الرأي

الحكومة الانتقالية الثانية.. عود على بدء

لؤي قور

ولئن كان ثمة ما يوجد أمام التشكيلة الحكومية المرتقبة، فهو تحديات الضائقة الاقتصادية، السيولة الأمنية، إكمال الهياكل، وتفكيك تمكين الإخوان واستكمال السلام. خاصة بعد أن أسفر الفلول عن وجههم، ولجأوا للعنف في عدة مناسبات. وعلانية، بعد أن كانوا يتخفون داخل التناقضات الإثنية والقبلية، وما يحدث من احتجاجات شعبية مطلبية من وقت لآخر هي – لسخرية القدر – تُنادي بالتحرر من ربقة سيطرة الفلول على السوق!! صدرت تصريحات لأحد رموز الإخوان المعروفة، ممن يتخفون في ثياب الإدارة الأهلية، يهدد فيها لجنة تفكيك التمكين، وملأ الأسافير وعيداً وصراخ. وتمت مهاجمة مقر اللجنة في بورتسودان والعبث بمحتوياته، بالتزامن مع محاولات لمهاجمة مقار اللجنة في عدد من الولايات. ويبدو أن الفلول صاروا في سباق مع الزمن، وقد دنا أجل تشكيل الحكومة الجديدة، وانصرافها إلى إنفاذ مهام الفترة الانتقالية. واقتراب موعد قدوم البعثة الأممية للإشراف على كامل عملية التحول الديمقراطي. فهم يقومون بمغامرة أخيرة عنيفة، قد تخلط الأوراق من وجهة نظرهم، وتربك مسار الانتقال. لكنها في الوقت ذاته قد تذهب بهم للتصنيف كجماعة إرهابية، وهذا ما يتوجب حدوثه حال تزايد مثل هذه الهجمات الإخوانية.

أقلق الفلول فشل حملاتهم في جر الولايات لحروب “إثنية” خارجة عن السيطرة، في محاولة لشد حكومة الثورة من الأطراف. خاصة حملتهم في ولاية نهر النيل، والتي أوقدوا نارها، فإذا هي هشيم تذروه الرياح. بسبب مساندة القوى الثورية لوالية الولاية، التي طالب الفلول باستقالتها، بعد أن جعلت “تفكيك التمكين” في ولايتها أولوية، ومضت في طريق الإصلاح. تزايد الانسجام بين شركاء الانتقالية بعد تكوين مجلس الشركاء، وبعد أن نجح في وضع مصفوفة جديدة بجدول زمني معلوم، قضت بتكوين مجلس الوزراء الانتقالي الجديد في موعد أقصاه مطلع فبراير القادم. وأن يتم تقديم الرؤية السياسية وأولويات الحكومة الانتقالية في الثامن من ذات الشهر، على أن يتم تكوين مجلس السيادة الانتقالي الثاني في الخامس عشر منه. أما المجلس التشريعي الانتقالي فقد حدد الثاني والعشرين من مارس كحد أقصى لتكوينه. وقضت المصفوفة بتعيين ولاة الولايات في الثامن من مارس القادم، وتكوين المفوضيات في الخامس عشر منه. على أن يتم تعيين حكومات الولايات والمجالس التشريعية الولائية في الثاني والعشرين من ذات الشهر. مما يؤشر ويؤذن بأن المرحلة الانتقالية، وعبر حكومتها الثانية تبدأ من حيث توقفت، وتمضي في سعيها لإكمال هياكلها، بما يعين ويعزز الاستقرار السياسي الضروري في هذه المرحلة، مرحلة البناء.

وشيء آخر ساهم في زيادة قلق الفلول، هو البعثة الأممية السياسية (يوناميتس)، والتي صارت بين ظهرانينا بانتظار اكتمالها. فقد عقدت اللجنة الوطنية للتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة السودان (يونيتامس) في التاسع عشر من يناير الجاري اجتماعا بمجلس الوزراء برئاسة السفير عمر الشيخ رئيس اللجنة الوطنية مع القائمة بأعمال البعثة السيدة “ستيفاني كوري” ومساعديها بحسب وكالة السودان للأنباء. وأوضح السفير “عمر الشيخ” في تصريح صحفي حينها، أن الاجتماع ناقش سُبُل التنسيق بين اللجنة الوطنية، وبعثة الأمم المتحدة (يونيتامس) في المجالات الاستراتيجية التي وردت في قرار مجلس الأمن، الذي أنشئت بموجبه البعثة والمتعلقة بعملية التحول السياسي بالبلاد. فضلاً عن دعم تنفيذ اتفاق السلام، وإحلاله على أرض الواقع. إضافة إلى حشد الدعم الدولي من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية بالبلاد. وأشار السفير إلى أنه تم التطرق إلى كل تفاصيل التنسيق بين اللجنة الوطنية و(يونيتامس) من أجل مساعدة البعثة في إنجاح مهمتها، وزاد: “يكتمل وصول البعثة الأممية بقدوم رئيسها الألماني فولكر بيرثس، إلى الخرطوم في الثاني من فبراير المقبل”.

وكشف الشيخ، عن بدء مهام البعثة التي تضم ستة عشر مكونآ. منهم 12 أجنبيا وأربعة مكونات من السودان. وتضم 269 موظفاً. وأن الأمم المتحدة خصصت مبلغ ٣٤ مليون دولار لميزانية البعثة الأممية للسنة الأولى. مشيرا إلى أن المهام الأربع الرئيسة للبعثة تتمثل في “الاعتراف بخروج السودان من عزلته، مساعدة السودان في عملية التحول للحكم الديمقراطي، تنفيذ عملية بناء السلام، بالإضافة إلى حشد الموارد الدولية لمساعدة السودان على النمو اقتصاديآ”. وقالت اللجنة إن بعثة اليونيتامس سيكون مقرها الخرطوم وأن لها ثمان مكاتب إقليمية في كل من الفاشر، زالنجي، نيالا، كادوقلي، كاودا، الدمازين، كسلا، وبورتسودان. من جانبها وصفت السيدة “ستيفاني كوري” القائمة بأعمال البعثة الاجتماع بالناجح والمثمر حيث تم الاتفاق على آلية التعاون بين البعثة والجهات الحكومية المختلفة، معربة عن شكرها وتقديرها للجهود التي تبذلها اللجنة الوطنية في هذا الصدد.

لم يعد أمام الفلول من أمل إذن في تخريب الفترة الانتقالية، أو الارتداد بالبلاد للديكتاتورية عن طريق إذكاء النزاعات والتناقضات. مع كل ما سبق وسيأتي من خطوات، تساعد في استقرار الفترة الانتقالية. وتجعل من النجاح في التحول الديمقراطي أمراً ممكناً، بل وراجحاً. ولما تزايد يأسهم لجأوا لما يجيدونه وهو العنف في محاولة لكتابة نهاية سريعة لمشوار الانتقال. بعد أن صبر الناس على أذاهم المتمثل في مفاقمة الأزمات الاقتصادية الموجودة أصلاً، وصناعة أخرى لم تكن لتكون موجودة لولا جهود الفلول. صبر الناس أملاً في تحول يقيل عثرة البلاد من وهدتها، ولو جاء بطيئاً. وذلك لمعرفتهم وعلى مدى عقود ثلاثة، ماذا يمكن أن يفعل “هؤلاء” إن وصلوا لسدة السلطة.

 الكرة الآن في ملعب شركاء الانتقالية لتنفيذ المصفوفة الجديدة الخاصة بإكمال الهياكل، وإيجاد حول عاجلة للوضع المعيشي الخانق، وبسط هيبة الدولة مع الحفاظ على مكتسبات ديسمبر، واستكمال عملية السلام، والمضي قدماً، وبقوة أكبر، في تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو. وتوفير الدعم والحماية للجان التفكيك في العاصمة والولايات، وإحسان التعامل مع البعثة الأممية بما يهيئ لهذه البلاد سبيلاً للوصول إلى ما يشتهي شعبها من دولة مدنية، تقوم على المواطنة، والعدالة، وسيادة حكم القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى