الرأي

التبشير المُضاد ..!

سفينة بَوْح – هيثم الفضل

من الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها حكومة حمدوك منذ تنصيبها، أنها وضعت معالجة الضائقة المعيشية والقضاء على الأزمات التي ألمت برغيف الخبز والوقود وغاز الطعام في المرتبة الثالثة على أجندة أولويتها بعد رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتحقيق السلام الشامل مع حركات الكفاح المسلح، فالواقع التكتيكي كان يُحتِّم أن يكون لموضوع الضائقة المعيشية (أولوية) على الأولويات الأخرى، لأنه متعلَّق بـ(قومية) الاستقرار الاجتماعي، من باب أن الخرطوم والمدن الكبرى يقطنها أكثر من 95% من سكان السودان بعد جحافل الهجرة العكسية من الريف إلى المدن، والتي حدثت كنتيجة طبيعية للحروب والنزاعات وانعدام الأمن والخدمات والتنمية غير المتوازنة. فقد عرَّض هذا الخلل في ترتيب الأولويات حكومة الثورة ومؤسساتها وشخوصها إلى (أخطار) داهمة كانت سُتفضي إلى سقوطها لولا سترُ الله ومجهودات لجنة إزالة التمكين في تشتيت أفكار وطاقات قوى الرِدة والطُغيان من بقايا النظام البائد، بعد أن عجزت وتقاعست الأجهزة العدلية بما فيها النيابة العامة والمنظومات القانونية الخاصة المتمثِّلة في لجان كثيرة، أبرزها لجنة التحقيق في فض الاعتصام ومجزرة القيادة العامة، عن التقدُّم قيد أنمُله في ما يطلبهُ منها الشارع الثوري وما تقتضيه المُجريات الطبيعية لتطبيق العدالة والقصاص من الذين أجرموا في حق الوطن والمواطن.
وفي ذات السياق كنت من المتوقعين، أن تلتفت الحكومة الانتقالية منذ بداياتها إلى الأهمية الإستراتيجية التي يُمثِّلها (إعلام ما بعد الثورة) على المستويين المادي والمعنوي في استمرار التبشير بالمآلات الإيجابية لمواصلة المسير الديمقراطي، خصوصاً وأن بنياته الأولية بالنسبة إلى ما حدث من دمار اقتصادي وإداري وخدمي في الثلاثين عاماً التي مضت، كان من المعلوم بالضرورة أنها ستحتاج إلى (تحمُّل) المزيد من الضغوطات والصعوبات التي سيواجهها المواطن بسبب رفع الدعم عن السلع الإستراتيجية، لإطلاق طاقات الدولة وإمكانياتها للتعمير وبناء اقتصاد مُعافى يعتمد على الإنتاج والمؤسسية وانفتاح سبُل التعاون بينهُ والعالم الخارجي دون شرطٍ ولا قيد، فما يصيب الإنسان السوداني من مصاعب معيشية (مؤقتة) في وضعنا الراهن هو في الحقيقة (جراحة مؤلمة)، تستهدف الشفاء الناجع لمشكلات الفقر والجهل والمرض، وهي في ذات الوقت (المدخل المظلم) إلى ساحةٍ مُضيئة من الاستقرار الاقتصادي والتحسين المستمر لمستويات الدخل الفردي، عبر الاندماج تدريجياً في مشاريع التنمية القومية المنتظر تدشينها في المستقبل القريب بإذن الله تعالى. لذا كان لا بد من أن يكون للإعلام الثوري دورٌ كبير وإستراتيجي في دعم هذه الفترة (العصيبة) من تاريخ شعبنا بالمزيد من التوعية والحث على الصبر والتفاني في التمسُّك بخيارهِ الديمقراطي، والاجتهاد في مقاومة قوى الظلام التي تعمل بحماس للاصطياد في الماء العكر استغلالاً لهذه الأزمات والضوائق في (التبشير المُضاد) الذي يستهدف إلهاء الضمير المجتمعي عن جذوة الثورة الأولى، وإخماد شعلتها بنشر روح الإحباط عبر شعارات ونداءات عديدة تصدر بواسطة وسائط التواصل الاجتماعي وبعض المنابر الإعلامية التي ما زالت مفتوحة عبر الإهمال و(التغاضي) للكثيرين والكثيرات من كوادر النظام البائد الذين لم تطلهُم أيدي لجنة إزالة التمكين. على وزير الثقافة ومدير عام الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون أن (يرتقيا) بمخططاتهما الإعلامية إلى مصاف التحديات التي تواجه الثورة، ومسيرة تثبيت قواعد النظام الديمقراطي بشتى السُبل وفي مقدمتها القضاء (بثورية) على كل الكوادر الإعلامية، في الأجهزة الرسمية للدولة والتي تحوم حولها شُبهات التضرُّر من شعارات الثورة ومبادئها ومطالبها التي خرج من أجلها هذا الشعب الطموح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى