الرأي

الجنجويد.. القضارف والتوهان الثوري

جعفر خضر
كتبتُ منشوراً على الفيسبوك يستنكر ذهاب البعض باسم لجان مقاومة القضارف على سيارة الجنجويد لتقديم إغاثة لمتضرري الفاو. وأرفقتُ مع المنشور صورة الإغاثة وهي تحيط بماسورة الدوشكا التي تمد لسانها تسخر من الشهداء والجرحى والمفقودين وميادين الاعتصام والثورة والوطن.
لاحظت أن نصف المعلقين على المنشور أو أكثر لم يرفض استخدام لجان المقاومة لسيارة الجنجويد. وحاولت قراءة موقف بعض ناشطي القضارف في التايم لاين، فلم أجد استنكاراً يذكر، ولاذ كثيرون بالصمت المريب. وهذا يدلل على تنامي حالة من التوهان الثوري لدى بعض نشطاء القضارف.
وقد برر أحدهم أن الوالي لم يوفر لهم سيارة، فذهبوا إلى الجنجويد!! وهذا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وبرر البعض تعامل لجان المقاومة مع الجنجويد بأن قوى الحرية والتغيير تعاملت مع المجلس العسكري، ووقعت معه الاتفاق السياسي، ثم الوثيقة الدستورية، وأصبح الجنجويد شركاء في السلطة. ونسي هؤلاء أن لجان المقاومة لم تكن جزءاً من التفاوض وصناعة الاتفاق. ولو افترضنا أنها كانت جزءاً منه، فقد أثبتت مآلات الأمور أن المكون العسكري ظل يتمدد ويعمل على إعاقة الانتقال، فليس من المعقول أن تطبع لجان المقاومة علاقتها بالجنجويد وتستعين بهم بعد أن حدث ما حدث!!.
‏وهسع كتبنالك جواب
شالوهو هزاع والوليد
فجعونا عسكور الرماد
تهمونا بالبنقو الحشيش
مديتلو تمرة وزهرتين
مدالي مية طلقة ليش
هجمونا والبنوت نيام
لابسين عساكر وأمن وجيش
جيناهو نتقالد وطن
غدرونا في نص الهويش
يبدو أن البعض يحتاج لتذكيره بدموع الأغنيات التي جسّدت مأساة مجزرة القيادة العامة، والتي ظلت تبكي الأطفال، كلما تغنى بها مغن. مما يعني أن الأجيال الجديدة، التي هي في عمر الأطفال تدرك أن الجنجويد والأجهزة الأمنية وكتائب الظل وقيادة الجيش -هم قتلة شهداء فض الاعتصام ومغتصبو الثائرات والثوار، وهذا يؤكد أن الجنجويد والقوى الأخرى هم أعداء الثورة والوطن.
لا تقتصر جرائم الجنجويد على القتل والانتهاكات إبان الثورة، بل تورطت هذه المليشيا بقيادة آل دقلو، في جرائم إبادة جماعية في دارفور منذ العهد البائد.
من الضروري التذكير بهذه البديهيات حتى لا تطش بوصلة الثورة لدى بعض الثوار فيختلط الأمر ولا نفرز الصليح من العدو. وإذا لم نحترس هناك بعض المأجورين الذين يسوقون الثوار بالخلا إلى أحضان الفريق خلا!!.
تستحوذ مليشيات الجنجويد على أموال طائلة، مصدرها الارتزاق للسعودية والإمارات، حيث أرسلت عشرات الآلاف من الجنود للقتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وكان المخلوع البشير قد اعترف أثناء محاكمته، بأنه سلم شقيق حميدتي مبالغ من الأموال التي حصل عليها من الإمارات والسعودية والبالغة 91 مليون دولار.
كما يقوم آل دقلو بتهريب الذهب، حيث هرٌبوا أطناناً منه عن طريق شركة الجنيد التي تتبع لهم.
ومما يكشف امتلاك حميدتي موارد مالية هائلة، أنه منح خزينة الدولة السودانية مبلغاً يتجاوز مليار دولار، وقام بتسديد رواتب الشرطة السودانية نقداً لمدة ثلاثة أشهر، فمن أين له هذا؟.
كل هذه الأموال التي ضخها حميدتي وغيرها كانت من حسابات مصرفية يسيطر عليها، عبر أفراد من عائلته أو مقربيه في قوات الجنجويد، وهذه الحسابات غير مراقبة من الأجهزة المختصة وللأسف لا تزال بعيدة عن عيون الدولة.
وقد استطاع حميدتي شراء العديد من الناشطين، وتحول موقفهم من العداء الشديد له، إلى الدفاع المستميت عن آل دقلو!.
كما يسعى حميدتي بكل ما نهب من مال أن يظهر بمظهر رجل البر والإحسان، لتجميل صورته، التي ارتبطت في أذهان الجميع كقاتل وسفاك دماء. وقد ساعده بعض من ينسبون أنفسهم للجان مقاومة القضارف على تجميل وجهه الدموي.

إن لجان المقاومة الحقيقية كانت وستظل على عداء كامل مع الجنجويد والمكون العسكري والكيزان، وتعمل على القصاص منهم. وهي ليست على عداء ثابت مع الحكومة المدنية، ويمكن أن تختلف معها لتقصيرها أو فشلها.
إن الذين صوروا والي القضارف المدني كعدو، ويجنحون الآن للتنسيق مع الجنجويد، فقد تعطّلت بوصلتهم الثورية، وضلوا ضلالا بعيدا، وضللوا الثوار الصغار وأوردوهم موارد الهلاك الثوري.
إن المنتحلين اسم تنسيقيات لجان المقاومة والمتسلقين لن يقفوا عند هذا الحد، فستدفعهم أطماعهم للمزيد من التنسيق مع الجنجويد، وستجذبهم مغريات آل دقلو، الذين يمنحون الذهب والمال لمن سيكون تحت خدمتهم.
إن سوء أداء الحكومة المدنية والحاضنة السياسية، لا يجعل الثائر الحقيقي يقترب من الجنجويد وعناصر النظام البائد.
وحتى تتفادى لجان المقاومة السواقة بالخلا والوقوع في أحضان الفريق خلا، عليها تنظيم نفسها، وأن تعي بأنها أكبر تنظيم للشعب السوداني في تاريخه، وتتذكر أنها كان لها الدور الأكبر في ثورة ديسمبر.
ولا بد من إحياء لجان الأحياء، حتى لا تكون التنسيقية عبارة عن جسم فوقي لا أساس له، الشيء الذي يقفل الطريق أمام المأجورين من قيادة اللجان وتجييرها لمصلحة الجنجويد أو غيرهم.
إن البناء المؤسسي يتطلب أن تكون لجنة الحي هي الأساس بأن تنتظم في عقد جمعياتها العمومية، وأن يكون لها هيئة قيادية منتخبة لفترة زمنية محددة. هذا هو الأساس الذي بناء عليه يتم التشبيك وتكوين التنسيقيات. وينبغي أن تظل السلطة الأقوى في لجنة الحي، ويذهب ممثلها للتنسيقية وفقا لإرادتها .
كما يجب على لجان المقاومة إرساء الشفافية بنشر ميزانيات أنشطتها للشعب السوداني، بذكر كل مصادر التمويل، وتفاصيل الصرف، حتى يُغلق الباب أمام أي محاولات تلاعب، كما أن الشفافية من مبادئ الثورة العظيمة.
إذا تم البناء المؤسسي للجان، وتم ترسيخ الشفافية، فلن يتمكْن الجنجويد أو غيرهم من اختطاف اللجان وحرفها عن مسارها. ولا شك أن ثوار لجان المقاومة قادرون على ذلك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى