عالية للنقاش في تطور الحركة الثقافية في السودان والدور الذي يمكن أن تلعبه اجتماعياً وسياسياً، في هذه اللحظة الحاسمة والمهمة من تاريخ البلاد، لأن الصراع الدائم يؤكد الغياب التام للخطط والمشاريع التي تخص السياسات الثقافية الواضحة والمتطورة التي يمكن الرجوع إليها في تحديد توجهاتنا الثقافية المرحلية والاستراتيجية، مروراً بالدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة والناتج من مسؤولياتها الثقافية والاجتماعية والسياسية وصولاً إلى الأهداف وآليات التنفيذ.

في الوقت الذي ننتظر فيه وزارة الثقافة والإعلام بأن تقوم بعملية واسعة من حيث إعادة الهيكلة  بعد ثورة ديسمبر-أبريل المجيدة تشهد الجماعات انقساماً واسعاً بشأن إدارة المشهد الثقافي والسياسات التي تتبناها الثقافة في الفترة الانتقالية، فمن المؤكد وبصرف النظر عن الصراعات والخلافات والمواقف المتباينة  أنه لا أمل في خطط أو مقترحات لإعادة هيكلة الثقافة دون الاتفاق الديمقراطي على مشروع وثيقة سياسات ثقافية تحسم الجدل، وتضع رؤية لتطوير الحركة الثقافية واستكمال نموها الذي تعطل كثيراً بسبب سياسات الاستبداد وتداخلات الأنظمة السياسية الديكتاتورية ورغبتها في السيطرة على توجيه حركة التطور الثقافي بما يخدم مصالحها السياسية، كما فعل أصحاب المشروع الحضاري الإسلامي المزعوم. لأن الحركة الثقافية بعد تجربة القمع والاستبداد تحتاج لمن يحررها من رعاية الدولة إلى رحاب الاستقلالية واللامركزية، وأن تتجه لثقافة تشاركية، تعمل على خدمة وتطوير الثقافة السودانية، وتقوم على تعاون بين القطاع الخاص والمجتمع المدني، وروابط واتحادات الكتاب والمبدعين، لأن المشكلات التي تواجهها هذه الثورة المجيدة ويقع عليها واجب توفير الحلول والبدائل الممكنة لها، كلها تعتمد بشكل أساسي على امتلاكنا أدوات جديدة، تمكننا من معرفتنا لها بطرق مختلفة، وتجعل أمر حلها السياسي ممكناً.

يعتمد إكمال الثورة بشكل أساسي على السياسات الثقافية. إذ أن معظم قضايا الثورة السودانية ترتبط بهذه السياسات. فقضية تصفية ثقافة الاستبداد والفساد هي أولى هذه القضايا، وهي ترتبط بقضايا الاستنارة والتفكير النقدي. وقضايا السلام ترتبط بقضايا الهوية والتراث الثقافي، وتعتمد ثقافة السلام في بلادنا على قبول الآخر والاعتراف به والتسامح. وترتبط قضايا المساواة والعدالة بقضية علاقة الدين بالدولة وضرورة التفكير فيها على أسس جديدة. وما زالت كل هذه القضايا حبيسة التفكير فيها على ثوابت قائمة منذ أربعينات القرن الماضي، ولذلك لم ننتج معرفة جديدة بها تساعدنا على تقديم حلول وبدائل جديدة. إن السياسات الثقافية التي يجب أن تتبعها الثورة السودانية لا بد أن تعمل على توفير البيئة والمناخ والأساليب التي تمكننا من التفكير الجديد، المبني على التعدد والتنوع وعدالة الفرص واللامركزية بحيث تتوفر للجميع فرص عادلة دون تمييز نوعي أو نسبي، وحتى نصل إلى ذلك لا بد من التخطيط والاستفادة المبنية على واقع ممارسة الفنون والثقافات المختلفة والفولكلور، والتأهيل التام للبنى التحتية لدور العرض من مسارح وسينما متجولة وغيرها، حتى يتحقق التبادل الثقافي الذي يمهد للسلام والأمن الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى