الحل في حسن إدارة التنوع الثقافي
سارة الجاك
من الواضح أن التنوع الثقافي في السودان لم يلق الاهتمام الجاد والشامل اللازم منذ بداية تشكل السودان كدولة لها كيانها المستقل وحتى لحظتنا هذه، وربما لم يكن مفهوم التنوع الثقافي يذكر إلا في وسائل الإعلام وعلى استحياء، ولعلنا جميعا ندرك أن واقعنا الثقافي بتنوعه وتعدد أشكال تعبيره يمكنه أن يحقق وحدتنا الوطنية التي ظللنا نحلم بها ولم تتحقق بعد بل أن محاولة الاشتغال عليها بأفق التفكير السياسي قد أضر بها كثيرا وفتتها ليظل انقسام السودان في دولتين، أحد أبرز علامات خيبات السياسي وعدم قدرته على صياغة مشروع اجتماعي يراعي التنوع ويجعل من احتمال وحدة الوطن أمرا ممكنا. بعد انتصار ثورة ديسمبر المجيدة وتمكنها من اقتلاع نظام الإنقاذ بمشروعه المنغلق أحادي التوجه، اتسعت رقعة أحلامنا وظننا أنه قد حان الوقت للتأسيس لمشروع وطني يراعي تعدد وتنوع ثقافاتنا، أعراقنا،لغاتنا، وسائلنا في التعبير، سحناتنا، …إلخ غير أننا وللأسف لازلنا نقف عند ذات النقطة التي وقفت عندها سلطة الإنقاذ البائدة، ما زالت دعوات القبلية والتعصب للجهات تشاع يوما بيوم، ما زلنا نسمع بأن هناك موقفا ما للقبيلة الفلانية ضد قرار السلطة في أمر ما، كأننا لم نتحرر من نظام الإسلاميين إلا بمقدار أن نقيم مكانه من يسير حثيثا على دربه، كأن حكومتنا الانتقالية ومن بعدها المفكرون والمثقفون لم يدركوا ولم يفكروا أبدًا أن المشكلة الملحة التي تتطلب تفكيرًا عميقًا كنقطة انطلاق لسياسة ثقافية سليمة ومحددة بوضوح هي بناء أمة جديدة، ككيان إداري وسياسي وثقافي، بالاستفادة من التنوع البيئي والثقافي.
أظننا في حاجة إلى فهم فكري واضح لأن التنوع، بل بصورة أكثر دقة أن حسن إدارة التنوع، سيحقق التفاعل والوحدة وعلى ذلك يمكن أن تترتب حلول لمشاكل عدة فقط إذا تطورت الذهنية التي تعمل في الإدارة الثقافية.
فلنقف مثلا على قضايا الحرب والسلام، ألم تكن هي قضايا ثقافية في المقام الأول، وإذا ما اعترفنا بأنها ثقافية، فكيف يمكننا إدارتها بالحد الذي يجعلنا قادرين على تأسيس وثيقة للتعايش بين جميع المجموعات الثقافية المتجاورة والمتحاربة في زمان ما لتتفق على مشروع يعترف بالتنوع والاختلاف ويجعل منها جماعة متحاورة .
قضايا التنمية وعدالة توزيع مشروعاتها، أليست هي الأخرى قضايا ثقافية، بمعنى هل يمكن أن تتحقق أي مشروعات تنموية دون النظر في ثقافة السكان الأصليين لمكان ما وتبعا لذلك يمكن تصميم مشروعات تناسب ثقافتهم ومعارفهم واحتياجاتهم.
صحيح أن السياسيين ومنذ تواريخ مضت قد حاولوا مرارا أن يحققوا وثيقة التعايش التي ذكرناها سابقا، وصحيح أنهم جميعا وعلى مر التواريخ التي جرت فيها محاولاتهم كانوا يتحدثون عن رغبتهم في الوصول إلى سلام يعالج جذور الأزمة السودانية، ولكننا إذا نظرنا في فهمهم لجذور الأزمة وتدبرنا معنى قولهم لوجدناهم لم يفكروا حتى في قشور الأزمة ناهيك عن جذورها. ظني بل يقيني أنه ما لم تفهم الدولة (بمفكريها ومخططيها وواضعي سياساتها) أن جملة مشكلات السودان السياسية والإقتصادية والاجتماعية كلها ذات منشأ ثقافي، وإنهم مطالبون بالعمل على فهم التنوع الثقافي السوداني ومن ثم العمل على حسن إدارته، فإننا لن نصل إلى صورة السودان التي نحلم بها، السودان الموحد يا سادتي لن يبنى باقتسام السلطة والتافس على المقاعد، بل يبنى بالاعتراف بتنوع بيئاته وثقافاته وأعراقه وأديانه، وخلق الوثيقة التي تضمن تعايش هذا التنوع في تجاور وتحاور، لن يستعل فيه أحد على آخر ولا دين على دين، أو عرق على عرق.