تقارير

التقارب مع روسيا ينذر بعودة عزلة السودان الدولية

يسعى قادة الانقلاب العسكري في السودان إلى الاستفادة من الأزمة الأوكرانية والتناقضات بين الولايات المتحدة وروسيا من أجل استجلاب دعم يؤمّن له سلطته، التي تهددها الاحتجاجات وتفاقم الأزمة الاقتصادية. ووجد المجلس العسكري في روسيا ملاذاً لمساعيه، إلا أن الخطوة تعتبر مغامرة قد تعود بنتائج عكسية قد تؤدي إلى العودة إلى عزلة السودان الدولية.

تقرير- وكالات

تشهد الساحة السودانية شدّاً وجذباً بين الأمم المتحدة والنظام العسكري في السودان، فيما تقترب الخرطوم تدريجياً من روسيا، حيث يدور حديث حول تحالف ومصالح مشتركة بين قيادة الجيش وموسكو، ما يثير المخاوف من عودة السودان إلى العزلة الدولية.

أجرى محمد حمدان دقلو المعروف باسم (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، ونائب رئيس مجلس السيادة السوداني محادثات في موسكو مع كبار مسؤولي الحكومة الروسية، بمن فيهم وزير الخارجية، سيرجي لافروف.

وفي بداية أبريل 2021، هدد رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان بطرد المبعوث الخاص للأمم المتحدة، متهماً إياه بتجاوز صلاحيات تفويضه. وقال البرهان في كلمة ألقاها خلال حفل تخرج عسكري: “نحن نرى تطاوله، يتحدث ويكذب”. في إشارة إلى الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس. أضاف: “نحن نقول له إذا تجاوزت التفويض سنخرجك خارج السودان”.

جاء تهديد البرهان بعد أيام من تقديم بيرتس تقريراً لمجلس الأمن عن الجهود المبذولة في السودان، حيث علق على الاضطرابات الاقتصادية في البلاد، والعنف ضد المحتجين، وأولويات الانتقال إلى إجراء انتخابات.

وحذر بيرتس من أن السودان يتجه “نحو الانهيار الاقتصادي والأمني” ما لم تتم العودة إلى المرحلة الانتقالية، التي تم الاتفاق عليها بعد إسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير.

ودفع تهديد البرهان والصيغة القاسية التي استعملها ضد بيرتس الأمم المتحدة رسمياً إلى دعوة الجيش السوداني إلى وقف “خطاب الكراهية”.

وفي الأثناء، بدأ السبب وراء تصعيد البرهان بالظهور، إذ بينما يدير الجيش السوداني ظهره لخارطة الطريق المفترضة لبناء نظام ديمقراطي تحت إشراف الأمم المتحدة، صار البلد يقترب خطوة نحو الحليف القديم صاحب النظام الروسي.

يقول محمد النعيم، ناشط سوداني مقيم في لندن: “بعد قمة سوتشي عام 2017 بين الرئيس بوتين والدكتاتور السابق للسودان عمر البشير، قال البشير إن السودان سيصبح مفتاح روسيا في أفريقيا”.

وتضمن اتفاق عام 2017 بين روسيا والسودان إنشاء قاعدة عسكرية بحرية لروسيا على البحر الأحمر والتي بدأت بالحصول على زخم أكبر الآن، وكذلك السماح لشركة مجموعة (فاغنر) بالتعدين وتصدير الذهب إلى روسيا.

ووفقاً للمعلومات، تشكل صادرات الذهب نحو (70%) من إجمالي الصادرات بكميات متفاوتة بين (26 – 30) طناً سنوياً. علاوة على أن صادرات الذهب كانت قد استبعدت من العقوبات الدولية على السودان بعد الإطاحة بنظام البشير عام 2019.

وقالت صحيفة (تيليغراف) البريطانية، إن ذهب السودان ساعد من تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا، لذا فليس من المستغرب أن يصبح السودان وروسيا حليفين.

في الرابع والعشرين من فبراير -اليوم الذي شنت فيه روسيا هجومها على أوكرانيا- أجرى محمد حمدان دقلو، محادثات في موسكو مع كبار مسؤولي الحكومة الروسية.

وتقول كريستين فيليس روهرس، من منظمة “فريدريش – إيبيرت” الألمانية في الخرطوم: “الواقع، إن زيارة حميدتي كممثل للنظام السوداني، بغض النظر عن زيارته كممثل أو قائد لقوات الدعم السريع، تثير قلقاً في المجتمع المدني، وأيضاً داخل الجيش”.

تضيف فيليس روهرس: “الخوف من عودة السودان إلى العزلة الدولية بعد الانقلاب أصبح واضحاً، مثلما كان عليه الحال في فترة حكم البشير بين عامي 1993 و2019”. وتتابع: “التقارب مع روسيا التي أصبحت منبوذة دولياً، أطلق جرس إنذار”.

إضافة إلى ذلك يرى تيودور مورفي، مدير قسم أفريقيا في المركز الأوروبي لدراسة العلاقات الخارجية، أن “حميدتي كان يغازل روسيا بشدة وكانوا يتجاوبون بشكل إيجابي مع مبادراته”.

ويرى مورفي أنه على الرغم من المنافسة بين حميدتي والبرهان وخشية البرهان من أن يتفوق عليه حميدتي، إلا أن الاثنين منفتحان على التعاون مع روسيا.

ويتابع مورفي أن المجتمع المدني هو “الحماية الحقيقية الوحيدة ضد النفوذ الروسي في السودان، لأن أيديولوجية المجتمع المدني تعارض أي دور لروسيا”.

يقول مراقبون إن الخرطوم تبدو مغامرة بشأن العلاقة مع قوى غربية بانحيازها لموسكو، وقد تكون نتيجة ذلك عودة السودان إلى مربع العزلة الدولية مرة أخرى إذا تمكنت الولايات المتحدة من حسم المعركة مع روسيا لصالحها.

كما أن تصاعد نبرة الهجوم من جانب الإدارة الأميركية على الجيش السوداني أخيراً أسهم بالتعجيل في الاتجاه نحو موسكو، فهناك إدراك بأن قطار العقوبات الأميركية الذي انطلق مع الانقلاب العسكري في أكتوبر الماضي، لن يتوقف مع تراجع فرص التوافق مع المكون المدني.

يتوقع متابعون أن يواجه السودان صعوبات سياسية واقتصادية حال اختارت واشنطن أن تتعامل بصيغة خشنة مع إصرار الخرطوم على التوجه نحو روسيا في هذا التوقيت، وهو أمر يتصاعد حدوثه تماشياً مع التطورات على الحدود الأوكرانية.

ولدى المكون العسكري قناعة بأنه طرف غير مرغوب فيه من جانب القوى الغربية، والإدارة الأميركية خصوصاً، ولا يعول كثيراً على استئناف المساعدات حالياً، ويبحث عن مخرج أو طرف يسانده أمام توالي الضغوط الدولية.

ويسير بسرعة تؤدي إلى توسيع نطاق التدهور في العلاقات مع الدول الغربية، بينما يؤكد متابعون أن مصالح السودان الحقيقية مع إقامة علاقات جيدة مع جميع الأطراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى