الرأي

الزراعة الجائرة وليس الرعي الجائر 

جعفر خضر

إن الإحساس الذي يتملك الرعاة بولاية القضارف أن مواطنتهم منتقصة، أي أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، إذ أن السلطة ظلت على الدوام تنحاز لكبار المزارعين ضدهم، وأن السودان وطن لا يسع الجميع.

بالأمس القريب تحديداً يوم السبت الماضي اعتقلت الشرطة عشرة من الرعاة بغابة الفيل بعد أن رفضوا مغادرة جزء من الغابة استقرت فيه بهائمهم لترعى. دوّن مزارعون بلاغ تعدي في مواجهتهم، وتم إطلاق سراح ثمانية منهم في اليوم التالي، ولا يزال اثنان قيد الحبس.

تزامن ذلك مع مداهمة قوة من الشرطة للرعاة في منطقة الرويان بالبطانة، والتي طلبت منهم مغادرة المكان فورا، وشكى أحد الرعاة: كل الأماكن مزروعة .. نمشي وين؟ فمن تعدى على من؟

الغابة في الأصل ليست مكانا للزراعة بل هي ملاذ للحيوانات في أوقات بعينها. هذا يعني أن المزارعين هم من تعدى على غابة الفيل وليس الرعاة.

ولأن المزارعين يستقوون بالسلطة المنحازة لهم، فستجدهم قد استخرجوا، من إدارة الغابات الفاسدة، أوراقا تمنحهم حق الزراعة، وسيحكم القاضي وفقا للأوراق التي أمامه.

إن الحقيقة المؤكدة التي يجب أن نصدع بها جميعا أن الرعاة لم يتعدوا على المزارعين في غابة الفيل، بل إن الذي تعدى هم المزارعون وإدارة الغابات والسلطة، كلهم أجمعين، على الرعاة المهضومة حقوقهم، وهذا ما لا يجب أن يستمر في حقبة هذه الثورة المنتصرة لا محالة.

جدير بالتنبيه أن الرعاة العشرة، الذين تم اعتقالهم، كلهم من الهدندوة، مما يكشف، إذا أحسنا الظن، ضعف حساسية الشرطة للصراعات الإثنية الدائرة في شرق السودان؛ أو ربما حدث ذلك جراء تخطيط من قوى الثورة المضادة التي ترغب في توسيع دائرة الصراع في الإقليم.

إن الذي يسود اليوم بالقضارف ليس الرعي الجائر، وإنما الزراعة الجائرة التي قضت على الأشجار والحيوانات البرية وأنقصت الثروة الحيوانية.

إنها توجهات تستنزف الرعاة لأقصى درجة ممكنة. فها نحن مقبلون على موسم الحصاد، فبعد أن يحصد المزارع سمسمه أو ذرته ، فإنه سيبيع العلف للرعاة ليزداد المزارع ربحا على ربح، أو ليعوض خسائره إن لم يكن الحصاد مجزيا.

يباع  العلف للرعاة، ليس في المشاريع فحسب، بل وفي الغابات نفسها، التي هم أولى بها. كما أن هنالك مزارعين يزرعون الغابات، لا لإنتاج المحاصيل، وإنما بغرض بيع العلف للرعاة. وأكدت إفادات متواترة أن هنالك مزارعين يحرقون بذور الأشجار، الواجب عليهم زراعتها حسب العقد مع إدارة  الغابات، يحرقونها داخل الغابة؛ حتى لا تنبت الأشجار وتجعل المكان غير ملائم للزراعة الآلية. وقد استعانت إدارة الغابات الفاسدة بقوات الدعم السريع واستقوت بها لتواصل عبثها بغابة الفيل.

إن غالبية المسئولين بالدولة السودانية والنخب المؤثرة لا يحسون بمعاناة الرعاة، مما يقدح في أهليتنا لتحقيق شعار الثورة، حرية سلام وعدالة. إن استحقاق الرعاة لمواطنتهم الكاملة واجب ثوري يقع على عاتقنا جميعا، كما أن الحفاظ على الثروة الحيوانية وتنميتها مهمة اقتصادية ضرورية لخير كل الوطن، ولن يتأتى ذلك إلا بإحداث التوازن اللازم بين الغابات والمراعي والمناطق الزراعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى